أسبوع الدبلوماسية في نيويورك: ملفات حربية وصفقات وقضايا مهمشة

19 سبتمبر 2017
أمام مقر الأمم المتحدة يطالبون بوقف مجازر ميانمار(محمد الشامي/الأناضول)
+ الخط -
ككلّ عام تقريباً في مثل هذه الأيام من شهر سبتمبر/أيلول منذ 72 عاماً، يتحول حيّ الأمم المتحدة وفنادقه وطوابق المبنى الشاهق للمنظمة الدولية في نيويورك، إلى عاصمة العالم سياسياً. فمن أصل زعماء 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة، يتوجه 130 منهم تقريباً إلى المدينة الأميركية للإقامة فيها لأيام سبعة تقريباً، للمشاركة في أكبر تظاهرة سياسية في العالم، بمناسبة أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي أراد مخترعو المنظمة الأممية أن تكون ملتقى الرؤساء والمسؤولين، الحلفاء والخصوم وحتى الأعداء، لحل ما يمكن حله ولتوجيه بوصلة السياسة للأشهر المقبلة على صعيد العالم كله، أكان علناً، من خلال الخطابات الرسمية والتصريحات واللقاءات العلنية، أو سراً، بشكل ثنائي أو جماعي على هامش المنتديات الرسمية العديدة التي تعقد حتى قبل التاسع عشر من كل سبتمبر في كل عام، وهو تاريخ بدء الدورة السنوية للجمعية العامة، أهم هيئات الأمم المتحدة، حتى الخامس والعشرين من الشهر نفسه، وحتى بعد هذا التاريخ، إذ درج التقليد السياسي على أن يواصل عدد من المسؤولين مكوثهم في الولايات المتحدة لفترة من الزمن قبل العودة إلى بلادهم، مع ما يرافق ذلك من اجتماعات واتفاقات وتحالفات.

استثنائي... كالعادة
لقد درج التقليد الصحافي على أن يصف كل دورة من دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأنها "مختلفة لأنها تعقد في ظروف استثنائية". لكن صفة الاستثنائية في الدورة الحالية الثانية والسبعين هذا العام، تكتسب معناها الحرفي لا المجازي. وبعيداً عن العنوان الرسمي لدورة هذا العام، وهو "التركيز على الإنسان والنضال من أجل السلام وحياة وفق المعايير الإنسانية للجميع في عالم مستدام"، سيكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب، "نجم" الأيام السبعة للفعالية العالمية، وإن كانت تلك النجومية تُفهم في هذا السياق بشكلها السلبي، بما أنه لم يعرب يوماً عن إعجاب بالمنظمة الدولية، وهي مجرد "ناد يلتقي فيه الناس ويتحدثون ويمضون وقتا لطيفا" على حد تعبيره. لذلك ربما، ينوي ترامب التخلص من أعبائها بشعار "إصلاحها"، من خلال تقليص المساهمة الأميركية في التكاليف المالية لتشغيل المنظمة وهيئاتها بـ600 مليون دولار، لتبقى الولايات المتحدة، رغم ذلك، المساهم الأكبر مالياً في موازنة الأمم المتحدة، وهو ما يتيح لواشنطن سلاح تعطيل المنظمة أو تفعيلها بحسب المصلحة السياسية الأميركية في العالم.


لكنّ ترامب يجسّد فعلياً النقيض السياسي للأمم المتحدة، باحتقاره العمل الجماعي وتمسكه بشعاره "أميركا أولاً" ولو على حساب العالم وبقائه، على ما أظهره قرار الانسحاب الأميركي من اتفاقية المناخ العالمية، التي ستكون أحد العناوين البارزة للأيام الدبلوماسية العالمية التي تبدأ اليوم الثلاثاء رسمياً، وتنتهي في 25 من الشهر الحالي. والأجواء الحربية التي ترافق رئاسة ترامب سبب آخر للتمسك بصفة استثنائية لدى الحديث عن أعمال الدورة الـ72 للجمعية العامة.

