ارتفاع شعبية الشاهد: تمهيد لمستقبل سياسي أكبر أم لاستبعاده؟

25 يوليو 2017
الشاهد: الحرب على الفساد طويلة المدى (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

في الجلسة البرلمانية التي خصصت لخطة الحكومة التونسية لمحاربة الفساد، خرج النائب اليساري، عمار عمروسيّة، ليتهم رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، بأن حربه على الفساد هي في الواقع تمهيد لانتخابات 2019. ولم يكن عمروسيّة مخطئاً تماماً في هذا الاستنتاج رغم أن اتهامه كان يهدف إلى ضرب مصداقية هذه الحملة التي يقودها الشاهد والتشكيك في نواياها.

لكن يبدو أن للتونسيين رأياً مخالفاً تماماً، إذ قفزت أسهم الشاهد في نسب الرضا عنه إلى درجة لم يتوقعها حتى أكثر المتفائلين بمستقبل هذا الرجل منذ شهرين. وكشفت استطلاعات الرأي لشهر يوليو/ تموز أنه أصبح من أكثر الشخصيات التي يعتبرها التونسيون قادرة على إدارة البلد. ورغم أن الشاهد لا يزال في المرتبة الثالثة، بعد رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، والرئيس السابق، منصف المرزوقي، إلا أن صعوده يعتبر صاروخياً، ومجال تحركه وإمكانية صعوده أكثر متاحة بيسر، على عكس منافسيه الثلاثة، إذا أضفنا إليهما رئيس حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، الذي جاء رابعاً للمرة الأولى.

لكن هذا التنافس، ومع هذه الشخصيات بالذات، قد يشكل العقبة الأكبر أمامه، وقد يدفع إلى التفكير في استبعاده قبل اللحظة الحاسمة، إذا كانت للسبسي والغنوشي نوايا حقيقية في الترشح لانتخابات 2019. ورغم أن الشاهد لم يعلن صراحة عن نيته في الترشح لهذه الانتخابات، وما إذا كانت موجهة إلى قصر الرئاسة في قرطاج أو الحكومة في القصبة، إلا أن الأمر يعتبر تحصيل حاصل، فهو في مقتبل العمر السياسي ويملك معطيات موضوعية تؤهله لأداء دور في الحياة السياسية، بالإضافة إلى مشروعية الطموح لدى أي رجل سياسة. لكن جملة منفلتة، في الجلسة نفسها المخصصة للحرب على الفساد، كشفت بوضوح عن نواياه في هذا الصدد، فقد أشار بوضوح "إلى أن هذه الحرب طويلة المدى ولا تزال في بدايتها، ولا يمكن القضاء على الفساد في بضعة أشهر، وهو ما يعترف به الجميع". وتعهد "بأن يتم في السنوات الخمس المقبلة الارتقاء بمرتبة تونس إلى الثلث الأول من الدول الأقل استشراء للفساد"، وهو ما يوجه رسائل مباشرة إلى التونسيين، الذين استبشروا بحربه على الفساد ورفعوه بسبب ذلك إلى أعلى المراتب، إلى أن هذه الحرب، التي هو قائدها، ستستمر خمس سنوات، وأن نتائجها سترفع تونس إلى مصاف الدول الأقل فساداً في العالم، مع كل ما يعنيه ذلك من انعكاس مباشر على حياتهم.


