وزير سوداني يدعو للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي

22 اغسطس 2017
رفض شعبي لخطوات التطبيع (فرانس برس)
+ الخط -
من جديد أثار نائب رئيس الوزراء السوداني، وزير الاستثمار، مبارك الفاضل، الجدل حول اتجاه الحكومة السودانية بدعوته إلى التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، بالنظر إلى الموقع الذي يشغله في مطبخ صناعة القرار، ولا سيما أنها جاءت بعد تصريحات سابقة لوزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، الذي أكد أنه لا يوجد مانع من فتح النقاش حول التطبيع مع تل أبيب.


وبدت في الفترة الفائتة مغازلات بعضها واضح، والآخر مبطن بين الخرطوم وتل أبيب، إذ حاولت إسرائيل أكثر من مرة الإعراب عن تأييدها خطوات أميركا برفع العقوبات الاقتصادية مع السودان وفتح باب الحوار للتطبيع.

وبعد إقدام الاحتلال الإسرائيلي على إغلاق المسجد الأقصى أمام الفلسطينيين أخيرا، أصدرت الخارجية السودانية بيانا غابت عنه لهجة التشدد تجاه إسرائيل كما جرت العادة. ولم تتم مناصرة الفلسطينيين، كما درج السودان دائما، بإخراج المؤسسات للتظاهرات، وهي صور ومشاهد اختفت تماما عن الشارع السوداني.

وزادت دعوات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي عقب توقيع اتفاقية السلام الشامل مع الحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق وقادت بنهاياتها إلى انفصال السودان. وزادت بوتيرة أكبر بعد الانفصال وفتح الحوار المباشر مع أميركا، إذ كان قبلها مجرد ذكر اسم إسرائيل أمرا محرّماً ومجرّماً. وصدرت دعوات التطبيع من قبل سياسيين في حزب المؤتمر الوطني الحاكم وآخرين ورجال دين، حيث صرح الداعية السوداني ورئيس حزب الوسط يوسف الكودة بالدعوة للتطبيع وأفتى فيها دينياً.

وفي حوار مع فضائية سودانية الأحد دعا وزير الاستثمار مبارك الفاضل إلى التطبيع مع إسرائيل لتحقيق مصالح البلاد. ورأى أن القضية الفلسطينية أخّرت العالم العربي، وأن هناك بعض الأنظمة استغلتها طكذريعة وتاجرت بها. ورغم مرور 48 ساعة على تصريحات الوزير إلا أنها قوبلت بصمت حكومي كامل، ولا سيما أن الوزير في الأساس انضم للحكومة ضمن الحقائب المخصصة للقوى المعارضة التي شاركت في الحوار.



ويرى مراقبون أن تصريحات الفاضل تشير إلى التغير الذي طرأ في تفكير النخبة السياسية والحكومة عموما بشأن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يمثل معطيات تمهيدية لتهيئة الرأي العام السوداني للقبول بخطوات التطبيع، ولا سيما بعد التعبئة المضادة التي تمت طيلة السنوات الفائتة.

وعند وصول النظام الحالي للحكم رفع شعارات رافضة تماما للتطبيع مع إسرائيل التي اعتبرها العدو الأول له وللأمة العربية والإسلامية عموما. كما دمغت جوازات السفر السودانية القديمة كلها بعبارة "يسمح بالسفر لكل الدول عدا إسرائيل".

وأشارت مصادر متطابقة إلى وجود اتجاه جدي داخل النظام الحاكم لاتخاذ خطوات لفتح حوار حول التطبيع مع إسرائيل بغض النظر عن تحقيق مكاسب اقتصادية. ورأت في الخطوة محاولة لإبعاد التدخلات الإسرائيلية في الشأن الداخلي السوداني بالنظر إلى تدخلاتها التاريخية بدءا من الحرب الأهلية في جنوب السودان وانتهاء بحرب دارفور. وأكدت أن الخطوة تواجه بتيارات رافضة داخل الحزب الحاكم ترى فيها انتكاسة للمبادئ التي يؤمن بها الحزب، مشيرة إلى أن تلك التيارات ما زالت حتى الآن مؤثرة في عرقلة خطوات التيار الراغب في التطبيع.

وفي 2008 سرب موقع ويكيليكس برقية للسفارة الأميركية، نقلت حواراً بين مساعد الرئيس السوداني حينذاك مصطفى عثمان إسماعيل، ومسؤول شؤون أفريقيا في الخارجية الأميركية ألبرتو فرنانديز، طلب فيها المسؤول السوداني مساعدة واشنطن لتسهل التطبيع مع إسرائيل في حال اكتمال التطبيع مع أميركا نفسها، وهو أمر سارع إسماعيل وقتها لنفيه تماما.

عمليا يعتقد محللون أن جميع المؤشرات تؤكد اتجاهاً حكومياً سودانياً للتطبيع مع إسرائيل، وإن لم يكن بشكل مباشر، وذلك لانخفاض لهجة التشدد تجاه إسرائيل.

وأشارت صحيفة "السوداني" في عددها الصادر اليوم الثلاثاء إلى رفض الحكومة السودانية طلب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السابق خالد مشعل الإقامة الدائمة في السودان.

ولم يستبعد الخبير السياسي، الطيب زين العابدين، أن تقدم الحكومة السودانية على خطوات التطبيع مع إسرائيل، باعتبار أن لها الجرأة على فعل ذلك، لكنه استبعد الخطوة تماماً، ورأى أن الحكومة ستضع حسابات ردة الفعل تجاه الخطوة، بالنظر إلى الرفض السوداني لها. وأشار إلى سقوط مقترح التطبيع داخل لجان الحوار الوطني، فقد صوّت للتطبيع نحو سبعة ونصف في المائة فقط، وأضاف "أعتقد أن الحكومة تعي تماما أنه لا فائدة من التطبيع، كما أن الخطوة غير مرغوب فيها شعبياً".

ويرى المحلل السياسي ماهر أبو الجوخ أن تصريحات الفاضل لا تشكل بالضرورة موقفاً حكومياً تجاه التطبيع مع إسرائيل، بالنظر لشخصية الرجل البراغماتية، لكنه اعتبر أن ردة الفعل التي قوبلت بها تصريحاته والتي لم تكن صارخة، مؤشرا على غياب الصدمة والاندهاش حول حديث التطبيع مع إسرائيل.

وتابع أنه إذا استمر الأمر على هذا المنوال، فإنه من غير المستبعد أن نسمع عن تحول كبير في السياسة الخارجية للبلاد. وأضاف "هي معطيات تهيّئ الرأي العام لقبولها، فإذا لم يكن هناك ردة فعل عنيفة تبدأ خطوات في هذا الاتجاه، خاصة أنه بالمنطق السياسي عدو عدوي صديقي".