القضايا الرئيسية... مهمشة
من شبح كوريا الشمالية، مروراً بالحرب العتيدة على الإرهاب، في مختلف جبهاته "الثابتة" (سورية والعراق وليبيا وأفغانستان واليمن) و"الموسمية" (الاعتداءات التي تتنقل بين دول العالم)، مروراً بـ"الخطر غير الإرهابي" الذي يتهدد البشرية جمعاء (التغير المناخي الذي ينفي دونالد ترامب وجوده) وصولاً إلى التوتر الذي يرغب ترامب وحليفه بنيامين نتنياهو بتسعيره، أي "أسوأ الاتفاقات على الإطلاق"، في إشارة إلى اتفاق 2015 بين الغرب وإيران، تبدو القضية الفلسطينية أكثر مرة مهمشة بحسب ما تشير إليه أجواء التحضيرات لبدء الموسم الدبلوماسي في نيويورك. ويشترك في الرغبة بتهميش القضية الفلسطينية أطراف كثر، أولهم حكام تل أبيب طبعاً بموافقة أميركية، للقول إن العداء لإيران يجب أن يجمع العرب ودولة الاحتلال، وذلك بحماسة كبيرة من بعض العرب الرسميين المستعجلين لإخراج التطبيع من سريته إلى الحيز العلني مع إسرائيل. لذلك تطرح الصحف العبرية بوتيرة متسارعة سيناريوهات عديدة لا تستبعد أن تشهد الدورة الـ72 لاجتماعات الجمعية العامة مصافحة "تاريخية" بين مسؤول سعودي أو بحريني أو إماراتي مثلاً، مع نتنياهو أو أحد أعضاء وفده لافتتاح موسم التطبيع الرسمي.

وإذا كانت حروب الإرهاب والملف الكوري الشمالي واتفاقية المناخ ستكون عناوين يرجح أن ترد في كلمات معظم رؤساء الدول "الكبيرة"، ومن بينهم الرئيس إيمانويل ماكرون الذي يسجل أول مشاركة له في هذا المنتدى العالمي، إلا أن الملفات الأكثر مأساوية يُرجَّح أن تغيب جزئياً أو بشكل كامل. فشعوب العالم ربما تستمع لعشرين دقيقة من كلام كل من رؤساء وملوك العالم بدءا من اليوم الثلاثاء، من دون أن تلاحظ إشارة إلى القتل المفتوح في حرب اليمن، بالسلاح الحربي أو بمرض الكوليرا والمجاعة، أو توقُّف عند ضرورة وقف المجزرة في ميانمار، أو المرور خجلاً على مساواة القاتل والضحية في ملف الصراع العربي الإسرائيلي. كذلك فإن أسباب الإرهاب وجذوره وضرورة معالجتهما تبدو مواضيع غير مستحبة في كلمات مسؤولي الدول "الكبيرة"، ليبقى مفهوم المعالجة الأمنية للإرهاب مهيمناً على الكلمات، المملة منها أو تلك التي تحمل جديداً يخرج عن سرب الكلمات الإنشائية المتشابهة.

الملفات الإقليمية
لكن أزمات إقليمية ستحضر في اجتماعات وكلمات الجمعية العامة، حتى ولو اقتصرت على الأطراف المعنية بها بشكل مباشر، مثل الأزمة الخليجية التي يرجح أن تحضر بقوة في كلمات زعماء دول الحصار، وفي خطاب أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، ليبقى العمل الفعلي على هذا الملف من حصة الاجتماعات المعلنة أو السرية، كذلك الذي يجري بين ترامب وأمير قطر اليوم، وبين ترامب وزعماء الدول الأربع (السعودية ومصر والإمارات والبحرين)، ليبقى غير معروف ما إذا كان الرئيس الأميركي سيتمكن من جمع كل هؤلاء على طاولة واحدة لبدء مفاوضات لا يزال معسكر الحصار يرفضها. واستفتاء انفصال إقليم كردستان العراق يرجح بدوره أن يحضر لكن على صعيد إقليمي، أكان في كلمات تركيا وايران والعراق مثلاً، أو في لقاء مسؤولي هذه الدول بين بعضهم البعض أو مع ترامب وماكرون وبقية زعماء الدول "الكبيرة".

