على مدى نحو عامين، تحوّل الساحل الغربي في اليمن، إلى مركزٍ للعمليات العسكرية والضغوط الدولية المرتبطة بها، عززته تطورات الأشهر الأخيرة، مع الدخول الدولي القوي على خط المعركة التي وُصفت بـ"المفصلية"، حول مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجيين، لتؤول الأزمة بكافة تحدياتها وتعقيداتها العسكرية إلى لجنة مؤلفة من سبعة أشخاص، برئاسة الجنرال الهولندي المتقاعد باتريك كاميرت، الذي سيشرف على الهدنة الهشة، والتي قد تترتب في ضوئها عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة ككل.
في هذا السياق، أفادت مصادر يمنية قريبة من مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث وأخرى من الوفد المفاوض الذي يمثل الحكومة لـ"العربي الجديد"، بأن "الجنرال الهولندي المعني بالإشراف على وقف إطلاق النار المبرم خلال مشاورات السويد، سيكون موجوداً في مدينة الحديدة خلال الأسبوع الحالي، بعد مروره بالعاصمة صنعاء، إثر تدشين جولته في المنطقة، من العاصمة الأردنية عمّان، التي يوجد فيها مقر مكتب المبعوث الأممي.
ويوم الأربعاء الماضي، اجتمع كاميرت للمرة الأولى عبر شاشة تلفزيونية من مقر وجوده في نيويورك، مع أعضاء اللجنة التي يرأسها وتضمّ ستة أشخاص؛ثلاثة منهم يمثلون الحكومة اليمنية وثلاثة عن جماعة أنصار الله (الحوثيين)، لتولّي الإشراف على تنفيذ هدنة الحديدة، وعلى الإجراءات الأمنية التي يقتضيها اتفاق استوكهولم المبرم بين الطرفين. ويشمل إعادة نشر القوات من الطرفين خارج المدينة وانسحابها من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، لتتولى مسؤولية الأمن فيها القيادات اليمنية المعيّنة قبل اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014.
يتمتع الهولندي باتريك سي كاميرت المولود في عام 1950، بخبرة عسكرية طويلة دولياً، إذ إنه تخرّج في كلية القيادة والأركان العليا ببلاده، وانضم إلى سلاح البحرية الملكية الهولندية في عام 1968، وكان ضمن قوات كوماندوز في هونغ كونغ، وفي اسكتلندا. وخدم في منطقة البحر الكاريبي الهولندي من 1986-1988 قائداً، كما حضر في عام 1989 دورة كبار الموظفين البحريين في لاهاي. وبين يناير/كانون الثاني 1990 وأكتوبر/تشرين الأول 1991، عُيّن قائداً في الكتيبة البحرية الثانية ثم ضابط قيادة في الكتيبة البحرية الأولى.
تولى كاميرت قيادة الكتيبة البحرية الأولى في كمبوديا خلال عملية سلطة الأمم المتحدة، من أواخر عام 1992 وحتى يونيو/حزيران 1993، ثم عمل في ﻻهاي مع موظفي البحرية في التخطيط وإدارة السياسات، ولاحقاً عُيّن قائداً لمجموعة القوات الهولندية المشتركة في البوسنة والهرسك ومساعداً لقائد قوات الأمم المتحدة، بين عامي 1995 وعام 1998. ثم شغل منصب رئيس أركان سلاح البحرية الملكية الهولندية حتى عام 1999، قبل أن يتابع دورة تدريب الدفاع المتقدم في لاهاي ويعيّن قائداً للواء الاستعداد العسكري المتعدد الجنسية التابع لعمليات الأمم المتحدة.
وبين أكتوبر 2000 ونوفمبر/تشرين الثاني 2002، عمل كاميرت قائداً لقوات الأمم المتحدة في إثيوبيا وإريتريا، ومطلع فبراير/شباط 2005 عُين قائداً لقوات الأمم المتحدة في الجزء الشرقي من جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي إبريل/نيسان 2007، غادر الخدمة الفعلية، مُعيناً من قبل الأمين العام للأمم المتحدة الراحل كوفي أنان، مستشاراً عسكرياً لإدارة عمليات حفظ السلام.
منذ تقاعده في عام 2007، شغل كاميرت العديد من المهام والبرامج في إطار منظمات الأمم المتحدة وعمليات حفظ السلام، بما في ذلك، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة وحماية المدنيين من خطر العنف الجسدي، والعنف القائم في النزاعات المسلحة. وشملت المسؤوليات الأخرى، بعثات تقصّي الحقائق والتقييم في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ولبنان، والسودان، وهايتي، وليبيريا، وتشاد، وسريلانكا. وقاد التحقيق الأممي في أحداث غزة 2014.
ويُعتبر كاميرت، بحسب المعلومات المنشورة في مواقع الأمم المتحدة، معلماً رئيسياً منتظماً في دورات القيادة العليا للأمم المتحدة وفي الدورات التوجيهية المكثفة للقيادة الجديدة للقوات، وعُين في عام 2016 من قبل الأمين العام السابق للمنظمة بان كي مون، قائداً لفريق التحقيق المستقل بالعنف، في عاصمة جنوب السودان، جوبا.
في اليمن، ورد اسم باتريك كاميرت للمرة الأولى، على لسان المبعوث الأممي مارتن غريفيث خلال الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي في 14 ديسمبر الحالي، عقب ختام مشاورات السويد، إذ تحدث عنه باعتباره الرجل الذي سيقود قوات أممية في الحديدة، إلا أن ردود الفعل اليمنية الرافضة لفكرة نشر قوات حفظ سلام دولية، دفعت غريفيث على ما يبدو إلى حذف الجزء الخاص بذكر القوات الأممية، في نص الإحاطة المنشور على الموقع الرسمي لمكتب المبعوث الدولي.
في وقتٍ لاحقٍ، أكد الجانب الحكومي أن كاميرت هو المسؤول العسكري الأممي الذي سيقود لجنة إعادة الانتشار في الحديدة، على أن تتألف من ستة أعضاء، وهي اللجنة المعنية بالإشراف على خطوات وقف إطلاق النار والانسحاب من مدينة الحديدة وموانئها إلى مواقع محددة خارج المدينة كمرحلة أولى، وغيرها من الخطوات المنصوص عليها بالاتفاق المعلن في ختام مشاورات استوكهولم. ورأى يمنيون أن "اللجنة التي يترأسها كاميرت، ستكون بمثابة إدارة لمدينة الحديدة أو لملف الأزمة فيها على الأقل".
يأتي كاميرت، في ظل واقع شديد التعقيد، إذ إن الطرفين (الحكومة اليمنية والحوثيين)، لا يزالان يختلفان في تفسيرهما اتفاق السويد، فضلاً عن الأهمية العسكرية والاستراتيجية للمعركة، والتي يرى فيها الطرفان أمراً مصيرياً بالنسبة إلى الحرب في البلاد، في واقعٍ من انعدام الثقة، وتحضر المصالح والأجندة الإقليمية والدولية المرتبطة بالصراع الدائر بالبلاد ككل منذ سنوات. وهو ما بدت معالمه واضحة من خلال الأحداث العسكرية والتطورات السياسية منذ أشهر، وكلها تجعل مهمة ضابط البحرية الهولندية المتقاعد والخبير العسكري الدولي، ذات مسؤولية غاية في التعقيد، تنتظر الأيام والأسابيع المقبلة، للكشف عن ملامحها.