أعلن الجيش العراقي أخيراً أنه قتل انتحارياً في بلدة الطارمية شمالي بغداد، لكن سرعان ما تبين عدم صحة ذلك، وأن الانتحاري المزعوم هو شاب يُدعى لؤي أحمد محمد في العقد الثالث من العمر ويعمل على خط لتوصيل طالبات جامعيات في بغداد وأنه قُتل برصاصة في رأسه خلال تواجده على ضفاف دجلة شمالي بغداد لاصطياد السمك. وكانت رصاصات الجيش تحذيرية لمنعه من الاقتراب من المكان إلا أن إحداها استقرت في رأسه، وهو ما دفع القوة العسكرية إلى تلفيق هذه الرواية للتخلص من المسؤولية.
عقب تكشُّف الحقيقة طالب مقرر لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، محمد الكربولي، بفتح تحقيق موسع في الحادثة. وأوضح في بيان أن الضحية لم يكن يملك أي سلاح ولا حزام ناسف ولا أياً من الأشياء التي ذكرها بيان قيادة عمليات بغداد، كاشفاً أن القوة اعترفت أن القتل تم بالخطأ. وطالب الكربولي رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بفتح تحقيق عاجل مع قيادة عمليات بغداد وقيادة اللواء 59 التابع لها، وإحالة المتسببين في قتل الضحية إلى المحاكم العسكرية، مع تعويضٍ مجزٍ لأسرة الضحية.
اقــرأ أيضاً
وبعد نحو عام كامل على إعلان تحرير جميع المدن العراقية من قبضة تنظيم "داعش" وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 2014، يؤكد مسؤولون محليون وسكان في تلك المدن أن تصرفات القوات الأمنية مع الأهالي عادت نفسها إلى ما كانت عليه من قبل بل أشد قسوة. وصارت عمليات القتل والتعذيب تحت ذريعة وجود خلايا أو بقايا أو متعاونين مع "داعش" واسعة. كما أن الابتزاز في السجون بلغ ذروته خصوصاً في الموصل وتكريت والرمادي. كذلك عاد المخبرون السرّيون وهم في العادة أغلبهم من السكان المحليين، وتكون دوافعهم بالإبلاغ عن الضحايا مرتبطة بأحقاد قبلية وعائلية أو خلافات شخصية.
ويعترف مسؤولون محليون في الأنبار، كبرى المدن العراقية والتي تشكل ما نسبته 33 بالمائة من مساحة العراق، بوجود انتهاكات واسعة داخل السجون وفي الشارع، مرجعين ذلك إلى فوضى التشكيلات الأمنية. ويوجد في كل مدينة محررة ما لا يقل عن 6 تشكيلات عسكرية وأمنية عدا مليشيات الحشد والعشائر.
ويقول مسؤول بديوان محافظة الأنبار في الرمادي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الجيش والشرطة المحلية والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات التدخل السريع ومديرية الاستخبارات وخلية الصقور وجهاز الأمن الوطني ودائرة المخابرات، تضاف لهم فصائل عدة بالحشد الشعبي والعشائر، يعمل كل طرف منهم بمعزل عن الآخر، ما تسبب بانتهاكات ومخالفات للقانون لا يمكن لعاقل من المسؤولين أن ينكرها". ويوضح المسؤول نفسه أن "كل تشكيل له قوات خاصة به تعتقل وتتحرك على ضوء خططها ولها مخبرون ومعلومات خاصة بها، وهناك سباق بين القوى العسكرية على نيل إعجاب أو الحصول على شكر من الوزارة أو المسؤولين في بغداد. والفكرة هنا كلما اعتقلتَ كان ذلك دليلاً على إخلاصك وإتقانك العمل". كما يؤكد "تعرض المعتقلين للتعذيب وأنه تُنتزع منهم الاعترافات تحته".
المحامي رياض الحمداني، يملك مكتباً وسط الرمادي ويتحدث عما يصفه تقدماً في أداء القضاة بالمحاكم في الأنبار، فهم صاروا يعرفون المتهم عندما يمثل أمامهم وما إذا اعترف تحت الضرب بالسجن أو أنه فعلاً مجرم.
