مبادرات المصالحة الفلسطينية: مكانك راوح

06 اغسطس 2017
من تحرك شعبي بغزة عام 2015 ضد الانقسام(مؤمن فايز/Getty)
+ الخط -
مرت عشر سنوات على الاقتتال والانقسام الفلسطيني، بين حركتي "حماس" و"فتح". عقدٌ شهد عشرات اللقاءات الثنائية بين الطرفين، وسلسلة مبادرات قام بها أعضاء من الطرفين، أو شخصيات مستقلة وفصائل فلسطينية أخرى، أو دول في المنطقة. واليوم لا يزال الوضع يراوح مكانه، لأن كل محاولات رأب الصدع لم تنجح في إزالة أي من مسببات الانقسام. على العكس تماماً، تعمّق الشرخ الداخلي أكثر فأكثر. ووصل الانقسام إلى مراحل خطيرة أدت إلى تراجع المشروع الوطني الفلسطيني. وباتت القضية الفلسطينية غائبة عن المحافل العربية والدولية بسببه، أو أُخذ الانقسام حجة لتبرير مخططات مختلفة لضرب الحقوق الفلسطينية والقفز عليها.

وتواصل حركتا "حماس" و"فتح" تبادل الاتهامات بشكل شبه يومي بالمسؤولية عن استمرار الانقسام ومسبباته وإفشال طروحات لإنهائه. وحتى المواطن الفلسطيني عجز عن القيام بأي خطوة حقيقية جادة للضغط على الطرفين من أجل تجاوز الحقبة "الأكثر سواداً" في التاريخ الفلسطيني المعاصر. والخميس الماضي، أطلقت "حماس" بشكل مفاجئ، محددات رؤيتها لإنهاء الانقسام، وفهم الأمر على أنه مبادرة. لكن حركة "فتح" تقول إنّ المبادرة تتضمن "شروطاً تعجيزيةً وغير مقبولة بتاتاً"، وهو ما يطرح التساؤل عن أسباب فشل المبادرات للوصول لاتفاق فلسطيني شامل.

وتركّز مبادرة "حماس" على تسلم حكومة "الوفاق الوطني" لمسؤولياتها في قطاع غزة، واستيعاب الموظفين الذين عينتهم عقب الانقسام، مقابل إنهاء اللجنة الحكومية التي شكلتها لتفادي الفراغ نتيجة غياب الحكومة عن غزة ومشاكلها ووزاراتها. وتشير المبادرة إلى الشروع الفوري في حوار وطني ومشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية وتفعيل المجلس التشريعي الفلسطيني بالتوافق لأداء مهامه المنوطة به، ومن ثم التحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية وانتخابات المجلس الوطني وعقد اجتماع فوري للإطار القيادي المؤقت لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" لاتخاذ القرارات الوطنية.


ووفق محللين ومراقبين ومتابعين، فإنّ الأجندات الحزبية الخاصة في المبادرات والطروحات لإنهاء الانقسام هي التي أفشلت كل الجهود، أما في الاتفاقات الموقعة، فكانت الكلمات ذات الوجوه المختلفة في التفسير والتأويل، سبباً في الاختلاف وعدم تنفيذها، لا سيما "اتفاق الشاطئ"، الذي وقع في غزة عام 2014. ويقول الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه وبعد مرور 10 سنوات على الانقسام الفلسطيني، فإن سبب فشل كل المبادرات يتمثل بسيطرة الأجندات الخاصة بالفصائل، والتي كرست مشهداً وحالة سياسية يصعب التعامل معها بفعل الواقع الذي يصعب تجاوزه. ويؤكد أن هناك أطرافاً من ضمنها الاحتلال الإسرائيلي، غير معنية بإتمام المصالحة الفلسطينية الداخلية، وتسعى هذه الأطراف بكل السبل لإفشالها كما جرى عام 2014، وبعد تشكيل حكومة التوافق الوطني حينما شن الاحتلال حرباً عنيفة ضد القطاع، وفق قول عوكل. ويرى الكاتب والمحلل السياسي أنه بات من الصعب نجاح أي مصالحة فلسطينية داخلية، من دون أي تدخلات من أطراف عربية تضغط على الأطراف جميعها من أجل الوصول لإنهاء الانقسام الداخلي، واستعادة الوحدة الوطنية بعد كل هذه السنوات. ويبين أنّ طرح كل هذه المبادرات على الساحة السياسية يؤكد محاولات كل الأطراف فرض رؤيتها وأجندتها على الطرف الآخر وهو ما يؤدي لفشلها.

ولن يكتب النجاح لأي مصالحة فلسطينية إلا عبر تدخل مصري حقيقي بفعل دور مصر في الساحة السياسية المحلية، خصوصاً بعد تفاهماتها مع حركة "حماس" في غزة والتقارب الأخير الذي حصل، بحسب عوكل، الذي يؤكد أن لدى القاهرة إمكانية للضغط على الأطراف بما فيها الأطراف الدولية للقبول بمثل هذه المصالحة. غير أنّ المحلل يلفت أيضاً إلى أنّ التفاهمات الأخيرة بين "حماس" وتيار القيادي المفصول من حركة "فتح"، محمد دحلان، ومصر، تجعل المصالحة بعيدة خلال الفترة الحالية، خصوصاً في ظل وجود بدائل أخرى للحركة التي تدير شؤون القطاع، بالإضافة لانعدام الثقة المتبادل بين "حماس" والرئيس محمود عباس.

ويشير الكاتب والمحلل السياسي مصطفى الصواف، إلى أنّ فشل المبادرات المختلفة للمصالحة خلال الفترة الماضية يرجع إلى عدم وجود إرادة سياسية عند الأطراف المتخاصمة، ومحاولة كل طرف أن يحصل على ما يريد من الطرف الآخر، وعدم التزام بعض الأطراف بالاتفاقيات. ويبينّ في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هناك أطرافاً تحاول تحقيق بعض النقاط التي تخدم مصالحها السياسية فقط، لافتاً إلى وجود حالة استجابة لرغبات الأطراف الإقليمية والدولية التي لا تريد أن يكون الشعب الفلسطيني موحداً وأن يطوي صفحة الانقسام، وفق قوله. ويذكر أن المبادرة الأخيرة التي طرحها عضو القيادة السياسية لحركة حماس، صلاح البردويل، وجدت قبولاً من مختلف الفصائل الفلسطينية، في الوقت الذي رفضتها حركة فتح بشكل كامل ومن دون أي نقاش فيها، وهو ما يؤكد عدم جدية "فتح" بإتمام المصالحة.

ويرى الصواف أن من الصعب تحقيق أي مصالحة داخلية في عهد الرئيس عباس كونه الطرف المعطل لإنهاء الانقسام خلال السنوات الماضية، إلا إذا وافقت الفصائل الفلسطينية على رؤيته وبرنامجه السياسي وقررت الانخراط في مشروع التسوية مع إسرائيل، وفق قول المحلل السياسي. ويخلص إلى أن تبرير تعطيل المصالحة بتفاهمات "حماس" ودحلان غير منطقي، لأنه خلال السنوات الماضية لم تكن هناك أي تفاهمات بين الطرفين، والتفاهمات لم يتجاوز عمرها الشهرين، كما أنّ اللجنة الإدارية لم يتجاوز عمرها هي الأخرى 5 أشهر، في حين أن الانقسام دخل عامه الحادي عشر على التوالي.