اليمين الألماني الشعبوي... انهيار مبكر

26 يونيو 2017
تواجه زعيمة الحزب فراوكه بيتري اعتراضات داخلية(ساشا شومان/Getty)
+ الخط -
يزداد القلق لدى أعضاء الحزب اليميني الشعبوي المتطرف، "البديل من أجل ألمانيا"، وقبل ثلاثة أشهر من الانتخابات العامة، من احتمال عدم تمكنه من تجاوز عتبة الخمسة بالمائة لدخول البرلمان الاتحادي. وتجسد هذا الخوف عبر استطلاعات الرأي التي نشرت أخيراً، وبينت التراجع الملحوظ في عدد المؤيدين للحزب على الصعيد الوطني.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن نسبة الأصوات التي سيحصل عليها هذا الحزب تراجعت إلى 6.5 بالمائة، بعدما كانت خلال إبريل/ نيسان الماضي، قد وصلت في بعض الولايات إلى 20 بالمائة. ويخشى الحزب من أن تتقلص الأرقام أكثر حتى 24 سبتمبر/ أيلول 2017، تاريخ إجراء الانتخابات، بعدما كان الحزب يتوقع دخوله بقوة إلى المجلس التشريعي وتشكيل قوة معارضة بوجه الأحزاب التقليدية.

وعن أسباب تراجع حضور "البديل"، يرى خبراء في الشؤون السياسية الألمانية أن تقلّص احتمال وصول الحزب اليميني إلى البرلمان الاتحادي يرتبط بالتراجع الدراماتيكي الذي شهدته مظاهر التأييد له في الولايات الشرقية من البلاد، وهي مراكز ثقل اليمين، وتعتبر بمثابة خزان انتخابي مهم للأحزاب اليمينية المتطرفة والشعبوية. وكان "البديل" حصل خلال الانتخابات الإقليمية السابقة على عدد كبير من الأصوات، جعلته يفوز بمقاعد في برلمانات عدة ولايات بشرق ألمانيا. لكن في الآونة الأخيرة، بدأت قيادات حزب "البديل" تفقد صدقيتها أمام الرأي العام، ما يعزز الخشية لديها من الوقوع في ورطة والحؤول بالتالي دون الدخول إلى البرلمان.

ويشير الخبراء إلى أن الحديث يدور الآن حول فقدان للأصوات الحاسمة والأمل الضئيل في تعويض ذلك في الولايات الغربية مثل ولاية زارلاند، وهو ما ذكرته صحيفة "دي فيلت" أخيراً حين أشارت إلى أن حزب "البديل" لا يمتلك بعد قائمة وطنية للانتخابات في تلك الولاية، ناهيك عن تراجع نسب المؤيدين أيضاً في ولايتي تورينغن وساكسن-أنهالت لحدود 10 بالمائة. وكذلك الأمر في سكسونيا السفلى، حيث يشهد الحزب فوضى ناجمة عن الانقسام في صفوفه والفضائح المالية والنقص الحاد في الأموال المتبرع بها أو المقدمة لحملته الانتخابية هناك. ويطرح ضعف الإمكانات المالية مفارقة، لأن هناك دراسة نشرت مقتطفات منها صحيفة "دي تسايت"، أخيراً، وتفيد بأن ناخبي "البديل" لديهم قدر كبير من المال ويتمتعون بكفاءات أكاديمية.

وزاد من أزمات حزب "البديل"، تسريب محادثات جرت عبر وسيلة التواصل الاجتماعي "واتساب"، بين أعضاء الحزب وتظهر التشهير بحق البعض من قادته والرفض والكره المتزايد بين الحزبيين لزعيمته، فراوكه بيتري. ويتفاقم التوتر بسبب التباينات الموجودة بين قادة الحزب والخلاف المستجد بين أجنحته، ومنها ما يتمحور حول ما إذا كان ينبغي الدخول في تحالفات مع الأحزاب الأخرى، ورفض بعض القياديين للعلاقة السيئة المكرسة مع الصحافة، لما تسببه من ضرر على مسيرة الحزب.