يقول الحمداني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الأمر لا يتعلق بانتهاكات السجون بل في الشارع أيضاً، إذ يوجد تضييق على الناس والكثير من المواطنين غير أحرار ولا يشعرون أن وضعهم مستقر.
ووفقاً لما يقوله عضو مجلس الموصل (الحكومة المحلية)، محمد الحمداني، في حديث مع "العربي الجديد"، فإن السكان غير مرتاحين ويخافون حتى من طرْقات الباب ليس ليلاً بل نهاراً أيضاً". ويضيف "لا إعمار ولا بناء من الحكومة، ويخاف رجال الأعمال والميسورون من العودة لأسباب معروفة والفقراء وحدهم الضحية، فهم مجبرون على العيش في أوضاع غير صحية لا نفسياً ولا جسدياً لا هم ولا أطفالهم". ويؤكد أن "الحكومة المحلية بالموصل عاجزة وهي لا تملك ثمن ضيافة وفد صغير من الوفود التي تأتي لتعاين المدينة وتعود وترحل بلا نتيجة".
يروي الحاج أحمد الجبوري (65 عاماً) كيف دفن مع اثنين من إخوته وصهره جثمان نجله شهاب (37 عاماً) في مقبرة الشرقاط بعد أن توفي تحت التعذيب داخل ثكنة للجيش غربي المدينة. يقول الجبوري، الذي يسكن حالياً في بلدة رانية في إقليم كردستان حيث عاد للنزوح مجدداً، إن ابنه اعتقل داخل حاجز تفتيش كونه كان يتحدث بالهاتف خلال مروره ولم يفتح نافذة السيارة، و"بعد كلام وجدال وتلاسن أخذوه للثكنة وهناك ضربوه بشدة وتوفي بين أيديهم".
يوضح الجبوري أنه "مرّ على الحادث أكثر من شهر ولم يتم محاسبة المتورطين بل على العكس اعتُبر ابني من المتعاونين مع داعش وأنه كان يعمل في "ديوان الجند" المسؤول عن تجنيد مقاتلين للتنظيم وتدريبهم، على الرغم أنه كان من أشد الكارهين لداعش".
يقرّ القيادي في ائتلاف الوطنية، عبد الكريم عبطان، بأنه يوجد تعسف واضح في المدن المحررة، والظاهرة باتت كارثية، خصوصاً في حزام بغداد والمسؤولية يتحملها بالدرجة الأولى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
ويضيف عبطان، وهو أيضاً نائب سابق في البرلمان العراقي عن الدورة الماضية، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "الآن يُفترض أن نسأل لماذا تتكرر الانتهاكات خصوصاً القتل كما حصل في الطارمية أخيراً". ويضيف "هذه الانتهاكات تخيفنا من أن تعيد الأوضاع إلى المربع الأول". ويشير عبطان إلى أنهم لا يزالون بانتظار جواب رسمي بشأن سؤالهم عن سبب تكرار الانتهاكات ومن يقف وراء ذلك والمستفيد منها.
في تكريت، عاصمة محافظة صلاح الدين شمالي العراق، يتداول الناس مصطلحات جديدة مثل السيد والحاج أو الحجي والمعاون الجهادي، وهؤلاء هم بالعادة مسؤولون في مليشيات الحشد الشعبي أو مقربون من قادة الجيش والشرطة في المدينة، ولديهم القدرة على إطلاق سراح الذين يتم اعتقالهم ليلاً أو من خلال الحملات العشوائية التي تنفذها القوات النظامية أو المليشيات في المدينة مقابل أموال بالعادة تكون بالدولار تتراوح بين 5 آلاف إلى 50 ألف دولار. وهناك "النثرية" وهي مبالغ تتراوح بين ألف دولار وأقل يتقاضاها "دلالون" أو "سماسرة" كما يطلق عليهم مقابل ضمان أن المتهم لن يتم ضربه او انتزاع اعترافات منه بالقوة.
