العاشر من رمضان... انتصار يقاوم التطبيع والنسيان

05 يونيو 2017
من احتفالات حرب أكتوبر في مصر (الأناضول)
+ الخط -

بدأت ذكريات النصر الذي حققه الجيش المصري في مثل هذا اليوم، في العاشر من رمضان، الموافق السادس من أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، تخفت تدريجياً في الذاكرة العسكرية المصرية، بالتزامن مع التقارب الشديد بين الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقيادات الاحتلال الإسرائيلي.

في هذا السياق، كشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أن "القوات المسلحة ألغت هذا العام فعاليات اعتادت على تنظيمها في ذكرى العاشر من رمضان، كانت تتمثل في تنظيم ندوات ولقاءات صحفية مع أبطال وقادة حرب أكتوبر، من خلال إدارة الشؤون المعنوية بالتنسيق مع المراسلين العسكريين على أن تنشر على صفحات الصحف، وشاشات التلفزيون يوم ذكرى النصر، إلا أن الشؤون المعنوية التابعة للقوات المسلحة لم تفعل ذلك هذا العام". وأضافت أنه "ربما ستكتفي القوات المسلحة بتنظيم ندوة مساء اليوم الاثنين يحضرها الرئيس السيسي للاحتفال بتلك المناسبة".

من جهته، فسّر قائد عسكري سابق، وهو أحد أبطال حرب العاشر من رمضان، عدم الاهتمام بتلك الذكرى داخل القوات المسلحة بأنه "نتيجة لأن كل القادة العسكريين الموجودين في السلطة بمصر الآن، لم يشاركوا أصلاً في حرب التحرير، وعلى رأسهم السيسي نفسه ووزير دفاعه الفريق أول صدقي صبحي".

وأضاف العسكري السابق في حديثٍ لـ"العربي الجديد" :"للأسف روح أكتوبر ضاعت واختفت على يد قادة لم يعرفوا يوماً معنى الحرب والبطولة والتضحية، وكل همهم هو الحفاظ على السلطة حتى لو ضحوا في سبيل ذلك بالعقيدة الأصلية للقوات المسلحة، وهي الذود عن أرض الوطن ضد أعداء الخارج، ومحاولة استبدالها بعقيدة أخرى فاسدة وهي التوسع في الأعمال التجارية من جهة، وإحلال القوات المسلحة محل الشرطة المدنية وممارسة دورها في ضبط الأمن الداخلي".

ورأى أن "توريط القوات المسلحة في حرب داخل الوطن مهما كانت أهدافها شريفة، يعتبر جريمة كبرى في حقها، إذ سينسيها ذلك عقيدتها الأساسية وعدوها الأول (إسرائيل) وسينهكها في حرب داخلية تحت مسمى الحرب على الإرهاب".

وتابع القائد العسكري السابق الذي حارب وعبر ضمن قوات المشاة إلى الضفة الشرقية لقناة السويس واقتحم الساتر الترابي "خط بارليف"، قائلاً إن "محاولات تهميش بطولات الجنود والضباط في حرب العاشر من رمضان وتضييع الانتصار العسكري العظيم، بدأت في أثناء الحرب نفسها واستمرت حتى يومنا هذا، بسبب مصالح فئات معينة ونتيجة لأداء سياسي خاطئ، فمرة لُخّصت بطولاتها وتضحياتها في السادات (بطل الحرب والسلام)، ومرة أخرى لخّصها خَلَفُه في (صاحب الضربة الجوية)".



بدوره، اعتبر الكاتب ياسر ثابت في كتابه "صناعة الطاغية: سقوط النخب وبذور الاستبداد"، أنه "في مصر، تتعدد روايات الحرب طبقاً لمراكز القوى، فمن في السلطة هو مخططها الأوحد، كما شهدنا في عصر السادات. وبعد أن أصبح قائد القوات الجوية في السلطة أصبح هو الصانع الوحيد لضربة الطيران، وتم تهميش الآخرين، مثل قائد أركان الجيش، وقادة الجيوش البرية والاستخبارات الحربية التي قامت بعملية الخداع الحربي، فالمنتصر لا يحتاج إلى معرفة فيما قصّر؛ يمكن فقط معرفة أسباب انتصاره". وبعيداً عن القادة الذين احتكروا الأضواء لعقود طويلة، تذخر ملفات حرب أكتوبر المجيدة بآلاف من الأبطال المجهولين من قادة كبار ومنهم جنود وضباط صغار.

