تقارير استخباراتية واعتبارات أمنية تعرقل مفاوضات أوروبا ومصر حول "مراكز اللاجئين"

11 أكتوبر 2018
مصر تستضيف نحو 219 ألف لاجئ (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -


تواجه المفاوضات الأوروبية المصرية حول إنشاء مراكز على السواحل الشمالية والحدود الجنوبية والغربية والشرقية لمصر مع جيرانها لاستضافة اللاجئين، برعاية وتمويل أوروبا، عقبات أمنية واستخباراتية ومالية، قد تحول دون تحقق هذا المشروع على الأمد الطويل، رغم قبول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، النقاش حول هذا الملف، للمرة الأولى، بعد رفض القاهرة على مدى العقدين الماضيين التفاوض حول مشاريع مماثلة.
وقالت مصادر دبلوماسية أوروبية في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، إن هناك فارقاً شاسعاً بين التصورات المصرية للتفاوض حول إنشاء هذه المراكز، والسمات التي تريد دول الاتحاد الأوروبي، وفي مقدمتها النمسا، ضمان تمتع هذه المراكز بها. فإلى جانب اشتراط المصريين تحمل أوروبا التكاليف المالية للإقامة والمعيشة والانتقال للبلدان الأصلية، وكذلك تمويل التكاليف الأمنية والحمائية التي ستتكبدها الدولة المصرية في هذه العمليات، فإنهم يتمسكون بأن تظل هذه المراكز بعيدة عن العمران، وأن تتحمل أوروبا تكاليف مد المرافق والخدمات إليها.

وأضافت المصادر أن "المسؤولين المصريين الذين انخرطوا في المفاوضات، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، ذكروا أن تقارير استخباراتية وعسكرية حذرت من حدوث مشاكل أمنية فادحة إذا حدث تواصل فعلي بين اللاجئين، المقيمين في هذه المراكز، وبين السكان المصريين، فضلاً عن تحذير هذه التقارير من اندلاع أعمال شغب في المناطق المحيطة بالمراكز نتيجة ضعف البنية التحتية والخدمات بها ومعاناة بعض المناطق النائية من الفقر المدقع". وأشارت المصادر الأوروبية إلى أن "المصريين لديهم أفكار أخرى لا تواكب تصورات المفاوضين الأوروبيين، الأمر الذي قد يؤدي مبكراً لإنهاء المفاوضات على فكرة إنشاء مراكز اللجوء"، لافتة النظر، في الوقت ذاته، إلى أن الدول الأوروبية تعتقد أن الجزائر والمغرب ليستا الدولتين المناسبتين لاستضافة هذه المراكز، كما أن ليبيا، وهي المكان الأمثل جغرافياً لإنشائها، لا يمكن التعويل عليها في الأمد المنظور.

وذكرت المصادر أن المصريين لم يعارضوا فكرة المراكز من حيث المبدأ هذه المرة، على عكس ما كان يحدث في عهد الرئيس المخلوع، حسني مبارك، كما لم يذكروا أن إنشاء مراكز للاستقبال يتناقض مع القوانين المحلية، وربما يتصادم مع الدستور، لكنهم "تقدموا بشروط مستحيلة عملياً، فضلاً عن تفضيلهم الحصول على منح من أوروبا لاستضافة اللاجئين ودمجهم في المجتمع المصري، وهو ما يتناقض مع أسس ودوافع المشروع الأوروبي". وسبق أن زعمت مصر أنها تستضيف ملايين اللاجئين، رغم أن بيانات إحصائية منشورة على موقع المفوضية السامية للاجئين تقول إن مصر تستضيف نحو 219 ألف لاجئ فقط، منهم 127 ألف سوري. وخصصت المفوضية، في العام الماضي، نحو 72 مليون دولار لرعاية هذا العدد من اللاجئين، تم تخصيص نحو 55 مليون دولار منها للرعاية الصحية والتعليم. وتقدر المفوضية احتياجات مصر للعام الحالي بمبلغ 74.5 مليون دولار، تم تأمين نسبة 7 في المائة منها فقط بواسطة مساعدات إيطالية وهولندية وكندية ومن الاتحاد الأوروبي. وتعتبر مصر بذلك من أقل دول المنطقة العربية استضافة للاجئين الذين تعنى الأمم المتحدة برعايتهم، خلف تركيا التي تستضيف أكثر من 3 ملايين، والسودان التي تؤوي أكثر من مليونين، ولبنان الذي يوجد به أكثر من مليون لاجئ، وحتى ليبيا التي تستضيف أكثر من نصف مليون لاجئ.

لكن ما يجعل مصر مهمة بالنسبة لأوروبا، هو أنها بالفعل تحتضن ملايين الأجانب الذين يتخذونها كمعبر وسيط لتسهيل الانتقال لأوروبا أو أميركا أو أستراليا، أو الذين يتخذونها كوجهة نهائية للاستقرار ويرتبطون فيها بالمواطنات أو المواطنين المصريين، ويشرعون في بناء عائلات منفصلة عن بلدانهم الأصلية، وهي ظاهرة منتشرة، خصوصاً مع المهاجرين العرب إلى مصر، سواء من فلسطين أو سورية أو العراق، والذين لا يدخلون ضمن تصنيف "اللاجئين" المعترف بهم دولياً. كما أدى تطبيق قانون مكافحة الهجرة غير الشرعية، الذي أصدره السيسي منذ عامين، والذي منح بمقتضاه سلطة مطلقة للجيش والرقابة الإدارية في ملاحقة عصابات الهجرة المنتشرة ببعض محافظات الدلتا، فضلاً عن تطبيق سياسة أكثر صرامة مع المتسللين عبر الحدود مع السودان وليبيا، إلى خفض أعداد المهاجرين الأفارقة بصورة ملحوظة.

المساهمون