يروي إبراهيم الدوري (41 عاماً) أنه باع سيارته من طراز نيسان تيدا حتى يقوم بإخراج شقيقه من الاعتقال، ما أدى إلى فقدان عمله الوحيد وهو سائق تاكسي.
يقول في حديث مع "العربي الجديد"، "أشعر أني عملت إنجازاً والحمد لله أهم شي أخي حرّ". ويلفت إلى أنهم "اعتقلوه بدعوى تشابه أسماء مع إرهابي آخر لكن بعد دفع المبلغ اعتمدوا على اسم الأم المختلف فتم إطلاق سراحه بدون أن يقوموا بضربه". وبالنسبة إليه فإن الحال أسوأ مما كان عليه قبل عام 2014.
من جهته، يؤكد النائب في البرلمان العراقي، رعد الدهلكي، أن تلك الانتهاكات باتت خطيرة وأن السيطرة على الوضع الأمني لم تكن سهلة، ودفع العراقيون كثيراً للسيطرة عليه مرة أخرى. ويلفت إلى أن هذه الخروقات رغم خطورتها لكن لن نسمح لها أن تزعزع الأمن مرة أخرى، لكنه يشدد على وجوب أن تتدخل الحكومة سريعاً وأن تتحمل مسؤوليتها فالأمر خطير. كما يؤكد أنه يتعين أن يتخذ رئيس الوزراء عادل عبد المهدي موقفاً تجاه الانتهاكات وأن يتعامل معها.
اقــرأ أيضاً
ويعترف مسؤولون محليون في الأنبار، كبرى المدن العراقية والتي تشكل ما نسبته 33 بالمائة من مساحة العراق، بوجود انتهاكات واسعة داخل السجون وفي الشارع، مرجعين ذلك إلى فوضى التشكيلات الأمنية. ويوجد في كل مدينة محررة ما لا يقل عن 6 تشكيلات عسكرية وأمنية عدا مليشيات الحشد والعشائر.
ويقول مسؤول بديوان محافظة الأنبار في الرمادي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الجيش والشرطة المحلية والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات التدخل السريع ومديرية الاستخبارات وخلية الصقور وجهاز الأمن الوطني ودائرة المخابرات، تضاف لهم فصائل عدة بالحشد الشعبي والعشائر، يعمل كل طرف منهم بمعزل عن الآخر، ما تسبب بانتهاكات ومخالفات للقانون لا يمكن لعاقل من المسؤولين أن ينكرها". ويوضح المسؤول نفسه أن "كل تشكيل له قوات خاصة به تعتقل وتتحرك على ضوء خططها ولها مخبرون ومعلومات خاصة بها، وهناك سباق بين القوى العسكرية على نيل إعجاب أو الحصول على شكر من الوزارة أو المسؤولين في بغداد. والفكرة هنا كلما اعتقلتَ كان ذلك دليلاً على إخلاصك وإتقانك العمل". كما يؤكد "تعرض المعتقلين للتعذيب وأنه تُنتزع منهم الاعترافات تحته".
يقول الحمداني، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الأمر لا يتعلق بانتهاكات السجون بل في الشارع أيضاً، إذ يوجد تضييق على الناس والكثير من المواطنين غير أحرار ولا يشعرون أن وضعهم مستقر.
ووفقاً لما يقوله عضو مجلس الموصل (الحكومة المحلية)، محمد الحمداني، في حديث مع "العربي الجديد"، فإن السكان غير مرتاحين ويخافون حتى من طرْقات الباب ليس ليلاً بل نهاراً أيضاً". ويضيف "لا إعمار ولا بناء من الحكومة، ويخاف رجال الأعمال والميسورون من العودة لأسباب معروفة والفقراء وحدهم الضحية، فهم مجبرون على العيش في أوضاع غير صحية لا نفسياً ولا جسدياً لا هم ولا أطفالهم". ويؤكد أن "الحكومة المحلية بالموصل عاجزة وهي لا تملك ثمن ضيافة وفد صغير من الوفود التي تأتي لتعاين المدينة وتعود وترحل بلا نتيجة".