ويعتبر المراقبون أن "البديل من أجل ألمانيا" يعيش في حال من التخبط والاضطراب بفعل عدم تقديم بديل فعلي يساهم في تعزيز حضوره سياسياً وانتخابياً. وعلى العكس من ذلك، ثابر على ترداد الشعارات نفسها، منها إعلان عدم انسجام الإسلام مع الثقافة الألمانية أو ضرورة طرد اللاجئين، ما أفقده، بحسب المراقبين، بريقه بعدما تكيّف الائتلاف الحاكم مع الوضع، واتخذ جملة خطوات أعادت له شعبيته، مثل إغلاق طريق البلقان والاتفاق الذي حصل العام الماضي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا للحد من وصول وافدين جدد من اللاجئين إلى أوروبا. كذلك، استفاد الائتلاف الحكومي الألماني من تخطي التكتل الأوروبي لبعض من أزماته، وهو ما أكد عليه رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، من بروكسل أخيراً. وقال إن الأوضاع داخل الاتحاد الأوروبي تتطور نحو الأفضل، وهناك مؤشرات كثيرة على ذلك، بينها انخفاض نسب البطالة في عدد من دوله والهزائم المتتالية للمعارضة واليمين الشعبوي المناوئ للاتحاد، إضافةً إلى الاتفاق الأخير بشأن ديون اليونان وحصولها على مزيد من المليارات والمساعدات المالية، وفق قول توسك.

في موازاة ذلك، تصر المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، على ضرورة تعزيز التعاون والتنسيق مع فرنسا برئاسة إيمانويل ماكرون، الذي حصل على أكثرية برلمانية تخوله المضي في إصلاحات داخلية واتخاذ قرارات خارجية، وهذا سيعتبر من شروط التقدم والاستقرار لدول الاتحاد الأوروبي، بحسب اعتقاد أوساط الائتلاف الحاكم بزعامة ميركل في ألمانيا.

وفي السياق، يلفت خبراء في الشؤون الأوروبية إلى الارتياح والتفاؤل الموجود حالياً في أروقة الاتحاد الأوروبي، لا سيما بعدما عبر الناخبون في عدد من الدول الأوروبية عن تضامنهم ودعمهم للاتحاد، وبدء الاقتصادات فيها بتحقيق بعض النمو، فضلاً عن اتفاق القادة الأوروبيين على تعزيز التعاون المشترك في مجال الأمن والدفاع ومكافحة الإرهاب. لكن هؤلاء الخبراء ينظرون إلى الأمور بتفاؤل حذر، خاصةً أن هناك بعض الملفات التي لا تزال عالقة، كالهجرة غير الشرعية وأزمة توزيع حصص اللاجئين والمرونة المطلوبة من بريطانيا في مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي.

ويلفت أساتذة في العلوم السياسية والاقتصادية إلى أن ما كبّد الحزب اليميني المتطرف المزيد من الخسائر، يتمثل أيضاً باستمراره على نهجه الاحتجاجي من دون تقديم أي خطط بديلة عملية وواضحة، مع عدم نيته بالدخول بتحالفات مع الأحزاب الأخرى في كافة أنحاء البلاد.

في المقابل، تسعى الأحزاب الأخرى، وفي مقدمها الحزب "المسيحي الديمقراطي"، لإضفاء بعد وطني على حملتها الانتخابية، وهذا ما تجلى من خلال الملصقات والشعارات الانتخابية التي تم اعتمادها من قبل الحزب وحملت ألوان العلم الألماني بدلاً من اللون البرتقالي التقليدي، المعتمد من قبل الحزب. ويعتبر الكثير من المحللين أن حزب المستشارة ميركل وجّه بذلك رسالة رمزية أراد من خلالها حشر "اليمين الشعبوي" الذي يريد لألمانيا العيش في عزلة.

وكان لافتاً ما كتب على الموقع الإلكتروني لحزب ميركل، وفيه أنه أراد من حملته أن تأخذ بعداً وطنياً مستنيراً ومنفتحاً ومعاصراً. ويأتي هذا في وقت بات من الواضح أن المستشارة لديها فرصة جيدة للفوز بأربع سنوات أخرى في المستشارية بعدما كسبت الرهان في انتخابات ثلاث ولايات جرت أخيراً. لكن انتصارها يبقى مشروطاً بعدم تزايد عدد اللاجئين، وفي استمرار تراجع مستوى التأييد لمرشح الحزب "الاشتراكي الديمقراطي"، مارتن شولتز.