لكن هذا الطريق لا يبدو معبداً ويسيراً كما قد يظهر، بل هو مليء بالمطبات والعقبات، خصوصاً مع ما بدأ يرشح من معطيات وإشارات هامة من منافسيه المحتملين، وهم كثر بالمناسبة وقائمتهم طويلة جداً، إذ إن الكل يتمنى أن تعصف رياح الأزمات والخلافات بهذا المنافس الذي بدأ يظهر نوعاً من العناد والإصرار على لعب دور في المستقبل. وإذا تم استبعاد زعيم "حزب مشروع تونس" الصاعد، محسن مرزوق، ورئيس الحكومة الأسبق، مهدي جمعة، وزعيم "حزب آفاق تونس"، ياسين إبراهيم، وغيرهم كثر، وإذا تم حصر الكلام بالثلاثة الأوائل في السباق، السبسي والمرزوقي والغنوشي، فإن حظوظ الشاهد تبدو موضوعية من زاوية المعطيات المجرّدة، لكنها تكاد تكون معدومة سياسياً، وتقود إلى الاعتقاد بأن معجزة فقط ستبقي عليه في السباق. وينبغي أيضاً استبعاد الرئيس السابق منصف المرزوقي من هذه القائمة، لأن المرزوقي يتحرك في فضاء سياسي وشعبي مختلف تماماً عن كل البقية، ويطرح خطاباً مغايراً بالمرة ويتوجه إلى جمهور لا يعوّل عليه كل منافسيه، وهو ما ينجح في إبقائه في قلب المنافسة حتى الآن، برغم ابتعاده إعلامياً منذ فترة عن الساحة السياسية.

لكن مصاعب الشاهد قد تتأتى من داخل فريقه السياسي، وأهم داعميه، السبسي و"النداء"، والغنوشي و"النهضة"، وسيحتاج بالضرورة إلى دعم الإثنين في الوقت ذاته، وهو ما يبدو غير مضمون بالمرة، إذ بدأت بعض الأصوات الندائية تتحدث عن استعدادها لدعم ترشح جديد للسبسي، إذا ما قرر ذلك، وآخرها تصريح القيادي في "نداء تونس"، خالد شوكات، الذي كان ضمن أربعة قياديين التقوا السبسي في الأيام الأخيرة، ويعتبر من المقربين من نجله حافظ، وأصبح حضوره في "النداء" لافتاً في الفترة الأخيرة. وهو ما يؤكد مرة أخرى أن الشاهد لا يمكنه التعويل كثيراً على حزبه، إلا إذا عاد إلى بيت الطاعة، ما دفع كثيرين إلى الاعتقاد بأن الشاهد قد يبحث عن بيت حزبي جديد وبمواصفات جديدة. وإذا استمرت العلاقة بين الرجل وحزبه على هذا النحو، فإن طريقه إلى رئاسة الحكومة من جديد سيكون صعباً وسيحتاج إلى دوافع أخرى ليسلكه بأمان.

وبرغم أن عدداً من الندائيين يحاولون باستمرار نفي الخلاف بينهما، ويتهمون من يدعي ذلك بأنه يحاول تأزيم الوضع، إلا أن الجميع يعلم أن هذه العلاقة ليست في أحسن أحوالها وأن حسابات كثير من الندائيين أسقطت الشاهد منذ فترة، بسبب ما يسميه بعضهم "عملاً للحساب الخاص". لكن الطريق إلى الرئاسة يمر حتماً عبر "النهضة"، التي يبقى خيارها الاستراتيجي منحصراً بالمشاركة في الحكم وليس قيادته، وليس هناك ما يدعو، في الظاهر، إلى تغيير هذا الخيار، خصوصاً بالنظر إلى المتغيرات الإقليمية التي قد لا تساعد على ذلك، برغم أن بعض الأصوات الخافتة تدعو إلى ترشيح الغنوشي للرئاسة ولا ترى عيباً أو ضرراً في ذلك، وقد يفتح صعود الغنوشي إلى المرتبة الرابعة شهيتها إلى ذلك، فيما تدعو أخرى إلى التفكير في ترشيح شخصية أخرى من داخل الحزب، وهو أمر مستبعد للغاية في الوقت الراهن. ويبقى الخيار الأمثل الذي أثبت جدواه، هو دعم شخصية من خارج الحزب، كما حصل بالضبط مع السبسي، وهو ما تفكر فيه كل الشخصيات المرشحة التي ستختار بين مهاجمة "النهضة" والتمايز عنها، أو مهادنتها والاقتراب منها. ومع اقتراب 2019 ستنكشف كل الخيارات، إذ إن المخزون الانتخابي النهضوي سيشكل الفرق الحاسم في الانتخابات الرئاسية.