الانتخابات الرئاسية المصرية معلقة على إشارات واشنطن وهوية المنافسين

15 سبتمبر 2017
روجت وسائل إعلام السيسي لتقاربه مع ترامب (مارك ويلسون/Getty)
+ الخط -

تفصل المشهد السياسي المصري 5 أشهر تقريباً عن الموعد المفترض لبدء إجراءات الانتخابات الرئاسية وفقاً للدستور الحالي، إذا بقي كما هو من دون تعديل، إذ يجب أن تبدأ الهيئة الوطنية للانتخابات إجراءاتها بفتح باب الترشح للرئاسة في 8 فبراير/ شباط الماضي، لكن اللافت أن الهيئة لم يتم تشكيلها حتى الآن في انتظار صدور قرار من رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، الذي يبدو أنه غير مستقر حتى الآن على مسألة إجراء الانتخابات من عدمها خلال العام المقبل.

وكان الشهران الماضيان شهدا رواجاً إعلامياً وسياسياً لفكرة إرجاء الانتخابات الرئاسية لمدة عامين أو أكثر، والاكتفاء في العام المقبل بإجراء استفتاء على تعديلات دستورية واسعة، تشمل السماح لرئيس الجمهورية بإعادة الترشح أكثر من مرة، وزيادة فترة الولاية الرئاسية الواحدة إلى 6 أو 7 سنوات بدلاً من 4 سنوات، بالإضافة إلى تقليص بعض صلاحيات البرلمان تجاه الحكومة في حالات إقالة الوزراء، وإلغاء سلطة مجلس الدولة في مراجعة مشاريع القوانين المقدمة من البرلمان. إلّا أن الترويج الإعلامي للتعديل الدستوري تراجع بشكل واضح في أعقاب القرار الأميركي بتجميد جزء وتأجيل جزء آخر من المساعدات العسكرية والاقتصادية إلى مصر، إلى درجة خروج بعض قيادات الأكثرية النيابية الداعمة للسيسي بتصريحات تنتقد التعديل الدستوري وتحذر منه، بعد أيام معدودة من ترويج الأشخاص أنفسهم له، وعلى رأس هؤلاء رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان، اللواء السابق كمال عامر، والمعروف بصداقته للسيسي، إذ كان قائده لفترة في الاستخبارات الحربية. وتعبر هذه التصريحات عن ارتباك في دوائر السلطة الحاكمة بسبب قرب الاستحقاق الانتخابي الدستوري من ناحية، وعدم استطاعتها معرفة ما إذا كانت مسألة تداول السلطة وحتمية إجراء الانتخابات في موعدها أمراً مؤثراً في العلاقات مع إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أم لا، باعتبار أن واشنطن هي العاصمة الوحيدة التي اتخذت موقفاً سياسياً ذا طبيعة اقتصادية من النظام الحالي، منذ تولي السيسي رئاسة الجمهورية، على الرغم من زيارة السيسي إلى واشنطن أخيراً، وترويج وسائل إعلامه لصورة التقارب الاستثنائي بينه وبين ترامب.

وتحدثت "العربي الجديد" إلى عدد من المصادر السياسية والإعلامية القريبة من الدائرة الخاصة بالسيسي حول احتمالات إجراء الانتخابات الرئاسية، ومتى ستبدأ الإجراءات، إذا كانت النية تتجه فعلاً لإتمامها، فردت مختلف المصادر بأن "الانتخابات الرئاسية ما زالت في علم الغيب"، وأن السيسي لم يحسم أمره بإجرائها أو الاكتفاء بإجراء تعديل دستوري لقوننة بقائه فترة أطول، وأن عاملين رئيسيين سيحكمان اتخاذه لهذا القرار.
العامل الأول هو العلاقة بالولايات المتحدة. فبحسب المصادر، اقتصرت الاتصالات رفيعة المستوى بين القاهرة وواشنطن، منذ صدور قرار تجميد وتأجيل المساعدات، على الاتصال الهاتفي الذي جرى بعيد القرار بين السيسي وترامب، واستقبال الرئيس المصري لصهر ترامب ومستشاره الشخصي، جاريد كوشنر. ومنذ ذلك الحين جرت اتصالات مباشرة وغير مباشرة بين الجانبين على مستوى الدبلوماسيين في الخارجية المصرية وبعض الدبلوماسيين والنواب ورجال الأعمال الأميركيين في محاولة لتشكيل "لوبي" للضغط على دوائر صنع القرار في واشنطن، لمعرفة الشروط الأميركية لإرسال المساعدات وعدم طرح مسألة التجميد والتأجيل مجدداً. وتتمثل محصلة هذه الاتصالات حتى الآن في عدم استطاعة الجانب المصري تحديد الخطوات التي يجب اتخاذها لاستعادة ثقة ترامب وخارجيته، في ظل غموض الإشارات الواصلة من البيت الأبيض من جهة، ووجود خلافات بين الدوائر الأميركية من جهة أخرى، وهو ما أدى إلى مسارعة السيسي لاتخاذ عدة خطوات للمراهنة على عدد من الملفات، لعل أحدها يكون كفيلاً بتغيير وجهة النظر الأميركية. فكانت البداية بإصدار بيانات إدانة كوريا الشمالية، ثم وقف الحديث عن التعديل الدستوري، ثم إصدار تعليمات لوسائل الإعلام الموالية له، خصوصاً البرامج الحوارية، بالترويج لحرص النظام على إجراء انتخابات رئاسية على أسس ديمقراطية.
وتقول المصادر إن السيسي "سيلجأ إلى خطوات أخرى قبل نهاية العام الحالي إذا استمرت العلاقة المتوترة بواشنطن، كتخفيف القيود على المجال العام، وتعديل قانون العمل الأهلي الذي يمس بشكل مباشر المنظمات الحقوقية الأميركية، وإخراج المواطنين الأميركيين من دائرة الاتهام في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني". وتؤكد أن "حسم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها سيكون آخر ورقة يلقيها السيسي على طاولة المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة، وأنه لن يضطر لذلك إذا تأكد أن واشنطن غير مهتمة بمسألة تداول السلطة في مصر، شأنها شأن الدول الكبرى الأخرى، كألمانيا وفرنسا وإيطاليا، وبالطبع روسيا"، على حد وصفها.


