أصدر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، قراراً بتشكيل لجنة برئاسة وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، لإجراء حوار مجتمعي واستطلاع لوجهات نظر الجمعيات الأهلية، المصرية والأجنبية، حول التعديلات المزمع إدخالها على قانون العمل الأهلي ومنظمات المجتمع المدني، الذي أصدره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في مايو/ أيار 2017، وذلك بعد إصدار السيسي تعليمات باتخاذ خطوات عملية لتعديل القانون، الذي لم تصدر له، على مدى عام ونصف العام، لائحة تنفيذية، ولم يتم تشكيل اللجان العليا المنصوص عليها فيه للتحكم في الجمعيات الأهلية المصرية والأجنبية.
وقالت مصادر حكومية في وزارة التضامن، لـ"العربي الجديد"، إن اللجنة ستضم عدداً من الشخصيات مختلفة الأهواء السياسية، منها النائب السابق محمد أنور السادات، الذي تم فصله من مجلس النواب بتهمة تسريب مشروع قانون الجمعيات الحالي، قبل صدوره، إلى جهات أجنبية، وعدد من قيادات المجلس القومي لحقوق الإنسان والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان ومنظمات أخرى مؤيدة للسلطة، وممثلين لجمعيات خدمية واجتماعية تربطها صلة قوية بجهات الدعم المالي الغربية، خصوصاً من الولايات المتحدة وألمانيا. وأضافت المصادر أن أجواء التعديل يسودها حالياً "صراع إرادات" بين غادة والي، التي تعتبر أنها خرجت منتصرة من تجربة تطبيق القانون الحالي، والحقوقيين يساريي التوجه الراغبين في الخروج بأفضل نصوص ممكنة تحد من القيود الحكومية على التمويل الأجنبي، وفريق يمكن وصفه بـ"صقور الجهات السيادية والأمنية"، على رأسهم مستشارة السيسي لشؤون الأمن القومي فايزة أبو النجا، والتي كانت مهندسة القانون المراد تعديله، فضلاً عن عدد من الجمعيات الأهلية الموالية للنظام، والتي تريد التخلص من نصوص مقيدة لأنشطتها، لكنها لا تمانع استمرار القيود على التمويل الأجنبي والأنشطة ذات البعد السياسي والحقوقي.
وأوضحت المصادر أن والي تريد إحياء المشروع الذي كانت قد تقدمت به مطلع العام الماضي إلى مجلس النواب، ورفضته الأكثرية النيابية بتعليمات من الاستخبارات العامة ومستشارة السيسي. والخلاف الجوهري بين هذا المشروع والقانون الحالي هو أن جميع السلطات التي كانت مسندة إلى الجهاز القومي لإدارة الجمعيات، والذي كان من المقرر أن يكون جهازاً مستقلاً عن الوزارة وله فروع في المحافظات، ستعود إلى وزارة التضامن ومديرياتها القائمة حالياً. وفي الحقيقة فإن هذا الوضع هو الواقع المطبق عملياً لأن الجهاز القومي لم ينشأ من الأساس.
لكن مشروع والي لا يحمل صبغات أكثر ديمقراطية، فهو وإن كان يقلص الدور المنصوص عليه صراحة في القانون الحالي للأجهزة الأمنية والاستخباراتية، فإنه يحافظ على فلسفة السيطرة على منابع التمويل وقنواته، وأحقية الجهات الحكومية المختصة في منع وصول التمويل للجمعيات، وسلطتها في إقرار أو رفض التغييرات الهيكلية واللوائح الداخلية للمؤسسات، وقدرتها على مطالبة المحاكم بحل الجمعيات. كما يسمح المشروع، بشكل ضمني، لمديريات التضامن باستشارة الأجهزة الأمنية قبل الترخيص للجمعيات بممارسة نشاطها أو منعها في مناطق معينة، وكذلك قبل إصدار قرارات إضفاء النفع العام على الجمعيات، كما كان الوضع في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذي كانت تشجبه المنظمات الحقوقية والأهلية الجادة. وتزعم والي أنها خلال فترة العام ونصف العام الماضية لم تمنع تدفق التمويل الأجنبي على الجمعيات المرخص لها، لكن الواقع يحمل معلومات مغايرة، فالمحاكم تنظر حالياً في أكثر من 20 دعوى رفعتها منظمات مختلفة طعناً على قرارات مديريات التضامن المختلفة برفض صرف التمويل الأجنبي المخصص لها، رغم سابقة صدور حكم قضائي يلزم الوزارة بإيصال التمويل المشروع إلى الجمعيات المستحقة له من دون افتراض سوء النية أو سوء التصرف، قبل تلقي الجمعية التمويل فعلياً. وأشارت المصادر إلى أن الاتجاه الحقوقي المنخرط في عملية التعديل، ويضم عدداً من النشطاء غير المعارضين للسيسي، يحاول بدوره إحياء مسودة قانون كانت وزارة التضامن قد أعدتها في عهد الوزير السابق أحمد البرعي، نظراً لتضمنها العديد من النقاط الإيجابية، مثل ضمان وصول التمويل لمستحقيه تحت رقابة الوزارة على صلاحية النشاط، واشتراط صدور أحكام أو قرارات قضائية في آجال قصيرة قبل اتخاذ أي إجراءات ضد الجمعيات.
