مجلس الشيوخ الفرنسي يتبنى قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل

19 يوليو 2017
وافق مجلس الشيوخ على تعديلات أدخلتها "لجنة القوانين" (Getty)
+ الخط -
أقرّت أغلبية نواب مجلس الشيوخ الفرنسي، ليل الثلاثاء – الأربعاء، مشروع قانون مكافحة الإرهاب المثير للجدل، والذي يريد منه الرئيس الفرنسي الجديد إيمانويل ماكرون، أن يحل في 1 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل محل حالة الطوارئ.

وتعرف فرنسا حالة الطوارئ منذ خمس سنوات، عبر تأييد بعض الإجراءات الاستثنائية، والذي برّره وزير الداخلية، جيرار كولومب، بوجود "تهديد إرهابي مستمر".

وإذ عبر كولومب عن رغبته في الخروج من حالة الطوارئ، إلا أنه رأى أن الأمر ليس ممكناً من دون "اتخاذ إجراءات لمكافحة الإرهاب"، وهي "إجراءات نراها ضرورية". وهو موقف يجد صدى إيجابياً لدى نواب وسياسيي حزب "الجمهوريون"، الذي صرّح أحد نوابهم، فرانسوا-نوويل بوفي، بأن "فرنسا لا يمكنها أن تكون مُفلسةً في مواجهة الإرهاب"، وهو ما يفهم من قوله "نحتاج إلى هذا النص".

وعلى الرغم من أن حركة "الجمهورية إلى الأمام"، لا تتوفر على نواب لها، إذ أن الانتخابات الجزئية في هذا المجلس، لتجديد نصف الأعضاء (170 من 348)، لن تبدأ إلا في الرابع والعشرين من شهر سبتمبر/أيلول المقبل، فإن مشروع القانون تم التصويت عليه بشكل واسع.

وصوّت لصالح مشروع القانون كل نواب اليمين (الجمهوريون) ونواب التجمع الديمقراطي والاجتماعي الأوروبي ومن انضم إلى حركة ماكرون، أي مجموع 229 نائباً، فيما عارضه 106 نواب يمثلون الحزب الاشتراكي والشيوعي، وما تبقى من المجموعة الإيكولوجية.

وحرص مجلس الشيوخ على الموافقة على بعض التعديلات التي أدخلتها "لجنة القوانين" على مشروع القانون المقترح، خصوصاً فيما يتعلق بالدفاع عن الحريات الفردية.

ومن بين التعديلات التي أقرها مجلس الشيوخ على مشروع قانون مكافحة الإرهاب وضع تحديد زمني، وهو 31 ديسمبر/كانون الأول 2021، لتطبيق الترتيبات التي تتيح اتخاذ تدابير فردية للمراقبة الإدارية والقيام بزيارات منزلية ومصادرة، كما تقترحه اللجنة، لأن مشروع القانون الأولي لا يحدد أي تاريخ.

كما أنّ مشروع هذا القانون، كما صادق عليه مجلس الشيوخ، يقترح تقييماً سنوياً لمعرفة فائدة هذه الإجراءات. كما أُدرِج فيه استخدام نطاق الحماية من حول المواقع المهددة باعتداءات إرهابية.

وفي بادرة تجاه معارضي القانون، الذين يخشون انتهاكه للحريات الفردية، قاموا بتعزيز الضمانات المتعلقة بالحياة الخاصة والمهنية والعائلية للأشخاص الخاضعين للمُراقبة.

كما يلاحظ في طبيعة القانون، الذي وافَق عليه مجلس الشيوخ، خلق نظام دائم لتتبع معلومات ومعطيات ملفات المسافرين الجويين. كما يسمح القانون بخلق معالجة تلقائية جديدة للمعطيات ذات الطابع الشخصي فيما يتعلق بمسافري البحار.

ولا يستثني القانون الجديد، الذي صادق عليه مجلس الشيوخ، المسافرين في الميترو والقطارات، حيث سيكون مسموحاً لموظفي هذين القطاعَين بإرسال صُوَر المسافرين في زمن حقيقي (حين تكون سلامتهم مهدَّدةً)، وهو ما سيسمح، بصفة قانونية، بمراقبة الاتصالات الهرتزية.

احتجاج ومعارضة

ولكن مشروع هذا القانون، لا يثير، فقط، قلق النواب اليساريين الذين صوتوا ضده، بل إن العديد من المنظمات الحقوقية عبّرت عن انتقادها بل وإدانتها لكثير من بنوده، باعتبارها تحدّ من حرية المواطن في بلد حقوق الإنسان والمواطن.

ولا يمكن استحضار كل المنظمات والجمعيات الرافضة، ويمكن الاكتفاء بأهمها وأكثرها مصداقية، كمنظمة العفو الدولية (فرنسا) ورابطة حقوق الإنسان ونقابة القضاة، دون إغفال شخصيات لها وزن كبير في ميدان القضاء والحريات، كالقاضية ميراي ديلماس-مارتي والمفوض الأوروبي لحقوق الإنسان نيل مْويزنيك، وأيضاً، الوزير السابق و"المدافع عن الحقوق"، جاك توبون، الذي لم يتردد في وصف مشروع القانون الجديد، في تصريح صحافي، بأنه "قُرص مسموم".

كما رأى النائب، جاك بيغو، عن الحزب الاشتراكي أن القانون الجديد يقترح "وضعية يتم الاحتفاظ فيها بقانون استثنائي، رغم أننا لا نوجد في حالة استثنائية. الأمر ليست له مصداقية".

ومن بين أشد المنتقدين للقانون الجديد، النائبة في مجلس الشيوخ عن الإيكولوجيين، إيستر بنباسّا، حين قالت: "المجتمع الذي يُقتَرَح علينا بناؤه، مع هذا القانون الجديد، هو ليس حتى شركة ناشئة، ولكنه مجتمع الشبهة الدائمة، وهو متروك بين أيدي سلطات إدارية، حيث إن والي الأمن ووزير الداخلية يمكنهما أن يحُلاّ، من الآن فصاعداً، محلَّ القضاة".

وعلى الرغم من أن فرنسا لم تشهد تظاهرات كبيرة لإدانة مشروع قانون مكافحة الإرهاب الجديد، إلا أن الحركات الرافضة له لم تخفّ ولم تفتر، منذ أن ظهر خبر هذا القانون.

وقد سُمعت أصوات عشرات من المحتجين، حضرت تلبية لنداء جمعيات حقوقية وإنسانية من بينها "دال" و"مْراب" "القانون إلى الأمام" والاتحاد النقابي المتضامن، بالقرب من مجلس الشيوخ، وهي تصرخ: "دولة طوارئ، دولة بوليسية! لن نتخلى أبداً عن حرياتنا".     

ومن المؤكد أن هذا القانون سيجد طريقه إلى التطبيق، بعد التصويت القادم عليه في الجمعية الوطنية، سواء احْتُفظ فيه ببعض التعديلات التي أدخلها مجلس الشيوخ عليه، والتي لا تمس جوهره، أم تم التخلص منها، لأن الرئيس الفرنسي، يمتلك في الجمعية الوطنية أغلبية مطلقة وطيّعة.    

 

المساهمون