الفئات المهمشة محور جلسة دراسية في البرلمان التونسي

04 يوليو 2017
فئات مهمشة في المجتمع التونسي(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال التباعد الكبير بين الجهات في تونس معضلة كبرى، لم يتم التوصل بعد إلى مقاربة لطرحها وإيجاد حلول عملية لها. ويعد مفهوم التمييز الإيجابي لفائدة الجهات المهمشة في تونس المنصص عليه في الدستور، من بين أكثر المفاهيم التي تتطلب توضيحاً ودرساً من قبل السلطتين التشريعية والتنفيذية، وذلك في إطار إقرار منظومة تشريعية تترجم هذا المبدأ على أرض الواقع، وتطبيقها في سياسات الدولة.

وفي هذا السياق، نظم البرلمان التونسي يوماً دراسياً جمع كافة المتداخلين في ترسيخ التمييز الإيجابي من أجل وضع الخطوط العريضة للمنظومة التشريعية من جهة وبيان انعكاساته في القضاء على ظواهر عدّة على غرار النعرات الجهوية والاختلال التنموي والاقتصادي.

واعتبر المشاركون من نواب ومجتمع مدني أن الآفات العديدة التي نخرت المجتمع التونسي وأقضت بناءه المتماسك، تعود أساساً لتمييز سلبي لصالح جهات على حساب أخرى، لتنقسم البلاد إلى جهات محظوظة لها موفور النصيب من تنمية وخدمات، وتحقق نسباً عالية من النمو وتنخفض فيها البطالة والأمراض والانقطاع عن التعليم، فيما تحرم مناطق أخرى من أبسط مقومات المواطنة وتكاد تكون الدولة في حل من أي التزام تجاهها باستثناء جمع الضرائب.

وذكر النواب أن عدداً من مناطق البلاد، لا سيما في الشريط الحدودي مع الجزائر، وعلى امتداد أكثر من سبع محافظات لم تنل نصيبها من التنمية منذ حقبة الاستعمار، وانحصرت وظيفتها في تزويد المناطق الساحلية بالمواد الغذائية والمياه واليد العاملة، فيما لم تنصفها دولة الاستقلال ولا ما تلتها من حكومات اتخذت ذات النهج في التعامل معها.

وأكد رئيس البرلمان محمد الناصر في مداخلته أن الفصل 12 من الدستور ألزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة والتوازن بين الجهات، وأن تطبيق هذا المبدأ يحتم تحديد مضمون هذا التمييز الإيجابي وتجاوز الصعوبات التي تطرحها مسألة فهم واحتساب مؤشرات التنمية، فضلاً عن أن ذلك يجب أن يراعي خصوصية كل جهة ولا يمكن أن تطرح خارج الأهداف الإصلاحية الكبرى وخاصة المتعلّقة بالتشغيل ودفع الاستثمار قصد تحقيق التوازن الجهوي.

وشدّد الناصر على أن اعتماد مبدأ التمييز الإيجابي كخيار تعديلي للاختلالات النّاجمة عن التجارب التنموية السابقة، يعد خطوة ثورية تهدف إلى تحقيق العدالة، وهو ما يقتضي اعتماد مفهوم توافقي لمبدأ التمييز الإيجابي حتى يكون عاملاً لتعزيز الوحدة الوطنية، مضيفاً أن تحقيق التنمية الجهوية مسألة وطنية، تستوجب ترسيخها في الوعي الوطني.

وانتقد نواب المعارضة ما وصفوه بالتناقض بين تصريحات نواب الائتلاف الحاكم ووزرائه في ما يتعلق بالتمييز الإيجابي واختزاله في شعارات سياسية، بينما يعكس المخطط الخماسي والمنوال التنموي رؤية أخرى.

ووصف النائب عن الجبهة الشعبية أيمن العلوي هذا النقاش، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بـ"الخلاف الفكري والسياسي والاقتصادي العميق، عرّته زيارات لجنة التنمية الجهوية الكرنافالية إلى الجهات، والتي بدت بدورها أشبه بحصص تعذيب نفسي جراء التعبير عن مشاكل الجهات بطريقة تقليدية، وحتى الجلسة العامة التي عقدت لمعالجة مشاكل الجهات لم يحضرها رئيس الحكومة"، مبرزاً أن الدستور نص على التمييز الإيجابي من منطلق اعتراف أخلاقي بتضحيات شهداء الثورة من الجهات المحرومة الذين خرجوا احتجاجاً على الظلم.

ووفق المتحدث ذاته، فإن هذا المبدأ يحجب الطرح الحقيقي للمسألة وهو بناء الاقتصاد الوطني بما يدعم القطاعات التي تتميز بها كل جهة، بما يراهن على الفلاحة كقطاع استراتيجي في الشريط الحدودي الغربي، والبنوك والطاقات الاستثمارية هناك والسياحة بنمط جديد بما يحفظ خصوصية كل جهة.

من جانبه، أكّد وزير التنمية والاستثمار، فاضل عبد الكافي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تطور المؤشرات منذ عام 2014 يكشف أن سياسات الدولة اتجهت نحو تركيز التمييز الإيجابي رغم أنها تواجه عوائق من قبيل الإشكاليات العقارية واعتراض الأهالي في بعض الأحيان.

بيد أنه وفي كل الأحوال تسعى الحكومة لتفعيل الاستثمار العمومي في المناطق الأقل حظاً، وتشجيع الاستثمار الخاص فيها، وهي سياسة انطلقت فيها الحكومات الماضية وتواصل حكومة يوسف الشاهد انتهاجها.
المساهمون