على نحو غير معلن، باشرت فصائل مسلحة عراقية، تابعة إلى مليشيات "الحشد الشعبي"، بعملية إعادة انتشار واسعة، بدأت منذ نهاية الشهر الماضي، وبلغت، حتى الآن، أكثر من 20 مدينة وقضاء وناحية، إلى جانب الحدود الدولية مع سورية، وفي بلدة النخيب الحدودية مع السعودية. وقال مسؤولون عراقيون، لـ"العربي الجديد"، إن إعادة الانتشار لم تكن بأمر من الحكومة العراقية، بل هي تنفيذ لتوجيهات، قد تكون إيرانية أو من قيادات ميدانية في "الحشد الشعبي"، الذي أعادت محكمة القضاء الإداري العراقية أخيراً المسؤول عنه فالح الفياض إلى منصبه بعد إقالته من قبل رئيس حكومة تصريف الأعمال، حيدر العبادي.
ووفقاً لمسؤولين عراقيين وضابطين في الجيش، أحدهما في قيادة العمليات العراقية المشتركة، تحدثوا لـ"العربي الجديد"، فإن فصائل مختلفة من "الحشد الشعبي"، أبرزها "العصائب" و"حزب الله" و"الخراساني" و"بدر" و"النجباء" و"الإمام علي" و"البدلاء" و"آل البيت" و"العباس"، أعادت انتشارها في مناطق عدة في الأنبار وصلاح الدين وكركوك ونينوى وديالى وحزام بغداد، رغم انتشار القوات العراقية النظامية، ممثلة بالجيش والشرطة وجهاز مكافحة الإرهاب وألوية التدخل السريع.
وقال موظف رفيع المستوى في مكتب العبادي إن نحو 80 في المائة من عناصر "الحشد الشعبي" ينتشرون الآن في مدن شمال وغرب العراق، وينصبون نقاط تفتيش وحواجز أمنية، ويقومون بحملات دهم وتفتيش لمنازل المواطنين، وهو أمر يتقاطع مع مهام الجيش العراقي وغير مبرر، لكن الفراغ الحالي وتفلت السيطرة داخل حكومة العبادي، بأيامها الأخيرة، جعل "الحشد" لا يستمع إلا لتوجيهات قياداته. ولفت إلى أن قرار القضاء الإداري قبل أيام ببطلان قرار العبادي إقالة فالح الفياض عن رئاسة "الحشد الشعبي"، منح مليشيات "الحشد" أريحية كبيرة في تحركاتها دون العودة إلى الحكومة. وكان نائب رئيس "الحشد الشعبي"، أبو مهدي المهندس، أعلن، نهاية أغسطس/آب الماضي، سحب المليشيات من محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين، قبل أن يرفض العبادي القرار، ويصفه بالسياسي، في إشارة إلى مشاورات كتل سنية مع قوى شيعية لتشكيل تحالف نحو الوصول إلى "الكتلة الكبرى" في البرلمان. وشدد العبادي على أن الملف الأمني داخل مراكز المدن المحررة من مسؤولية الجيش والشرطة حصراً، وأن تواجد "الحشد الشعبي" يكون على حدود المدن وليس داخلها.
وكشف مسؤولون في المليشيا، التي تضم 69 فصيلاً مسلحاً غالبيتها تدين بالولاء لإيران، عن ارتفاع عديد عناصرها إلى أكثر من 140 ألف عنصر، منهم 115 ألف عنصر يتقاضون مرتبات شهرية دائمة من الحكومة العراقية ضمن مخصصات "هيئة الحشد الشعبي". وأكد مسؤول محلي في الأنبار لـ"العربي الجديد"، "عودة الحشد لافتتاح مقرات له بالمدن وداخل الأحياء السكنية"، والأمر ذاته أكده العضو في مجلس مدينة سنجار غربي الموصل، كريم حاتم، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، موضحاً أنهم "ينافسون القوات النظامية على الصلاحيات". وقال النائب عن تحالف "سائرون"، الذي يتزعمه مقتدى الصدر، محمد رضا، إن "أكثر من 85 في المائة من (عناصر) الحشد يتواجدون في الأنبار والموصل وصلاح الدين وديالى، والقسم الآخر في معسكراتهم، مثل الناصرية والتاجي وغيرها، أو في تأمين مراسم الزيارة المليونية الدينية جنوب العراق". واعتبر أن "هناك حاجة لمخصصات مالية ووقت لبناء معسكرات وقواعد للحشد الشعبي، كونه تجربة جديدة، وأعتقد أنه سيندمج مع باقي القوات الأمنية العراقية".
من جانبه، دافع النائب عن محافظة البصرة، رامي السكيني، عن انتشار "الحشد الشعبي"، معتبراً أن "المسؤولية الأمنية لم تنتهِ حتى الآن، وهناك مناطق ساخنة وجيوب وبقايا وخلايا لداعش في مناطق عدة ووجود الحشد مهم". وأضاف "حسب علمي هناك تنسيق مع الجيش والقوات الأمنية الأخرى، ولا وجود لأي تفرد بالقرارات الأمنية أو العسكرية في المناطق المحررة". وكانت وكالات أنباء محلية عراقية نقلت عن القيادي في "الحشد الشعبي"، أحمد العوادي، قوله، أخيراً، إن "الحشد الشعبي من مؤسسات الدولة الرسمية، حسب الشرعية التي اكتسبها من قبل البرلمان العراقي، وله حرية التحرك وتنفيذ المهام الملقاة على عاتقه"، معتبراً أن "الحشد الشعبي حاله حال الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب". وأكد سكان محليون في الفلوجة والموصل وتكريت تنفيذ مليشيات "الحشد الشعبي" حملات اعتقال أخيراً، ضد من تقول إنهم مشتبه بهم، موضحين أن الجيش العراقي تنكَّر لهذا الأمر، مؤكداً أنه غير مسؤول عن عمليات اعتقال أشخاص، لم يُعرف وضعهم بعد. وقال أبو عبد الله، وهو مواطن من بلدة الكرمة شرقي الفلوجة طلب الاكتفاء بذكر كنيته خوفاً من ملاحقة المليشيات له، إنه "تم اعتقال شقيقه بحجة أنه مطلوب، ومن ثم علمنا أنه لا الشرطة ولا الجيش يعرفون شيئاً عنه"، مشيراً إلى أنه "يراجع الآن أحد قيادات الحشد لمعرفة مصير شقيقه وإطلاق سراحه". يشار إلى أن مليشيات "الحشد الشعبي" أعلنت، أول من أمس، إطلاق حملة عسكرية في مناطق آمرلي وصاركول شرق طوزخورماتو في محافظة ديالى، قالت إنها لملاحقة خلايا "داعش".