كان الفريق محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي في أثناء الحرب والملقب بـ"حارس السماء" أحد هؤلاء الأبطال المنسيين. واعتبر مؤرخون عسكريون، أن "فهمي لمن لا يعرفه هو صاحب إسهام كبير، ومميز، في النصر، فبفضله تم قطع ذراع إسرائيل الطويلة، وهي قواتها الجوية التي كانت تحبط أي مجهود حربي على ضفة القناة الغربية على الجانب المصري. فبعد تدمير الطائرات المصرية على الأرض في نكسة يونيو/حزيران 1967، لم يجد الرئيس جمال عبد الناصر حلاً إلا بإنشاء جدار للصواريخ لمنع طيران العدو من ضرب القوات المصرية، فأوكل المهمة للبطل محمد علي فهمي، الأب الحقيقي لقوات الدفاع الجوي المصرية، الذي وفر بقواته مظلة تحمي باقي أسلحة القوات المسلحة من غارات العدو المتواصلة".

ولد محمد علي فهمي في 11 أكتوبر 1920، وعُيّن قائدًا للدفاع الجوي في 23 يونيو 1969، ثم بدأ ملحمة بناء الصواريخ، مع اشتعال المعركة على خط النار. ولم تنقطع الغارات الإسرائيلية، وكان الرجل في حاجة للوقت لسدّ الثغرات الجوية.



مع العلم أن فهمي تلقّى دراسات عسكرية متخصصة في الدفاع الجوي في كالينينغراد بالاتحاد السوفييتي. ثم عمل مدرساً لكبار الضباط ثم قائداً للفرقة الثانية المضادة للطائرات عام 1958، وبعدها عمل في سلاح المدفعية، حتى 1966. وقرر بدء معركته باكراً، فوسط ظروف عصيبة وتحت قصف متواصل من الطيران الإسرائيلي، كان الأبطال من العمال يبنون جدران الصواريخ وقواعدها الإسمنتية، حتى أنشأت مصر مظلة آمنة لقواتها، فأسقطت أول طائرة استطلاع ضخمة للعدو، الذي رد بإرسال طائرة "فانتوم" أميركية تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. ثم بدأ فهمي ورجاله المواجهة بصواريخ "سام" المضادة للطائرات، وأجبروا العدو على الفرار من جحيم الدفاع الجوي، فيما عُرف إعلامياً بعدها بأسبوع بـ"تساقط الفانتوم".

نصب فهمي ورجاله منصات الصواريخ الثابتة والمتحركة، وأسقطوا 303 طائرات إسرائيلية، وأجبروا الجنرال بنيامين بليد، قائد الطيران الإسرائيلي، على إصدار أوامر لطياريه بعدم الاقتراب لمسافة 15 كيلومتراً من القناة لأن "الموت حتمي هناك"، حسبما كتب بعدها في تقريره للجنة "أغرانات" التي حققت في هزيمة إسرائيل. وبعد الحرب، صدر قرار بتحويل الدفاع الجوي إلى "سلاح رئيسي"، ليصبح "القوة الرابعة" في القوات المسلحة، بعد القوات البرية والبحرية والجوية، ولم تمر سوى سنوات قليلة، حتى عُيّن فهمي مستشاراً عسكرياً للسادات، ثم خرج من الخدمة، وتوفى في العاصمة البريطانية لندن في 12 ديسمبر/كانون الأول 1999.
نموذج آخر من فصيلة الأبطال العظماء، لكنه لم يكن قائداً ولا حتى ضابطا وهو الجندي المصري البطل سعد شحاتة، أحد أبطال الفرقة 16 مشاة وأحد صائدي الدبابات. تعرّض شحاتة للأسر واحتجز لدى الاحتلال الإسرائيلي في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973.

عندما دقت الساعة الثانية ظهراً كان البطل ضمن مجموعته يتوجه إلى داخل سيناء بعمق 15 كيلومتراً، وبكى في اللحظة التي رفع فيها العلم المصري على خط "بارليف". وقام مع مجموعته بتدمير 22 دبابة إسرائيلية وأسر الكثير من جنود جيش العدو. أُصيب سعد شحاتة بأربع طلقات في أنحاء جسمه ومكث يومين فاقداً للوعي إلى أن التقطته مجموعة تابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وساقته إلى سجونها حوالي 6 أشهر ونصف إلى أن تمت إعادته للقاهرة مرة أخرى.