آلاف السودانيين يشيعون جثمان القيادية في الحزب الشيوعي فاطمة أحمد إبراهيم

16 اغسطس 2017
رفض عرض نقل الجثمان على نفقة الدولة (العربي الجديد)
+ الخط -

شيّع آلاف السودانيين، ظهر اليوم الأربعاء، القيادية في الحزب الشيوعي والناشطة في مجال حقوق المرأة فاطمة أحمد إبراهيم عن عمر 84 عاماً، إذ وافتها المنية السبت الفائت، في مقر إقامتها بأحد دور رعاية المسنين في لندن، بعد صراع طويل مع المرض.

ووصل جثمان فاطمة إلى الخرطوم صباح اليوم من لندن، وقد حضر قيادات وأعضاء الحزب الشيوعي والقوى المعارضة الأخرى، فضلاً عن أقربائها ومحبيها إلى مطار الخرطوم لاستقبال الجثمان، ومواراتها الثرى بمسقط رأسها في مدينة العباسية في أم درمان.

وانتشرت قوات من الشرطة والأمن في محيط المطار وداخله، تحسباً لأي طارئ، وخوفاً من تطور التشييع لتظاهرات ضد الحكومة.

وخيّم الحزن على الحاضرين، والذين استقبلوا جثمان الفقيدة بالدموع، وبالهتافات التي تمجّد دورها الرائد في تحقيق مكاسب للمرأة السودانية، ونذر حياتها في الدفاع عن حقوقها، فضلاً عن اللافتات التي تثمّن دورها في المشهد السوداني.

وسيطر اللون الأحمر وشعار الحزب الشيوعي على المشهد، وجاءت بعض اللافتات تحمل صورة فاطمة وعليها كلمات تعبر عن الامتنان للأدوار التي قامت بها ونضالاتها، فكتب على بعضها، "شكراً فاطمة بنضالك اكتسبنا حقنا في الأجر المتساوي، وفي الترشح والانتخابات وإلغاء بيت الطاعة"، و"شكراً، مهدت لنا الطريق"، وكذلك "ماشين في السكة نمد من سيرتك للجايين".

وطوقت القوات الخاصة المدخل الرئيسي لمقابر البكري في أم درمان، حيث تم دفنها.

انسحاب نائب الرئيس من العزاء

في سياق متصل، هتف المشيعون للقيادية في الحزب الشيوعي ضد بكري حسن صالح، النائب الأول للرئيس السوداني عمر البشير، وحاكم الخرطوم عبد الرحيم أحمد حسين، وحاكم ولاية شمال كردفان أحمد هارون، مطالبين بمغادرتهم مقر العزاء بأم درمان، ما أجبرهم على الانسحاب.

وكان الحزب الشيوعي قد رفض عرضاً رئاسياً بنقل جثمان الفقيدة على نفقة الدولة، وإجراء عمليات تشييع رسمية لها، باعتبارها رمزاً وطنياً.

في المقابل، فتح من جديد ملف إدخال فاطمة لدار رعاية المسنين بلندن، إذ أدخلت إلى الدار منذ عام 2012، بعد تدهور حالتها الصحية، وعدها بعضهم أمراً طبيعياً لتلقي رعاية صحية أفضل، "مؤكدين على أنها حظيت باهتمام ورعاية أسرتها والحزب، ممن درجوا على زيارتها ومتابعة حالتها لحظة بلحظة".

وأكدوا أن قرار إحالتها للرعاية الصحية قرار طبي، بينما عاب آخرون وضع امرأة بقامة فاطمة في دار رعاية مسنين، باعتبارها رمزاً وطنياً، مبيّنين أنه كان الأجدى أن تجد الرعاية من أبناء جلدتها.

وأكدت مصادر داخل الحزب الشيوعي أن الحزب عرض مراراً نقل فاطمة إلى السودان والتكفل برعايتها إلا أن مبادرته جوبهت بالرفض من قبل أسرتها، والتي رأت أن الرعاية التي تقدمها الدار في لندن أفضل مقارنة بالسودان.

