وقد اتخذ النظام السوري قرار إنتاج غاز السارين في بداية ثمانينيات القرن الماضي. وقبل هذا كانت سورية لا تمتلك سوى بعض ذخائر، من غاز الخردل والسارين، والتي تسلمتها من مصر بعد حرب 1973، والتي سبق للجيش المصري أن استخدمها في حرب اليمن ضد القوات الملكية.
لكن الرئيس السوري في ذلك الحين، حافظ الأسد، قرّر الاعتماد على نفسه في تصنيع هذا السلاح، وبمساعدة بلدان لا تهدّد استقلاليته. ولهذا السبب اختار النظام السوري، في سبعينيات القرن الماضي، وبعناية، إرسال باحثين سوريين، حصلوا على شهادات جامعية من ألمانيا، إلى مختبرات جامعية ومراكز أبحاث ألمانية لمتابعة التكوين في مجال المونتاج الصناعي وتركيب غاز الأعصاب. وهو تعاون استمر إلى حدود 1983.
ويجزم أحد العلماء السوريين بأن جميع الباحثين الذين اشتغلوا في بداية المشروع تم تأهيلهم في ألمانيا. ويعترف كثير من العلماء الذين استجوبهم "ميديا بارت" أن شركة شوت (Schott) لصناعة الزجاج هي التي صدّرت الزجاج المستخدم في إنتاج المواد الكيميائية، وهو ما اعترفت به الشركة في سبتمبر/ أيلول 1988، لصحيفة وُول ستريت جورنال، لكنها نفت معرفتها بطبيعة الاستخدام السوري لصادراتها. وهو ما يكذبه أحد العلماء السوريين لموقع ميديا بارت بقوله "لا يمكنهم أن يجهلوا استخدام النظام السوري. فأي عالم في الكيمياء يمكن أن يخمنه".
لكن الشك، في المقابل، لا يزال ممكناً، بحسب "ميديا بارت" في ما يتعلق بتجهيزات المختبرات التي قدمتها شركتا هيروس (Heraeus) وريديل (Riedel)، إذ إن هذه المواد يمكن استخدامها في أي مركز أبحاث أو من قبل أي منتج مواد كيمائية مدنية. وفي ما يخص المواد التي قدمتها شركة ميرك (Merck)، فهي في نظر الخبراء السوريين، "مكونات كيمائية للصنف 3". ويتعلق الأمر بمواد ليست من مكونات السارين، ولكن بإمكانها تصنيعه، أو بإنتاج مواد أخرى غير ضارة. ويمكن لشركة ميرك أن تجهل الاستخدام النهائي لصادراتها، ولكن الاستخبارات الألمانية لم تُبْدِ أي فضول، خلال أكثر من عقدين من الزمن، وهو ما أثار رضى دمشق.
وقد استمر تفضيل المنتجات الألمانية حتى بداية الألفية الثانية. وينقل موقع "ميديا بارت"، بعد استخدام النظام السوري لغاز السارين في الغوطة، والذي تسبب في مقتل 1400 شخص وإصابة 5 آلاف شخص بجروح، اعتراف وزير الاقتصاد الألماني السابق، زيغمار غابرييل (يشغل منصب وزير الخارجية حالياً) بتصدير بلاده مواد كيميائية إلى سورية يمكن أن تدخل في صناعة السارين خلال العشر سنوات الماضية. وهو ما يعني أن المستشار الألماني غيرهارد شرودر (2002-2003) وأنجيلا ميركل (2005-2006) لم يعترضا على تصدير 40 طناً، ثم 87 طناً من هذه المواد الكيميائية إلى نظام دمشق.
وخلال ثلاثين سنة لم يخضع غاز السارين المصنّع في سورية لتطوير كبير عما استورد من ألمانيا، لأنه من الصعب ومن الخطورة إنتاجه.
