إسرائيل تنتقم من المقدسيين: مصادرات واعتقالات واقتحامات وهدم منازل

16 اغسطس 2017
مبنى لفلسطينيين هدمه الاحتلال بحي العيسوية المقدسي(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
ما توقعه المقدسيون من إجراءات انتقامية للاحتلال ضدهم بعد هبة الأقصى الأخيرة، والتي قدموا خلالها أربعة شهداء وعشرات الجرحى، وأكثر من 450 معتقلاً، بدت ملامحه تظهر تدريجياً منذ مطلع الأسبوع الحالي. فعلى صعيد اقتحامات المسجد الأقصى، سجل ارتفاع غير مسبوق في أعداد المستوطنين المقتحمين للمسجد، إذ بلغت أعدادهم منذ مطلع شهر أغسطس/آب وحتى الآن، قرابة 4000 مستوطن، في حين قدرت جمعيات يهودية متطرفة ومنها جمعية ما يسمى بـ"الهيكل" أعداد المقتحمين منذ مطلع عام 2017 وحتى بداية أغسطس، بنحو 20 ألف شخص، وهو عدد غير مسبوق من المقتحمين منذ عام 1967.

ويقول مدير المسجد الأقصى، الشيخ عمر الكسواني، وهو أحد أشهر رجال الدين الذين تصدروا الحراك الشبابي والديني في هبة الأقصى، إن هذا التصعيد الإسرائيلي كان متوقعاً، سواء بأعداد المقتحمين أو بممارسات جنود الاحتلال ضد حراس الأقصى وموظفي الأوقاف، الذين صدرت بحق العديد منهم أوامر إبعاد عن البلدة القديمة والأقصى. ويضيف أن بعضهم تعرّض للاعتداء الجسدي، وتم منعهم من متابعة ومراقبة اقتحامات المستوطنين لباحاته. ويشير في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن إدارة المسجد "ترصد وتتبع هذا التصعيد الاحتلالي"، وأن موقفها "ثابت من رفض ومقاومة أية إجراءات تمس بمكانة المسجد". ويقول "سنبقى مدافعين عنه".

وكان أخطر تطور في موضوع الأقصى، محاولة عضو الكنيست المتطرف، يهودا غليك، نقل المعركة حول الاقتحامات إلى ساحة الغزالي الملاصقة لمنطقة باب الأسباط. وكان غليك نجا أخيراً، من محاولة اغتيال نفذها ناشط مقدسي وانتهت إلى قتله. ونقل غليك، بحماية شرطة الاحتلال الخاصة، من مكتبه إلى باب الأسباط، في خطوة وصفها بـ"الاحتجاجية" على منع نواب ووزراء إسرائيليين من اقتحام الأقصى، وهي خطوة قوبلت بالتنديد من قبل إدارة الأوقاف الإسلامية التي رأت فيها تصعيداً جديداً وخطيراً، قد يعيد المواجهة مجدداً إلى محيط الأقصى. وهذا ما يحذر منه أيضاً القيادي في حركة فتح، حاتم عبدالقادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، حين قال: "سنتصدى لغليك وأمثاله من المتطرفين اليهود، ولن نسمح بأن يدنس المسجد الأقصى من قبله ثانيةً"، وفق تعبيره.


حملة واسعة من الاعتقالات
أما الوجه الآخر للتصعيد الاحتلالي المرتبط بهبة الأقصى، فيتمثل في حملة الاعتقالات الواسعة التي نفذت منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، وحتى منتصف الشهر الحالي. وتشير معطيات "لجنة أهالي الأسرى المقدسيين" و"نادي الأسير الفلسطيني في القدس"، إلى عدد كبير من الاعتقالات غير المسبوقة في صفوف الناشطين المقدسيين، عدا الاستدعاءات اليومية لفتية وأطفال قاصرين والتحقيق معهم بتهم تتراوح ما بين رجم الحجارة، وشتم المستوطنين، كما حدث مع الطفل قصي الرجبي (عمره 7 سنوات) من بلدة سلوان جنوب الأقصى، وتقديم لائحة اتهام لطفل آخر في الخامسة عشرة من عمره، ومن نفس العائلة.

ويعتبر مدير "نادي الأسير في القدس"، ناصر قوس، أن حملة الاعتقالات طاولت حتى يوم أمس الثلاثاء، أكثر من 450 من الشبان والفتية، وهذا عدد كبير من الاعتقالات يسجل في غضون شهر واحد، أو أقل من ذلك، وفق تأكيده. ويضيف أن هذه الاعتقالات لم تخل من ممارسة العنف والاعتداء الوحشي وتحطيم محتويات المنازل، واقتحام المؤسسات الصحية كما حدث مع مستشفى "المقاصد" واعتقال الجرحى منه. ويتابع أنه "لم تكن هذه الاعتقالات مفاجئة بالنسبة لنا، وهي تتم بصورة يومية ودونما توقف، اعتقاداً منهم أن الاعتقال والتنكيل بالمعتقلين سينهي مقاومة احتلالهم وإجراءاتهم التهويدية، وهذا لن يكون طالما هناك احتلال"، بحسب قوله.