القضايا الساخنة
وسيجلس دبلوماسيو كوريا الشمالية في الصف الأول من مقاعد الجمعية العامة للأمم المتحدة، عندما يلقي ترامب كلمته اليوم الثلاثاء، والتي يرجح أن تتضمن تكراراً لتهديداته الكثيرة باللجوء للعمل العسكري. ويعتزم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الذي تولى منصبه في يناير/كانون الثاني مثل ترامب، عقد لقاءات منفصلة مع الأطراف المعنية بمن فيهم وزير خارجية كوريا الشمالية ري جونج هو. وقال غوتيريس يوم الأربعاء إنه "لا يمكن أن يكون الحل إلا سياسيا. فالعمل العسكري قد يتسبب في دمار على نطاق يستغرق التغلب عليه أجيالا قادمة". ومن المقرر أن يلقي وزير الخارجية ري كلمة كوريا الشمالية أمام الجمعية العامة يوم الجمعة. ومن المنتظر أن يحث بعض القادة ترامب على عدم التخلي عن الاتفاق النووي المبرم مع إيران عام 2015 للحد من طموحاتها النووية، مقابل رفع عقوبات الأمم المتحدة والعقوبات الأميركية والأوروبية المفروضة عليها في الوقت الذي قال فيه بنيامين نتنياهو إن الوقت قد حان "لإصلاحه أو إلغائه". ومن المقرر أن يجتمع وزراء خارجية الدول الموقعة على الاتفاق، إيران والولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وروسيا والصين وفرنسا، غداً الأربعاء قبل موعد نهائي يحل في أكتوبر/تشرين الأول، ويتعين حينها على ترامب أن يخطر فيه الكونغرس بما إذا كان يعتقد أن إيران ملتزمة بما وصفه بأنه "أسوأ اتفاق تم التفاوض عليه على الإطلاق". وسئل السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبنزيا يوم الجمعة عن فحوى رسالة موسكو للجمعية العامة، فقال إنها ترتكز على الحفاظ على الاتفاق النووي.

ويلتقي قادة الدول والدبلوماسيون لبحث أزمات من بينها ليبيا وسورية وجنوب السودان ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى واليمن والعراق، وقد أضيفت ميانمار بعد أن وصفت الأمم المتحدة العنف الذي يستهدف الروهينغا المسلمين فيها بأنه "تطهير عرقي". واستضافت بريطانيا، أمس الإثنين، اجتماعا وزاريا لبحث سبل حمل السلطات في ميانمار على إنهاء حملتها العسكرية في ولاية راخين والتي أدت إلى نزوح أكثر من 400 ألف من الروهينغا إلى بنغلادش. وفي أعقاب إعلان ترامب أن الولايات المتحدة ستنسحب من اتفاق عالمي تاريخي تم التوصل إليه عام 2015 لمكافحة التغير المناخي، من المقرر عقد عدد من الاجتماعات على مستويات عالية على هامش الجمعية العامة لدعم ذلك الاتفاق. وقال غوتيريس للصحافيين يوم الجمعة إن "التغير المناخي تهديد خطير. وتذكرنا الأعاصير والفيضانات في مختلف أنحاء العالم بأن من المتوقع أن تصبح الظواهر الجوية المتطرفة أكثر تكرارا وشدة بسبب التغير المناخي". وبدا أن وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، يترك الباب مفتوحا أمام الولايات المتحدة لعدم الانسحاب من اتفاق باريس "في ظل الظروف المؤاتية". وقال تيلرسون لقناة سي.بي.إس التلفزيونية يوم الأحد: "قال الرئيس إنه مستعد للعمل على إيجاد تلك الظروف التي يمكن أن نظل فيها مشاركين مع الآخرين في ما نتفق جميعا على أنها قضية صعبة".

أبرز الغائبين
وتعقد الدورة الـ72 في ظل غياب مسؤولين وزعماء، دولهم تتصدر ملفات وأزمات العالم، من بينهم رئيسة ميانمار، أونغ سان سو تشي. كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقاطع هذه الدورة، ليكون ربما أبرز الغائبين رغم أن بلده متورط أو معني في الكثير من الحروب والأزمات، من سورية إلى أوكرانيا فكوريا الشمالية وإيران... كما يغيب على الأرجح ملك السعودية، سلمان بن عبد العزيز، بعدما تسلم فعلياً ابنه محمد بن سلمان جزءاً كبيراً من الحكم. ولا يحضر أيضاً رئيس النظام السوري بشار الأسد ولا زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، ولا ملك المغرب الحسن الثاني. كذلك لن تحضر المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لأن لديها انتخابات عامة في 24 من الشهر الحالي، ولا الرئيس الصيني شي جين بينغ، وتكتفي روسيا والصين بمستوى الوزراء، فيما ألمانيا بمستوى نائب المستشارة. ويكفي أن يعرف القارئ حقيقة منح الأمم المتحدة تصاريح لقرابة 3 آلاف إعلامي لتغطية الحدث، حتى يدرك الأهمية التي تكتسبها هذه الفعالية السياسية العالمية.