وتعد القيادية نصيرة المرأة في السودان، وأول امرأة عربية وأفريقية تدخل إلى البرلمان مطلع ستينيات القرن الفائت، فضلاً عن كونها أول امرأة عربية وأفريقية ومسلمة من دول العالم الثالث تتولى رئاسة الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي عام 1991.

غادرت فاطمة الحياة في هدوء تام، على الرغم من السيرة العامرة لحياتها، وما أحدثته تجربتها من صدى، شأنها شأن قيادات أثرت في الحياة السودانية، ومثلت واحدة من أكثر النساء حضوراً يتبادل الأجيال سيرتها، وأصبحت مثلاً لكثير من السودانيات، إذ بدت بصماتها بائنة في المشهد السوداني.

مكاسب كثيرة يعود الفضل فيها لفاطمة وقريناتها من ذاك العهد، بينها منح المرأة حق الترشح والتصويت في الانتخابات العامة، فضلاً عن حقها في العمل والأجر المتساوي مع الرجل، إلى جانب مكاسب أخرى كانت عصية على النساء في مجتمع محافظ ينظر للمرأة نظرة دونية وكتابع للرجل.

وأسست فاطمة في سن مبكرة مع قريناتها، في أربعينيات القرن الفائت رابطة المرأة الثقافية، وقادت أول إضراب نسائي ناجح بالمدرسة الثانوية، حيث أجبرت إدارة المدرسة على التراجع عن قرارات بحذف بعض المواد العلمية، وإبدالها بمواد تتصل بالطبخ والتدبير المنزلي.

وأسهمت في تكوين "هيئة نساء السودان" لمناهضة الحكم العسكري في 1962، وحصلت على مجموعة من الجوائز بينها جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في 1993، ومنحت الدكتوراه الفخرية من جامعة كاليفورنيا عام 1996 لجهودها في قضايا النساء والأطفال، كذلك أطلق اسمها على إحدى قاعات الدراسة بواحدة من الجامعات في بريطانيا.

وخرجت من السودان في أوائل التسعينيات، وظلت معارضة للنظام الحالي في الخرطوم، وعادت للبلاد مع توقيع قوى التجمع (تحالف يضم قوى معارضة) على اتفاق القاهرة، حيث عينت نائباً في البرلمان ضمن مقاعد الحزب الشيوعي، إلى أن غادرت مرة أخرى إلى لندن في رحلة استشفاء، بعد المؤتمر العام للحزب الشيوعي "2009"، والذي مثّل آخر ظهور لها في محفل سياسي.


اعتذار أسرة الراحلة


في سياق متصل، وجهت أسرة الراحلة السودانية اعتذاراً رسمياً إلى النائب الأول للرئيس السوداني، رئيس الوزراء، بكري حسن صالح، وحاكم الخرطوم، عقب هتاف بعض المشاركين ضدهما، وبرأت الأسرة نفسها ووصفت هتافهم ضد نائب الرئيس وحاكم الخرطوم بوصمة عار ونقطة سوداء في سيرة الراحلة فاطمة أحمد إبراهيم، والتي قالت إنها سيرة أضاءت سماء السودان والحزب الشيوعي.

وقال بيان بتوقيع عميد أسرة الفقيدة فاطمة، وعرف نفسه "باللواء ركن الفاتح محمد عبدالعال"، إن أسرة الفقيدة رحبت بقرارات الرئيس السوداني عمر البشير فيما يلي التكفل بإحضار جثمانها من لندن، وتشييعها بشكل رسمي باعتبارها رمزاً وطنياً، وأشار إلى أن الأسرة فتحت قنوات اتصال مع كافة الجهات المعنية برئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في ولاية الخرطوم،  ومحلية أم درمان، ولفت البيان إلى تقديم تلك الجهات كل الدعم منذ وصول الجثمان إلى الخرطوم وحتى مواراته الثرى، من دون تحديد نوعية الدعم.