السارين هو على شكل سائل لَبَنيّ اللون، ولزجٌ قليلاً، لا رائحة له حين يكون صافياً وبرائحة تفاح متقادم حين لا تكون ردة الفعل مكتملة. وهو خطير، تحت شكله السائل. وحين يلمس يقتل. وحين يتم تحويله إلى سحابة غاز من قبل عامل توزيع، مثل شحنة متفجرة، يصبح استنشاقه مميتاً.
وحتى يختبر النظام السوري فعاليته وتقدير الكميات المستخدمة في الأماكن التي تتعرض للغارات وأيضاً درجات الحرارة وقوة الرياح ومتغيرات عملياتية أخرى، شيد "مركز الأبحاث والدراسات العلمية" السوري، في جنوب شرق تدمر، على طول الطريق التي تؤدي إلى الحدود العراقية، أي في قلب الصحراء، مركزاً للإنتاج والتجارب، والذي استخدم فيه المسؤولون كل الوسائل الوحشية. ويعترف أحد العلماء الذين التقى بهم موقع "ميديا بارت" أن هذا المركز كان يضم بناية لا تنفتح نوافذها إلا على الداخل، وكانت تُجرى فيها اختبارات على سجناء يتم إحضارهم من سجن تدمر. وقد دُمّر هذا الموقع سنة 2013، بعد الاتفاق الروسي الأميركي.
ومن مساوئ السارين السوري، في نظر مستخدميه من العسكريين، هو عدم استقراره. وهو ما يعني أنه في المرحلة النهائية لا يمكن الحفاظ عليه سوى بضعة أيام قبل إنتاج الغاز الذي يخلق الضغط داخل المقذوفات، وهو ما يجعل تخزينه محفوفاً بالخطر. وهو ما يستدعي تجهيز كل قاعدة تنطلق منها طائرات حاملة لقنابل السارين بمواقع تخزين المكونات وإعداد المعدات. وهو ما تطلب، أيضاً، من مهندسي مركز الدراسات والبحث العلمي، صناعة قنابل مختلفة عن المعدات الكلاسيكية.
وكتب موقع "ميديا بارت" أنه "حين نعرف أن هذا الغاز قاتل بمقدار بسيط جداً، وأنه يسبب عاهات عصبية مستدامة، فيمكن لنا أن نتخيل القدرة القاتلة لمثل هذه القنبلة في منطقة ذات كثافة سكانية، وأيضا تأثيرها المرعب على السكان المجاورين".
وهو ما يعني، كما يعترف مسؤولو المعارضة السورية المنخرطين في مفاوضات أستانة وجنيف، أن هذا السلاح يؤدي دوراً كبيراً في استراتيجية بشار الأسد في تهجير السكان.
ومنذ ما يقرب من عشر سنوات، بعد أن شيّد النظام في بداية ثمانينيات القرن الماضي أول مركز إنتاج بالقرب من تدمر، أنتج معهد 3000 التابع لمركز الدراسات والبحث العلمي، مئات الأطنان من السارين، تم تخزينها، في ظل مراقبة مستمرة، ليس لأن الغاز يمكن إنتاجه وإطلاقه عن طريق الخطأ، فالأمر مستحيل، وإنما لأنه يتوجب مراقبة مكوّنات باهظة الثمن ونادرة في السوق، وأيضاً لأن المواد يمكن أن يدمرها أو يصيبها الماء أو بخار الماء بالتلف.
لكن في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، ولسبب لا يعرفه من التقى بهم موقع "ميديا بارت"، أصبح من الصعب العثور على بعض مكونات السارين. وهو ما دفع علماء الكيمياء في قسم 3000 بمركز الأبحاث أن يستديروا نحو غاز VX، والذي تم اختراعه في بداية خمسينيات القرن الماضي من قبل باحثين بريطانيين، وهو سلاح أكثر فتكاً من السارين وأكثر استقراراً. واكتشف فيه المسؤولون السوريون ميزة إضافية، وهي إمكانية الحصول على مكوناته من أرمينيا، بثمن مقبول، بعد أن طالَبَ الخبراء الروس بمبالغ مالية عالية نظير تقديم مهاراتهم.