أما الجمعيات الأخرى والمؤيدة للنظام، فلها ملاحظات ومطالبات أخرى، من بينها تمكين الجمعيات من استثمار أموالها وتشغيلها في مشاريع ربحية تحت رقابة وزارة التضامن والجهاز المركزي للمحاسبات، وذلك كرد فعل على فشل مخططها لاستثمار أموال التبرعات، بعد تصدي مجلس الدولة له في ظل العمل بالقانون الحالي، وهو ما كشفت عنه "العربي الجديد" في تقرير نشرته في أغسطس/ آب 2017. وكانت والي قد طلبت، في ذلك الوقت، تعديل القانون لإضافة مادة تسمح للجمعيات والمؤسسات الأهلية بالمشاركة في الشركات المساهمة التي أسستها الحكومة تحت مسمى "المشاريع القومية للاستثمار والتنمية"، والتي من بينها شركة "أيادي للاستثمار والتنمية" التي تساهم فيها مؤسسة "مصر الخير" الموالية للنظام، وهي شركة كان السيسي يعول عليها لقيادة سوق التمويل العقاري والاستثمارات الحكومية في عدة مجالات، كوعاء لاستثمار أموال التبرعات التي جمعها من رجال الأعمال والموظفين والمواطنين في الكيان المسمى "صندوق تحيا مصر" والذي لا يخضع لرقابة أي جهة.
ويسعى النظام من هذا التعديل المقترح للربط بين الحكومة وقطاع الأعمال العام والجمعيات الأهلية للاستفادة من قدرات كل منها في إقامة مشاريع في مختلف المجالات الخدمية والصناعية والإنتاجية، خصوصاً في المدن الأكثر احتياجاً، لتوفير أكبر قدر من فرص العمل، وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب استهدافها تحقيق الربح لخلق وظائف مستدامة وتحقيق عوائد اقتصادية للجمعيات الأهلية والجهات الحكومية المساهمة فيها. وتوقعت المصادر الحكومية دمج متطلبات الجمعيات الموالية للنظام في مشروع والي في أسرع وقت للدفع بالتعديلات للبرلمان قبل نهاية الدورة الحالية، مع عدم استبعاد مشاريع سابقة عن طاولة بحث اللجنة في المرحلة الأولى، كمشروع وزارة البرعي، ومشاريع جديدة أعدتها جهات حكومية، وتم إهمالها قبيل إصدار القانون الحالي المراد تعديله، أبرزها مشروع كانت أعدته وزارة العدل في عهد الوزير الأسبق أحمد الزند.
وكانت العديد من المنظمات الحقوقية المصرية قد أصدرت بيانات دعت فيها للضغط على الحكومة المصرية لوقف إصدار القانون، ثم لتعديله. وذكرت بعض تلك البيانات أن إصدار القانون يأتي في إطار أسوأ حملة لغلق المجال العام وتقييد الجمعيات الأهلية، كما أنه يقوض الحريات التي اكتسبت بعد ثورة 2011 التي أنهت حكم مبارك. وكتبت الناشطة المصرية آية حجازي، التي أفرج عنها السيسي بعد الحكم عليها في قضية جنائية بطلب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مقالاً في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في أغسطس 2017، دعت فيه الإدارة الأميركية إلى حجب المساعدات التي تقدمها واشنطن إلى القاهرة، وربطها بإحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان. وبعدها قررت واشنطن تجميد نحو 290 مليون دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية لمصر لمدة 13 شهراً، على خلفية إصدار القانون وعدم المبادرة لتعديله.