معركة دير الزور: النظام يتقدم و"قسد" تنافس والمعارضة غائبة

05 سبتمبر 2017
أثناء قصف النظام على دير الزور، الأحد(جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -
حققت قوات النظام السوري والمليشيات التي تساندها، أمس الإثنين، المزيد من التقدم باتجاه دير الزور، وباتت على بعد ثلاثة كيلومترات فقط من مواقعها المحاصرة داخل المدينة، وسط انسحابات متتالية من جانب عناصر تنظيم "داعش"، الذين يحاولون تعزيز دفاعاتهم حول المدينة. ويأتي تقدم قوات النظام، وسط غياب أي تحرك في الوقت الراهن، من جانب الأطراف الأخرى التي لديها خطط معلنة للوصول إلى دير الزور وهي "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة، وفصائل "الجيش السوري الحر" المدعومة أيضاً من أميركا والأردن، مما يعطي أفضلية لقوات النظام التي تحظى بتغطية جوية روسية كثيفة، ومشاركة برية واسعة من جانب المليشيات التي تدعمها إيران. لكن ثمة مؤشرات على أن "سورية الديمقراطية" لا تنوي ترك الساحة خالية للنظام في دير الزور، وهو ما يعني قرب بدء التنافس على النفوذ بين الطرفين في منطقة يبدو أن هزيمة "داعش" فيها لم تعد بعيدة.

وبحسب الإعلام الرسمي للنظام السوري، فإن القوات التابعة له تتابع عملياتها في ريف دير الزور الغربي، وتسيطر "على عدد من النقاط والتلال الحاكمة"، كما أنها باتت "على بعد كيلومترات من القوات الموجودة في اللواء 137 غرب مدينة دير الزور". وأوضح هذا الإعلام أن قوات النظام تقدمت مسافة 9 كيلومترات انطلاقاً من مواقعها في هريبشة باتجاه بلدة كباجب على طريق دير الزور-تدمر، وباتت على مسافة قريبة من كباجب، بينما شن الطيران الروسي سلسلة غارات على تحصينات وآليات مسلحي "داعش" في قرى البغلية وعياش والحجيف ومحيط تلة الصنوف جنوب غرب دير الزور.

وذكرت مصادر محلية أن قوات النظام اجتازت حقل الخراطة النفطي، آتيةً من عمق البادية، بالتزامن مع تقدمها من مدينة السخنة باتجاه منطقة كباجب وحقل الشولا، وهو النقطة الأقرب إلى المدينة. وأشارت إلى أن الاشتباكات تدور في محيط موقع "اللواء 137" المحاصر، بين عناصر "داعش" وقوات النظام المتقدمة من محور جبل البشري. وكانت هذه القوات قد وصلت إلى نقطة تبعد أقل من 10 كيلومترات من مدخل دير الزور من جهة أخرى، بينما انسحب تنظيم "داعش" من الطريق الواصل بين مدينتي السخنة ودير الزور، بما فيها منطقتا كباجب والشولا. وخلال هذه المعارك، قُتل قائد الحملة العسكرية لقوات النظام، العميد غسان سعيد، مساء الأحد، فيما نعت وسائل إعلامية تابعة للنظام، خمسة ضباط آخرين، فضلاً عن تدمير سبعة آليات عسكرية وعربات مدرعة لقوات النظام على مشارف المدينة. ويتزامن ذلك مع تقدم هذه القوات في أرياف دير الزور حيث أعلنت سيطرتها على جبل البشري وجبل صفية وقرية رجم الهجانة بريف دير الزور الغربي، تحت غطاء جوي مكثف من الطائرات الروسية.

وتوقع محافظ دير الزور التابع للنظام، محمد إبراهيم سمرة، أمس الإثنين، وصول قوات النظام إلى مدينة دير الزور المحاصرة في غضون 24 أو 48 ساعة. وروجت مصادر لوصول قوات النظام إلى منطقة قبور النصارى القريبة من مقر "اللواء 137"، وذكرت أن سيارات لفرع أمن الدولة تجولت في الشوارع هناك، مبشرّةً بفك الحصار وفتح الطرقات، لكن مصادر محلية نفت وصول هذه القوات إلى منطقة "اللواء". وتخضع قوات النظام داخل أحياء مدينة دير الزور للحصار الذي فرضه عليها تنظيم "داعش" منذ عام 2015، وهي أحياء هرابش والجورة والقصور، حيث تسعى قوات النظام إلى فك الحصار وفرض نفسها كقوة وحيدة قادرة على طرد التنظيم من دير الزور. وكانت قوات النظام والمليشيات المساندة لها قد دخلت مطلع الشهر الحالي الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور، من جهة مدينة السخنة في ريف حمص الشرقي، التي سيطرت عليها في أغسطس/آب الماضي. ويسيطر تنظيم "داعش" على معظم دير الزور، بينما تنتشر قوات النظام في بعض الأحياء داخل المدينة والمطار العسكري. لكن مصادر قدرت أن التنظيم لم يعد يسيطر في غربي دير الزور، سوى على مساحة تقدر بحوالى 60 كيلومتراً مربعاً. وكانت فصائل المعارضة قد سيطرت على القسم الأكبر من أحياء المدينة، مطلع عام 2014، وبقيت تحت سيطرتها حتى يوليو/تموز 2014، حين دخلها تنظيم "داعش". وتضم المدينة حالياً أقل من 20 ألف نسمة وفق تقديرات ناشطين، إذ عانت خلال السنوات الماضية من الحصار والمجازر، مما أدى إلى مقتل مئات المدنيين، بينما تعرضت نحو نصف أحياء المدينة للتدمير.

