توقعات منخفضة لسوتشي: شروط الخماسية تدفع موسكو للتراجع

27 يناير 2018
ركزت مفاوضات فيينا على المسائل الدستورية (ألكس هلادا/فرانس برس)
+ الخط -
قبل أيام قليلة من الموعد المفترض لانعقاد مؤتمر سوتشي، المقرر في 29 و30 الحالي، والذي تعمل عليه روسيا بشأن الحل في سورية، تكثفت الجهود الدولية الرامية إلى تقييد قدرة روسيا على التحكم بمسار هذا الحل ومحاولة الالتفاف على مسار جنيف وتقويضه، وذلك عبر تقديم "الدول الخمس" (الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، والسعودية، والأردن) ورقة للمبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، بشأن إحياء العملية السياسية في جنيف، وذلك بالتزامن مع المحادثات التي أجراها على مدى اليومين الماضيين بين وفدي النظام والمعارضة في فيينا.

ووسط إدراكه لحجم الرفض في الوسط السوري المعارض لمؤتمر سوتشي والحذر الأممي والدولي منه، بدأ الكرملين منذ يوم أمس بالتمهيد لخفض سقف التوقعات مما سيصدر عن المؤتمر، بالقول إنه "مؤتمر الحوار الوطني السوري" المقرر في سوتشي سكون مهماً لكنه لن يسفر عن حل سياسي حاسم. وأكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، أن "إجراء هذا المؤتمر يعد لحظة هامة في المسار السياسي"، موضحاً أن "العمل معقد للغاية وشائك، لذلك لا تزال هناك الكثير من المشاكل التي يجب حلها، والعديد من الصعوبات التي يجب التغلب عليها، ولكن عقد مثل هذا المؤتمر يُعد في حد ذاته خطوة ملموسة نحو تسوية سياسية في سورية"، معلناً في الوقت نفسه أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يعتزم حتى الآن حضور مؤتمر سوتشي.

في الوقت نفسه، سعت موسكو إلى التشكيك بنوايا الدول الفاعلة في المشهد السوري، خصوصاً الولايات المتحدة، التي اتهمتها بالعمل على تخريب المسار السياسي، وسط اعتقاد موسكو بأن واشنطن تتخذ موقفاً ضبابياً من مؤتمر سوتشي، خصوصاً بعد إعلان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، هيذر نويرت، يوم الخميس، أن الولايات المتحدة تعتقد أن المحادثات حول سورية في سوتشي هي حل أولي، ويجب التركيز على عملية جنيف. وتابعت في مؤتمر صحافي: "نعتقد أن المحادثات في سوتشي يمكن أن تكون قراراً لمرة واحدة، وربما تخرج بشيء ما وربما لا، ولكننا نؤيد بشدة محادثات جنيف".

ويتقاطع حديث نويرت عن ضرورة أن يكون سوتشي لمرة واحدة، مع ما كشفه مصدر سوري لـ"العربي الجديد" من أن الدول الخمس وضعت مقابل دعمها لمؤتمر سوتشي عدة شروط وهي: أن يكون المؤتمر لمرة واحدة، وألا يكون بديلاً عن مسار جنيف، وأن تحضره الأمم المتحدة والهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية. وأضاف أن من بين الشروط أيضاً أن تكون العملية الدستورية والانتخابية بمرجعية الأمم المتحدة، وألا تشكل أي لجنة خارج الأمم المتحدة، وذلك بعد حديث روسي عن إمكانية تشكيل ثلاث لجان خاصة خلال المؤتمر لمتابعة النقاط التي يتم التباحث بشأنها خلال المؤتمر. ووفق المصدر، فإن هذه الشروط قدّمتها الدول الخمس لموسكو كرد مشترك بعدما وجّهت لها روسيا دعوات للمشاركة في سوتشي، وتم إبلاغ وفد المعارضة المشارك في فيينا بهذه الشروط. 

