معركة بقاء بحي بطن الهوى: محاولات اقتلاع برعاية المحكمة العليا الإسرائيلية

23 نوفمبر 2018
قُسّم الحيّ إلى نحو 50 قسماً (العربي الجديد)
+ الخط -



أعاد قرار المحكمة الإسرائيلية العليا، يوم الأربعاء الماضي، برفض الالتماس المقدم من أهالي حي بطن الهوى في بلدة سلوان جنوب القدس، ضد جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية، الصراع بين أهالي هذا الحي البالغ عدد سكانه نحو 700 نسمة، وبين جمعيات الاستيطان اليهودية الناشطة في بلدة سلوان. وكانت الجمعيات الاستيطانية نجحت خلال السنوات القليلة الماضية، وبدعم من حكومة الاحتلال وأداتها التنفيذية، بلدية القدس الغربية، بتعزيز سيطرتها على المنطقة من خلال جملة من الاستيلاءات على عقارات في بلدة سلوان الواقعة إلى الجنوب من المسجد الأقصى، وافتتاح مراكز تعنى بما يسمى تراث يهود اليمن، إضافة إلى الحفريات الواسعة التي تقوم بها جمعية "ألعاد" الاستيطانية والمتجهة شمالًا من وسط البلدة إلى تخوم المسجد الأقصى من ناحيته الجنوبية. مع العلم أن حي بطن الهوى هو امتداد لـ"جبل الزيتون" شرق البلدة القديمة من القدس، ويفصله عنها وادي سلوان الذي يتَصل بوادي قدرون في النقطة نفسها.

قرار المحكمة العليا الإسرائيلية يوم الأربعاء، تضمن اعترافاً بادّعاءات المستوطنين ملكية خمسة دونمات، مقام عليها عشرات المنازل التي تؤوي مقدسيين، يدّعي مقدمو الالتماس من المستوطنين، أن هذه المنازل بنيت على أرض كان امتلكها يهود يمنيون قبل نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948، على الرغم من إقرار هيئة القضاة بأن إجراءات المنظمة في الاستيلاء على الأرض قد شابتها عيوب، وأثارت أسئلة حول قانونية نقل الأرض إلى الجمعية الاستيطانية اليمينية المتطرفة.

في هذا السياق، اعتبر رئيس لجنة الدفاع عن حي بطن الهوى في سلوان، زهير الرجبي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "من شأن هذا القرار أن يؤدي إلى عملية تطهير واسعة للمنطقة من سكانها الفلسطينيين، وهو أمر لن يحدث بسهولة كما يتوقع الاحتلال". عائلة الرجبي كانت واحدة من عشرات العائلات المقدسية القاطنة في بطن الهوى، والتي تلقت قبل سنوات أمراً بإخلاء منزلها الذي تقيم فيه منذ عشرات السنوات، بادعاء أن العائلة تقيم في منزل مقام على أرض تعود ملكيتها ليهود اليمن منذ عام 1892، وبأن المنزل أُقيم من دون ترخيص، فيما لم تأخذ المحكمة بما قدمه إليها من مستندات عثمانية تؤكد حق العائلة الأبدي في المنزل والأرض المقام عليها.

وأضاف الرجبي أنه "مع توسع رقعة الاستيطان في بلدة سلوان والدعم الكبير الذي تحظى به جمعية ألعاد الاستيطانية وغيرها من جمعيات استيطانية من قبل الحكومة الإسرائيلية، تحولت حياة المواطنين في حي بطن الهوى إلى جحيم تهدف من ورائه سلطات الاحتلال ومستوطنوها إلى الضغط على السكان الأصليين لترك مساكنهم. الأمر الذي لن يحدث أبداً، رغم ما يحدث من اعتداءات يومية ينفذها الجنود والمستوطنون وحراس أمن المستوطنين على سكان الحي من النساء والأطفال".



وكان آخر تلك الاعتداءات في شهر أغسطس /آب الماضي، حين افتتحت وزيرة الثقافة الإسرائيلية ميري ريغيف، ورئيس بلدية الاحتلال الجديد موشيه ليئون إلى جانب رؤساء "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية مركز تراث يهود اليمن في عقار كانت تقطنه عائلة أبو ناب بعد السيطرة عليه عام 2015، إذ تزامن الافتتاح مع الاعتداء على سكان الحي واعتقال رئيس لجنة الدفاع عنه زهير الرجبي إضافة إلى اعتقال الناشط جواد صيام مدير مركز معلومات وادي حلوة، بتهمة محاولة تنظيم مظاهرة ضد افتتاح المركز التهويدي.

ولا يكف الاحتلال عبر بلديته وشرطته عن التضييق على سكان الحي بحملات الدهم اليومية وتحرير المخالفات، بحق مركبات المواطنين أو استصدار أوامر هدم جديدة لمساكن تؤوي عشرات العائلات في الوقت الذي تنشط فيه شبكة من السماسرة المحليين يتزعمها المستوطن أرييه كينغ، عضو بلدية الاحتلال في القدس في محاولات السيطرة على مزيد من العقارات.

ورأى خبير القدس والاستيطان خليل تفكجي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "حي بطن الهوى كان على الدوام من أكثر الأحياء جنوب المسجد الأقصى استهدافاً من قبل جمعيات الاستيطان اليهودية"، مشيراً إلى أن "يهود اليمن كانوا قد استقروا في الحي عام 1881، قبل أن يغادروه بسبب الأوضاع السياسية والأمنية آنذاك في عام 1929، تاركين خلفهم منازل بيع العديد منها إلى مواطنين مقدسيين، في حين انتقلت عهدة ما تبقى منها إلى (حارس أملاك العدو) الأردني الذي قام في حينه بتأجيرها لقاطنيها من المقدسيين بموجب عقود إيجار، وفي الفترة الواقعة بين عامي 1948 و1967 أضيفت مبان كثيرة من قبل المواطنين الفلسطينيين في هذا الحي الذي شهد ازدهاراً في حركة البناء".