ولاحظ مراقبون أن وكالة "أعماق" الناطقة باسم التنظيم تنشر فقط أخباراً مقتضبة حول تدمير آليات وقتل عناصر لقوات النظام، من دون أن تعلق على تقدم قوات النظام. وعزا هؤلاء التقدم السريع لقوات النظام إلى أنه جاء من عدة محاور في آنٍ واحدٍ، ما شتت دفاعات "داعش" المنشغل أيضاً في معركة الرقة، فضلاً عن أن التنظيم أصيب في الآونة الأخيرة، بالوهن العسكري في صفوف قواته المتمركزة في محافظة دير الزور بسبب القصف الجوي متعدد الجهات.

وأوردت صفحة "فرات بوست" أن تنظيم "داعش" أرسل تعزيزات عسكرية إلى مدخل مدينة دير الزور من جهة الشولا وكباجب، في محاولات للتصدي لحملة قوات النظام والمليشيات في هذه المنطقة.

وتوقعت مصادر عسكرية في حديث مع "العربي الجديد" أن تتوسع المعارك لتصل إلى الريف الشرقي والغربي جنوب الفرات، مرجحةً أن تشهد مدينة الميادين المعارك الأعنف باعتبارها المنطقة الأخيرة للتنظيم في المحافظة. ورأت المصادر أن الأطراف الأخرى التي تنافس قوات النظام للوصول إلى دير الزور، مثل "قوات سورية الديمقراطية"، قد تتحرك خلال المرحلة المقبلة، وتحاول إعاقة تقدم قوات النظام أو الضغط من أجل تقاسم مناطق النفوذ هناك وعدم ترك النظام وحلفائه يستفردون بالمدينة. وسبب المنافسة يكمن في أن السيطرة على دير الزور تحدد مصير المنطقة الشرقية في سورية وتؤثر في طبيعة العلاقات مع كل من العراق وإيران، باعتبارها نقطة وصل بين بغداد ودمشق، فضلاً عما تحويه المحافظة من موارد طبيعية، إذ تعد الأكثر غنى في سورية بالنفط والغاز.

وفي هذا الصدد، تشير المصادر إلى تحرك "قوات سورية الديمقراطية" في مدينة الحسكة لإغلاق الطريق الواصل إلى دير الزور بغية منع النظام السوري من إرسال تعزيزات لقواته المحاصرة بداخلها. وتوقعت أن تعمد "سورية الديمقراطية" خلال الأيام المقبلة، إلى فتح جبهات باتجاه دير الزور من الشمال انطلاقاً من محافظة الحسكة وتحديداً من منطقة الشدادي، وهي المنطقة التي كانت فصائل "الجيش الحر" الموجودة في البادية، تطمح إلى أن تكون منطلقاً لها للهجوم على دير الزور. لكن هذا السيناريو رفضته "قوات سورية الديمقراطية" بالتزامن مع زحف قوات النظام باتجاه الحدود الأردنية-العراقية، الأمر الذي عزل فصائل "الجيش الحر" عن دير الزور من الجنوب، وهو ما يعني عملياً خروج تلك الفصائل من معادلة دير الزور، وانحصار المنافسة عليها بين قوات النظام و"قوات سورية الديمقراطية". وتوقعت المصادر انسحاب عناصر "داعش" في النهاية نحو منطقتي البوكمال والميادين باتجاه الحدود العراقية، حيث ستجري هناك المعارك الفاصلة مع التنظيم الذي سيحاول الإفادة من عمق الصحراء العراقية.

وتترافق الحملة العسكرية لقوات النظام السوري مع مواصلة القصف الجوي والمدفعي المكثف على الريف الغربي لدير الزور، لليوم التاسع على التوالي، ما أدى إلى وقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين، وحالة نزوح من بلدات وقرى هذه المنطقة إلى الأراضي الزراعية أو إلى أطراف نهر الفرات. وأحصى ناشطون مقتل 65 مدنياً خلال أسبوع، بينهم 11 طفلاً و21 امرأة، في ريف دير الزور الغربي، من دون احتساب قتلى بلدتي التنبي والبويطية لصعوبة التواصل مع سكانهما.

ووثّقت صفحة "فرات بوست" أعداد ضحايا محافظة دير الزور الذين قضوا خلال شهر أغسطس/آب الماضي، والذين يقدر عددهم بـ143 مدنياً. كما قتل ثلاثة مدنيين وأُصيب آخرون بجروح، جراء قصف مدفعي لعناصر تنظيم "داعش" على أحياء دير الزور المحاصرة، بينما قصفت المروحيات الحربية التابعة لقوات النظام بالبراميل المتفجرة مناطق ريف دير الزور الغربي.

وتشهد مدينة دير الزور وأريافها حركة نزوح واسعة للمدنيين، بسبب سوء الأوضاع الأمنية والمعيشية في المحافظة، تزامناً مع انتشار أنباء عن بدء معركة طرد التنظيم من المحافظة. وأعلن القائمون على "حملة مخيمات الموت"، أن المناطق الواقعة بين ريف الرقة الشرقي وريف دير الزور الغربي "منكوبة بالكامل"، جراء القصف الذي تتعرض له من قبل طائرات "التحالف الدولي" وسلاح الجو الروسي. وقال بيان للحملة إن القصف الجوي المتواصل تسبب في سقوط عدد كبير من القتلى والجرحى من المدنيين وصل لأكثر من 100 مدني أغلبهم أطفال ونساء، مما تسبب بموجة نزوح واسعة، لا سيما مع ارتفاع شديد بالأسعار ونقص بمقومات الحياة الإنسانية من غذاء وماء وانقطاع تام للكهرباء، وعدم وجود مراكز صحية لإسعاف المصابين والمرضى بعد خروجها عن الخدمة بسبب القصف.

المساهمون