أما العامل الثاني، فهو ضمان التخلص من المنافسين المحتملين، أحمد شفيق وسامي عنان، المنتميين تاريخياً إلى المعسكر نفسه الذي يتحدر السيسي منه، واللذين تجمعهما به علاقة منافسة طويلة وخلافات جذرية في السياسات والأدوات. فعلى الرغم من أن السيسي ما زال يمنع شفيق من العودة إلى مصر، ملوحاً باستخدام الإجراءات القضائية ضده، ارتباطاً بقضية الكسب غير المشروع المقيدة ضد شفيق والموجودة بحوزة القضاء العسكري، والتي لم يتم الإعلان عن تفاصيلها ولم يتم فتحها لمحامي شفيق منذ نقلها من جهاز الكسب غير المشروع إلى القضاء العسكري عام 2014، إلّا أن السيسي يدرك جيداً أن شفيق يمكن أن يعود بين ليلة وضحاها من منفاه الاختياري في الإمارات معززاً مكرماً محصناً، إذا أرادت أبوظبي ذلك، وإذا حدثت أي خلافات سياسية بينها وبين القاهرة. كما يدرك أن شفيق سيجد دعماً من دوائر كثيرة تنفيذية داخل الحكومة وقضائية وأمنية واستخباراتية وإعلامية، وهو ما يدفع السيسي لتوخي إرضاء قيادات الإمارات بشتى الطرق ودعم الرؤى الإماراتية في الخلافات الإقليمية، لا سيما مع قطر، وتسهيل المصالح الإماراتية الاقتصادية في مصر.

وبينما يفتقر عنان إلى الدعم الخليجي، حتى الآن، فإن السيسي يحاول منعه هو الآخر من الترشح عبر رسائل غير مباشرة باحتمال تحريك بلاغات قديمة ضده، تعود إلى فترة رئاسته لهيئة أركان الجيش، تتهمه بالحصول على أراض مخصصة للجيش بصورة غير شرعية وبيعها لحسابه الخاص، وهي بلاغات لم ترق إلى درجة قضايا ذات اتهامات محددة، لكنها كفيلة بإزعاج عنان ومنعه من الترشح، إلّا في حالة تلقيه ضوءاً أخضر من جهة خليجية، أو اطمئنانه لعدم تحريك القضاء العسكري، المؤتمِر بقرارات وزير الدفاع، أي بلاغات ضده. وتوضح المصادر أن السيسي إذا ضمن عدم ترشح القائدين العسكريين السابقين ضده، فسيكون أقرب إلى فكرة إنجاز الانتخابات الرئاسية، وغلق ملفها، وتقديمها كقربان للإدارة الأميركية سعياً لإرضائها، لكنه سيتبع الانتخابات بالتأكيد بتعديل دستوري واسع يضمن عدم تكرار الانتخابات قبل عام 2024 على الأقل. وتشير المصادر إلى أن مسألة البحث عن منافس مناسب للسيسي لم تعد تهمه كثيراً، بل إن المقربين منه لم يعودوا يرون غضاضة في تقدمه منفرداً للانتخابات، إذا استمر انسحاب الشخصيات المؤهلة لذلك، تسهيلاً على الحكومة وهيئة الانتخابات في اتخاذ الإجراءات من ناحية، وكذلك لعدم تعريض السيسي، أو الحكومة، لإحراج من أي نوع، خصوصاً بما يتعلق بعرض البرنامج الانتخابي والدخول في مناظرات أو حوارات إعلامية محتملة.

وشهدت الأيام القليلة الماضية إعلان شخصيتين مناسبتين لأداء دور منافس السيسي الانسحاب من السباق قبل انطلاقه، هما رئيس لجنة إعداد الدستور المهمش حالياً، عمرو موسى، ورئيس التيار الشعبي الناصري، حمدين صباحي. كما أبلغ رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح، وسطاء تابعين للسيسي عدم رغبته في خوض الانتخابات في ظل التضييق الذي يعاني منه حزبه على مستوى القواعد والطلاب، بينما لم يحسم الحقوقي خالد علي أمره حتى الآن، ودخلت حملته الترويجية مرحلة من الجمود بعد اتهامه رسمياً بالتلويح بإشارة مخلة بالآداب العامة بعد حصوله على حكم قضائي بمصرية جزيرتي تيران وصنافير وحبسه يوماً على ذمة ذلك الاتهام. وشنت أخيراً صحيفة "اليوم السابع"، المتحدثة بلسان دائرة السيسي الخاصة، التي يديرها مدير مكتبه، عباس كامل، هجوماً استباقياً على القوى والشخصيات السياسية غير الإسلامية التي كانت تتواصل في ما بينها حول تشكيل جبهة معارضة موحدة، بهدف نسف تلك الاتصالات قبل أن تترجم لحراك واضح، ما يضمن بقاء المشهد السياسي أحادي القطب من دون معارضة، وهو ما يتنافى مع ادعاءات السيسي العلنية بالحرص على إجراء انتخابات ديمقراطية.