وأشار تفكجي إلى أن "الجمعيات الاستيطانية ببلدة سلوان، استعانت بقانون (حارس أملاك الغائبين، المصلحة العامة، الأملاك اليهودية قبل عام 1948) للسيطرة على منازل الحي التي تدعي ملكية اليهود لها، يالإضافة إلى ادعائهم أيضاً بملكية خمسة دونمات أقيمت عليها عشرات المنازل التي يقطنها الآن أكثر من 700 نسمة".

وكان 104 أشخاص من سكان حي "بطن الهوى" تقدموا بالتماس ضد جمعية "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية، التي تنشط لتهويد القدس المحتلة، رداً على مطالبة الأخيرة بمساعدة المدير العام لوزارة قضاء الاحتلال بطرد أكثر من 70 عائلة مقدسية من منازلها في الحي. وسبق ذلك قيام الجمعية الاستيطانية بتقديم بلاغات قضائية بالإخلاء لهذه العائلات، بعد أن حصلت عام 2001 على حق إدارة أملاك الجمعية اليهودية التي تدعي أنها امتلكت الأرض قديماً (قبل عام 1948)، في حين ردت هذه العائلات على تلك الدعوات، لكن محاكم الاحتلال كانت على الدوام تصدر قرارات قضائية تزعم أحقية "عطيرت كوهنيم".

وكشف تقرير أصدره مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، بتاريخ 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016، عن تقديم دعاوى إخلاء ضدّ 81 أسرة فلسطينية تعيش في الحيّ منذ عشرات السنين. ووفقاً لمسح أجراه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن ذلك يعني 45 في المائة من مجموع الأسر التي يتهدّدها خطر سلب بيوتها على أساس عرقيّ في المدينة.



وأورد التقرير الحقوقي الإسرائيلي، أنه "منذ أن ضمّت إسرائيل القدس الشرقية، تتبع السلطات الإسرائيلية سياسة تمييز ضدّ السكان الفلسطينيين، وتعمل بشتّى الطرق على زيادة عدد اليهود الذين يعيشون في المدينة وخفض عدد السكان الفلسطينيين. هذا، من أجل خلق واقع ديمغرافي وجغرافي من شأنه استباق أيّة محاولة مستقبلية لتحدّي السيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية".

وأفادت نتائج دراسة أعدها المركز الإسرائيلي حول حي بطن الهوى، بأنّه "جرى تقسيم الحي إلى نحو 50 قسماً، نُقلت 9 منها إلى "عطيرت كوهنيم" و5 أخرى يسكنها المستوطنون بشكل فعليّ. كما قدّمت جمعية (عطيرت كوهنيم) دعاوى إخلاء (معظمها في عام 2015) ضدّ 81 أسرة، تعيش جميعها في قسم رقم 96 الممتدّ على مساحة 2.6 دونم، في وسط الحي. إضافة إلى عائلتين فلسطينيّتين تقيمان في قسم رقم 84، فُرضت عليهما البلدية غرامات مالية وأصدرت أوامر هدم لقسم من مساكنهما، بحجّة دخول أراضٍ تملكها الجمعية الاستيطانية".

وبيّنت الدراسة، أن "أعضاء جمعية عطيرت كوهنيم، يملكون بشكل فعليّ ستّة من مباني الحيّ تشمل 27 وحدة سكنية، أقامت في معظمها سابقاً أسر فلسطينية. وطرد الفلسطينيون من المنازل التي أقاموا فيها منذ عشرات السنين، بحجة تطبيق القانون إذ كانت المنازل لليهود قبل حرب عام 1948، مما يجبر بعض سكان الحي على أن يعيشوا مجدّدًا تجربة اللجوء، بعد أن طُردوا من منازلهم في هذه الحرب".

وجاء في التقرير أنه "في عام 2011 بدأت جمعيّة (عطيرت كوهنيم) سعيها إلى الاستيلاء على الأملاك وإقامة مستوطنة يهودية في حيّ بطن الهوى. وتعتمد هذه الجمعية الاستيطانية في تحقيق ذلك مزيجاً من قوانين ثلاثة، سنّتها إسرائيل منذ 1948، تسمح لليهود فقط بمطالبة الوصيّ العام باستعادة حقّهم على أملاك كانت في حوزتهم قبل 1948، وبقيت خارج حدود الدولة بعد الحرب، وتقع في الأراضي التي جرى ضمّها: أحياناً يحصل المستوطنون على حقوق الملكية من الورثة اليهود، وأحيانا يحظون، بمساعدة سلطات الدولة، بسلطة إدارة الأوقاف (مؤسسات موكلة تملك وتشغل أملاكاً لصالح منفعة أو لغرض آخر) التي كانت لديها ممتلكات قبل عام 1948. بعد ذلك يتوجّهون إلى الوصيّ العام، والذي يقوم بدوره بتسليمهم الأملاك".

وفي مسار آخر، يعمل المستوطنون مباشرة مع الوصي العام كي يبيع لهم أملاكهم في الحي، وهي عادة أملاك يقيم فيها الفلسطينيون، فيبدأ المستوطنون بإجراءات لطردهم من المنزل. ولكنّ إسرائيل لا تسمح في المقابل لأصحاب الأملاك الفلسطينيين باستعادة حقّهم في أملاك كانت في حوزتهم قبل 1948، وذلك في تناقض صارخ مع الجهود التي تبذلها لأجل استعادة أملاك اليهود.