ولأن الحراك الشبابي تم بمشاركة فتية وأطفال، وكثير منهم لم يخض تجربة الاعتقال سابقاً، فقد تعمّد الاحتلال الإسرائيلي الانتقام من هؤلاء الأطفال والفتية القاصرين من خلال اعتقالهم وترهيبهم، بل وتعريضهم للضرب العنيف، وإطلاق الرصاص المطاطي على عيونهم، إذ فقد بعضهم عينه جراء ذلك، من بينهم محمد أبوتايه من سلوان، وطارق العيساوي من العيسوية، إضافة إلى طفل ثالث من بلدة حزما.

ويقول عضو "لجنة أهالي الأسرى المقدسيين"، أمجد أبو عصب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الاستهداف الاحتلالي لأطفالنا ليس جديداً، وقد لاحظنا ورصدنا جرائم بحق هؤلاء الأطفال خلال هبة الأقصى سواء عبر الاعتقالات الواسعة التي طاولتهم، وتجاوزت نسبة المعتقلين الـ15 بالمائة من مجموع من اعتقلوا خلال هبة الأقصى الأخيرة والبالغ عددهم نحو 450 معتقلاً، مما يشير إلى سياسة رسمية لا تراعي حقوق الإنسان، وحقوق الطفل، بل تنتهكها على نحو فظ"، وفق تعبيره. وأبدى استهجانه لبعض التهم التي توجه لأطفال صغار، كما حدث مع الطفل قصي الرجبي من سلوان، إذ استدعي مع والده وتم استجوابه بتهمة شتم مستوطنة متطرفة، وهي تهمة لم تسجل في السابق، على الرغم من أن أطفال المستوطنين ومعهم آباؤهم لا ينفكون عن شتم العرب والتحريض عليهم، ونعتهم بأقذع الألفاظ، بل هم يتجاوزون ذلك إلى شتم المقدسات الإسلامية، وفق قوله.

اقتحام بيوت الشهداء ومصادرة ممتلكاتهم
بيد أن التطور الجديد المتصل بحملات الدهم والاعتقال، هو اقتحام منازل أسر الشهداء المقدسيين، ومصادرة ممتلكاتهم وأموالهم، بدعوى أنها مرسلة إليهم من قبل حركة حماس. وفي ليل الإثنين-الثلاثاء، تم اقتحام منازل 7 من الشهداء المقدسيين من أحياء عدة في المدينة المحتلة، ومنها أحياء رأس العامود وبيت حنينا والعيسوية ووادي الجوز، حيث تمت مصادرة ممتلكاتهم. ووفقاً لبيان لشرطة الاحتلال، فقد قامت قوات إسرائيلية معززة بما يسمى جهاز الأمن العام "الشاباك"، بحملة مداهمة واسعة طاولت منازل عائلات شهداء، تم تمويلها ودعمها مادياً من قبل حركة حماس.

هدم المنازل والاستيلاء على العقارات
في سياق متصل، صعّد الاحتلال من سياسة هدم المنازل والاستيلاء على العقارات في القدس، كما حدث منذ منتصف يوليو/تموز الماضي، وحتى صباح أمس الثلاثاء. وهدمت بلدية الاحتلال بناية من طابقين يشتملان على شقق سكنية ومحلات تجارية، وجرفت منشآت وأراضيّ زراعية في بلدة العيسوية، كما هدمت منزلاً آخر في بلدة سلوان تعود للصحافي محمد الفاتح، إضافةً إلى أكثر من 35 إخطار هدم سلمت على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، وتحديداً منذ مطلع الشهر الحالي.

ويقول مدير "مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية"، زياد الحموري، إن سياسة الهدم اليومية التي تمارسها بلدية الاحتلال تتصل بصورة أساسية في الصراع الديموغرافي المتواصل في القدس، حيث تسعى سلطات الاحتلال إلى تقليص الوجود المقدسي إلى نحو 12 بالمائة فقط، سواء من خلال عمليات الهدم، أو عزل أحياء وبلدات بأكملها خارج جدار الفصل العنصري، والتي يقطنها أكثر من 125 ألف شخص، علماً أن أعداد المقدسيين سجلت خلال السنوات الماضية ارتفاعاً وصل إلى نحو 350 ألف شخص، أي ما نسبته نحو 40 بالمائة من أعداد السكان في مدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي.

ويتوقع الحموري مزيداً من عمليات الهدم في القدس والاستيلاء على العقارات، كما هو الحال بالنسبة لعائلة المواطن أيوب شماسنة من حي الشيخ جراح، بل إن هناك عدداً كبيراً من العقارات مهددة بالاستيلاء، في سلوان والبلدة القديمة، وأحياء أخرى تتاخم البلدة القديمة، وفق تأكيده.

المساهمون