على هذه الأرضية، جاء هذا التطور بمثابة نقلة على الصعيدين الثنائي والخليجي– الإقليمي، ذات خصوصيات تتمثل في ثلاث سمات أساسية: شموليتها ومأسستها وأبعادها المحمّلة برسائل برسم الجوار والمحيط.
فلأول مرة يتم وضع كافة جوانب العلاقات الأميركية- القطرية في رزمة استراتيجية واحدة، شملت السياسي والأمني والدفاعي- العسكري، ومحاربة الاتجار بالبشر والتنسيق والتدريب، والقطاعات الاقتصادية والاستثمارية والتربوية، والتجارة والطاقة والطيران المدني، بعد أن تمت تسوية الإشكاليات المتعلقة بهذا الأخير، بحيث صار هذا الإطار مفتوحاً على ساحة العلاقات بكافة بنودها الحيوية التي تهم الطرفين، بما يمثل نقلة تزيد عن التقارب، خاصة أنها مرشحة للمزيد من التوسع، كما أشار الجانبان في خطابات التوقيع.
وما يعطي هذه النقلة أهمية إضافية هو اتفاق البلدين على مأسسة هذه العلاقات، بحيث تتم زيادة ملفاتها في حوار سنوي من المقرر أن تُعقد جلساته السنة القادمة في الدوحة. ويهدف ذلك إلى تحقيق غرضين في آن: تقييم المسار بصورة دورية، وإثراؤه بالمزيد من التطوير والترسيخ والإضافات، لا سيما أنه لا بدّ لمثل هذه النقلة التي جرى تطويبها من أن تترك انعكاساتها على أكثر من صعيد في البيئة المتاخمة، ومن هنا تأخذ بعدها الإقليمي المهم، وربما الأهم، وبالتحديد في طابعه الأمني الخليجي.
وقد كانت الإشارة إلى ذلك واضحة وصريحة. ففي كلمته خلال حفل استقبال الوفد القطري في غرفة التجارة الأميركية بواشنطن مساء الاثنين، تحدث وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، عن هذا الجانب بلغة حازمة: "يمكن لقطر الاعتماد علينا للوقوف إلى جانبها إذا حاول أي كان تهديد سيادتها"، ثم حرص على مطالبة الأطراف المعنية المعروفة بـ"خفض نبرة خطابها"، بما لم يترك مجالاً للتكهن حول مقصده.
كان تيلرسون يخاطب "رباعي الحصار"، وثمة من رأى أن كلامه موجه بالتحديد إلى السعودية والإمارات، وفي ذلك نبرة استوقفت المراقبين إلى حد تساءل معه بعضهم عمّا إذا ما كان "التذمر" الأميركي، أو على الأقل لدى بعض أركان الإدارة، مثل تيلرسون، من المملكة والإمارات، قد بلغ حداً دفع الوزير إلى مخاطبتهما بلغة التحذير المبطّن، خصوصاً في ما يتعلق بالحصار الذي خصّه الوزيران تيلرسون وجيم ماتيس في كلمتيهما، بالإشارة المشحونة بالضيق، مع التنويه بأن قطر قامت بالمطلوب منها.
وتجدر الإشارة، في هذا السياق، إلى أن وزير الخارجية الأميركي بات يتصرف أخيراً بقدر من حرية الحركة يسانده وزير الدفاع ماتيس، بعد أن ترك له الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مساحة واسعة في هذا المجال، تحت ضغط انشغاله بتطورات ملف التحقيقات الروسية. لكن ذلك لا يضمن عدم عودة الرئيس إلى الالتفاف على أية خطوات خارجية لا يتقبلها، أو يرى في الانقلاب عليها باباً لتغيير الحديث وحرف الأضواء؛ كما جرى في السابق.
اتفاقيات الحوار الاستراتيجي جرى توثيقها وتحولت إلى تعهدات، وإذا كانت أهميتها تكمن في شموليتها والتزاماتها، إلا أنها تبقى في صميمها أمنية مشحونة بالتحذير والاستياء من سياسة التصعيد ضد قطر، مع التشديد على ضرورة حماية مجلس التعاون والعودة إلى صيغته السابقة للحصار، وبانتظار الاختبار في الآتي من الأيام.