يروي الحاج أحمد الجبوري (65 عاماً) كيف دفن مع اثنين من إخوته وصهره جثمان نجله شهاب (37 عاماً) في مقبرة الشرقاط بعد أن توفي تحت التعذيب داخل ثكنة للجيش غربي المدينة. يقول الجبوري، الذي يسكن حالياً في بلدة رانية في إقليم كردستان حيث عاد للنزوح مجدداً، إن ابنه اعتقل داخل حاجز تفتيش كونه كان يتحدث بالهاتف خلال مروره ولم يفتح نافذة السيارة، و"بعد كلام وجدال وتلاسن أخذوه للثكنة وهناك ضربوه بشدة وتوفي بين أيديهم".
يوضح الجبوري أنه "مرّ على الحادث أكثر من شهر ولم يتم محاسبة المتورطين بل على العكس اعتُبر ابني من المتعاونين مع داعش وأنه كان يعمل في "ديوان الجند" المسؤول عن تجنيد مقاتلين للتنظيم وتدريبهم، على الرغم أنه كان من أشد الكارهين لداعش".
يقرّ القيادي في ائتلاف الوطنية، عبد الكريم عبطان، بأنه يوجد تعسف واضح في المدن المحررة، والظاهرة باتت كارثية، خصوصاً في حزام بغداد والمسؤولية يتحملها بالدرجة الأولى رئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
ويضيف عبطان، وهو أيضاً نائب سابق في البرلمان العراقي عن الدورة الماضية، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "الآن يُفترض أن نسأل لماذا تتكرر الانتهاكات خصوصاً القتل كما حصل في الطارمية أخيراً". ويضيف "هذه الانتهاكات تخيفنا من أن تعيد الأوضاع إلى المربع الأول". ويشير عبطان إلى أنهم لا يزالون بانتظار جواب رسمي بشأن سؤالهم عن سبب تكرار الانتهاكات ومن يقف وراء ذلك والمستفيد منها.
في تكريت، عاصمة محافظة صلاح الدين شمالي العراق، يتداول الناس مصطلحات جديدة مثل السيد والحاج أو الحجي والمعاون الجهادي، وهؤلاء هم بالعادة مسؤولون في مليشيات الحشد الشعبي أو مقربون من قادة الجيش والشرطة في المدينة، ولديهم القدرة على إطلاق سراح الذين يتم اعتقالهم ليلاً أو من خلال الحملات العشوائية التي تنفذها القوات النظامية أو المليشيات في المدينة مقابل أموال بالعادة تكون بالدولار تتراوح بين 5 آلاف إلى 50 ألف دولار. وهناك "النثرية" وهي مبالغ تتراوح بين ألف دولار وأقل يتقاضاها "دلالون" أو "سماسرة" كما يطلق عليهم مقابل ضمان أن المتهم لن يتم ضربه او انتزاع اعترافات منه بالقوة.
يقول في حديث مع "العربي الجديد"، "أشعر أني عملت إنجازاً والحمد لله أهم شي أخي حرّ". ويلفت إلى أنهم "اعتقلوه بدعوى تشابه أسماء مع إرهابي آخر لكن بعد دفع المبلغ اعتمدوا على اسم الأم المختلف فتم إطلاق سراحه بدون أن يقوموا بضربه". وبالنسبة إليه فإن الحال أسوأ مما كان عليه قبل عام 2014.
من جهته، يؤكد النائب في البرلمان العراقي، رعد الدهلكي، أن تلك الانتهاكات باتت خطيرة وأن السيطرة على الوضع الأمني لم تكن سهلة، ودفع العراقيون كثيراً للسيطرة عليه مرة أخرى. ويلفت إلى أن هذه الخروقات رغم خطورتها لكن لن نسمح لها أن تزعزع الأمن مرة أخرى، لكنه يشدد على وجوب أن تتدخل الحكومة سريعاً وأن تتحمل مسؤوليتها فالأمر خطير. كما يؤكد أنه يتعين أن يتخذ رئيس الوزراء عادل عبد المهدي موقفاً تجاه الانتهاكات وأن يتعامل معها.