في موازاة ذلك، اختُتمت أمس الجمعة في مقر الأمم المتحدة في فيينا جولة المفاوضات التي عقدها دي ميستورا مع وفدي النظام والمعارضة، والتي ركزت على "المسائل الدستورية" ضمن السلال الأربع التي كان تم تحديدها في المفاوضات السابقة، وهي الحكم والانتخابات والدستور ومحاربة الإرهاب.
واستمر تعنّت النظام تجاه الخروج بحل عبر مسار جنيف، إذ أعلن رئيس وفد النظام بشار الجعفري، خلال مؤتمر صحافي في فيينا أمس، رفض الوثيقة التي تقدمت بها الدول الخمس، قائلاً إنها "لا تستحق الحبر الذي كُتبت به، ومن وضعها تصرف بطريقة غير مسؤولة وبيّن أن عملية جنيف قد ماتت". وأضاف "أجرينا مباحثات بناءة قدر الإمكان"، متسائلاً: "كيف يمكن لفرنسا وبريطانيا اللتين تتبعان السياسة الأميركية كأعمى يقود أعمى، أن تفصّلا حلاً سياسياً للأزمة في سورية؟". واعتبر أن "الحوار في سوتشي سيكون سورياً-سورياً من دون تدخل خارجي، وستحضره أكثر من 1600 شخصية".

وكانت مصادر مطلعة من داخل اجتماع فيينا، ذكرت أن وفد النظام برئاسة الجعفري رفض خلال لقائه دي ميستورا الخميس الخوض في مناقشة عملية الانتقال السياسي بإشراف الأمم المتحدة. ونقلت وكالة "الأناضول" عن تلك المصادر قولها إن وفد النظام رفض خلال اجتماعه مع المبعوث الأممي الخوض في تفاصيل العملية الانتقالية، مشيرة إلى أنه استهل جلسته بتوجيه انتقاد إلى دي ميستورا وتقريره للأمم المتحدة الشهر الماضي، والذي حمّل فيه النظام مسؤولية فشل جنيف 8. كما تطرق وفد النظام إلى عملية "غصن الزيتون"، في منطقة عفرين شمالي سورية مهاجماً الموقف التركي. وخلال الاجتماع قدّم الجعفري هدية أثرية إلى دي ميستورا، هي عبارة عن أيقونة اسمها (أنا أنتمي). وقال الجعفري "أنتمي إلى الحضارة السورية، وليس للعدوان التركي ضد إدلب ولا العدوان الأميركي على الجزيرة".

في المقابل، قال عضو الهيئة العليا للمفاوضات، أحمد العسراوي، لـ"العربي الجديد"، إن مباحثات فيينا التي جرت على مدار اليومين الماضيين تناولت المسائل الدستورية، و"كنا تجاوبنا مع ما طرحه المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا بهذا الشأن حتى قبل حضورنا إلى فيينا". وأضاف عضو وفد المعارضة أنه طالما أن الاجتماع ليومين فقط، فهو اجتماع "إجرائي تمهيدي للجولة المقبلة من المفاوضات"، مشيراً إلى أن "المجتمع الدولي يريد أن يعرف موقفنا من سوتشي، والاجتماع يبحث هذا الأمر وما يمكن تقديمه من أوراق"، لافتاً إلى أن وفد المعارضة قدّم أوراقه منذ البداية، وهو متجاوب "مع أي فقرة تطرح علينا ضمن الملف العام الخاص بالانتقال السياسي".

وأفاد مصدر مطلع لـ"العربي الجديد" أنه تم خلال اجتماع أمس، استكمال تحديد المعايير لتشكيل لجنة دستورية واختيار أعضائها، مشيراً إلى أن دعوات رسمية وصلت إلى كل عضو من أعضاء الهيئة العليا للمفاوضات لحضور مؤتمر سوتشي. وأوضح المصدر أن وفد المعارضة تسلم ورقة "اللاورقة" من قبل الجانب الأميركي باسم الدول الخمس (الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، والسعودية، والأردن) وأنه بصدد تقديم ملاحظات على هذه الورقة، مشيراً إلى أن هذه الملاحظات ستسلم للدول الخمس، وليس لدي ميستورا. وأوضح المصدر أنه في حال التوافق على ورقة الدول الخمس يمكن أن تُعتمد بقرار لمجلس الأمن.
واحتوت الورقة المقدمة من الدول الخمس خطة تمثل ركيزة لحل الأزمة السورية. وأوضحت هذه الوثيقة رؤية هذه الدول للمبادئ العامة لدستور سوري جديد، وأعطت دوراً مركزياً للأمم المتحدة في مراقبة وإدارة العملية الانتخابية، وركزت على نظام حكم لا مركزي بصلاحيات واسعة مع إفراغ الرئاسة من معظم صلاحياتها.


ودعت الدول الخمس في الوثيقة، دي ميستورا إلى تركيز جهود التسوية على مضمون الدستور، والوسائل العملية للانتخابات، وتوفير بيئة تضمن إجراء انتخابات للسوريين في الداخل والخارج دون خوف من الانتقام، بحيث تؤسس مؤسسات وفق معايير دولية تشرف على الانتخابات بما فيها هيئة انتخابية مهنية وحيادية ومتوازنة، إضافة إلى صلاحية قوية للأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن لتولي المسؤولية الكاملة لإجراء انتخابات حرة وعادلة في سورية، عبر تأسيس هيئة الانتخابات ومكتب سياسي لدعم الانتخابات. وتعتبر هذه الشروط أساسية، بحسب تعريف الأمم المتحدة لمعنى "الإشراف" على الانتخابات والفرق بينه وبين "المراقبة".

وحددت الوثيقة أهم النقاط والمبادئ، التي يجب إصلاحها في الدستور، وتشمل الصلاحيات الرئاسية، وصلاحيات رئيس الوزراء، وشكل البرلمان، واستقلال القضاء، ولا مركزية السلطة، وضمان الحقوق والحريات لجميع السوريين، وإصلاح قطاع الأمن، وكذلك إجراء تعديلات على القانون الانتخابي. كما طالبت بوقف العمليات القتالية تماماً، وخروج المليشيات الأجنبية من سورية، والشروع في عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وإيصال المساعدات، والوصول إلى الوثائق المخصصة للسجل المدني.

وشددت الوثيقة على أن يكون الرئيس الذي ستُعدل صلاحياته، محققاً لتوازن جميع القوى، وضامناً لاستقلال المؤسسات الحكومية والمركزية. أما الحكومة فيرأسها رئيس وزراء، مع منحه صلاحيات موسعة، وصلاحيات لـ"حكومات الأقاليم"، كما أن البرلمان يتكون من مجلسين يكون ممثلاً في مجلسه الثاني من كل الأقاليم، للتأثير على عملية صنع القرار في الحكومة المركزية، دون وجود سلطة رئاسية لحل البرلمان. وقالت مصادر إعلامية إن وزراء خارجية الدول الخمس قدّموا لدي ميستورا هذه الأفكار، كي يتمكن من عرضها في اجتماعات فيينا. 

الى ذلك، اتهمت وزارة الدفاع الروسية، الولايات المتحدة بالعمل على تشكيل وتدريب معارضة مسلحة في سورية وذلك بهدف إفشال عملية السلام. وقال "المركز الروسي للمصالحة" في سورية في بيان له أمس الجمعة، إن قوات النظام السوري تمكنت من القضاء على مجموعة مسلحة في منطقة التنف، وعثر على أعلام وشعارات لتنظيم "قوات الشهيد أحمد العبدو" مشيراً إلى "أن المسلحين يتلقون تدريباً في معسكر بمنطقة التنف تحت إشراف الأميركيين من قوات العمليات الخاصة". وزعم أنهم يخططون لأعمال إرهابية في دمشق وحمص ودير الزور، معتبراً أن ذلك يثبت "تورط الولايات المتحدة الحقيقي في تحضير وتشكيل معارضة مسلحة من كافة الأطياف تحت إمرتها، لتقويض العملية السلمية في سورية". يُذكر أن "قوات الشهيد أحمد العبدو"، هي فصيل ينتمي إلى "الجيش الحر" وعملت خلال السنوات الماضية على قتال قوات النظام السوري وتنظيم "داعش" في البادية السورية.

من جهة أخرى، أكدت مجالس محافظات درعا والقنيطرة وريف دمشق رفضها لمؤتمر سوتشي، مؤكدة أنه ليس من صلاحيات "وفد الرياض2" الذهاب إلى موسكو قبل العودة إلى جميع أعضاء المؤتمر. وقالت المجالس في بيان لها إنها تدعم الوفد طالما التزم بثوابت الثورة. يأتي ذلك بعدما كان المستشار في الإدارة الذاتية الكردية في سورية، بدران جيا كورد، قال "إن الجماعات الكردية الرئيسية السورية لن تشارك في مؤتمر سوتشي الروسية الأسبوع المقبل في ظل التطورات الأخيرة في عفرين". وأضاف المسؤول الكردي أنه لا يمكن مناقشة حل للحرب في ظل استمرار الهجوم التركي على منطقة عفرين، مشيراً إلى أن الإدارة لم تتلق دعوة رسمية إلى المؤتمر منذ تأكيد تنظيمه.