وخلال سنوات عديدة سيقوم موقع تحت الأرض بالقرب من النبك (منطقة سورية إدارية تتبع محافظة ريف دمشق)، بإنتاج VX.
ويتحدث باحث سوري للموقع الفرنسي عن تجربة فاشلة لاختبار VX بسبب انفجار السلاح على علو 400 متر بدل 60 متراً المطلوبة، وهو ما تسبب في إبادة 400 رأس من الغنم.
ويؤكد موقع "ميديا بارت" أن حرب الخليج سنة 1991 ساهمت في وقف مؤقت لتشكيل خزان VX، لأسباب غريبة. إذ يبدو أن حافظ الأسد، على الرغم من مشاركته إلى جانب التحالف الدولي في الحرب على العراق، كان يتخوف من غارات أميركية محتملة على الموقع، فقرر وقف الإنتاج وتفكيك المختبرات.
وبعد سنتين عاد الإنتاج إلى النبك، لكن قسم 3000 في مركز الأبحاث سيتعرض سنة 2011 للتفكيك بعد اعتقال مديره أيمن هبل، والذي كان يطلع وكالة الاستخبارات الأميركية على معلومات، من دون أن تفطن له المخابرات السورية، والذي اتهمته الاستخبارات بالفساد، فكشف، عن طريق الخطأ عن علاقاته الأميركية، فتم إعدامه في 11 أبريل/ نيسان 2012.
ثم قام مركز الدراسات والبحث العلمي، والذي اكتسب تجربة قوية في غاز الأعصاب، باستبدال VX بغاز الخردل، والذي سيتواصل إنتاجه إلى سنة 2007 في مصنع النبك السري. ولم يجد النظام السوري صعوبة في العثور على مكوناته، فكانت تأتي من إيران وباكستان وهولندا.
وإذا كان العسكريون السوريون يرون في السارين مادة تكتيكية إشكالية، بسبب سهولة تبخرها وارتباط فعاليتها بدرجات الحرارة وبسرعة الرياح وبسطح الأرض، فقد اعتبروا غاز الخردل أكثر نفعاً في ساحة المعركة لأنه يسبب لدى العدو جروحاً ومعاناة تسبب الإعاقة.
بداية سنة 2003، قررت سورية التخلي عن برنامج الأسلحة الكيميائية لصالح المفاعل النووي الذي بدأت كوريا الشمالية في بنائه في الكبر، قرب دير الزور. وكان النظام يرى فيه قلب برنامج نووي عسكري بإمكانه أن يقود، في نهايته، إلى إنتاج سلاح نووي. وهو ما دفع إسرائيل، احترازياً، إلى مهاجمته في 6 سبتمبر/ أيلول 2007 وتدميره وقتل عشرة من التقنيين الكوريين الشماليين.
فعاد النظام إلى إطلاق برنامج الأسلحة الكيميائية من جديد، فانطلق مركز إنتاج VX. ليستورد عندها النظام السوري الزجاج من شركة غانغ الهندية، واستطاعت الولايات المتحدة الاستيلاء على حمولة ثانية، سنة 2008، بمساعدة كندا. وفي سنة 2011، حين اندلعت الثورة السورية، كانت مراكز التخزين تحتوي على 1000 طن من الأسلحة الكيميائية.
وفي ترسانة النظام السوري يمكن العثور على قنابل تقليدية تزن ما بين 250 و500 كيلوغرام، مهيأة لنشر أسلحة كيميائية تُلقيها طائرات سوخوي 22 وميغ 23، وأيضاً صواريخ أرض-أرض سكود ما بين 300 إلى 700 كيلومتر، قدمتها كوريا الشمالية أو صنعها النظام، قادرة على حمل 450 كيلوغراماً من السارين أو VX، وحسب أحد الباحثين السابقين في مركز الدراسات والبحث العلمي السوري، فإن الطيران السوري يمتلك قنابل يمكن توجيهها عن بعد.
وإذا كان النظام السوري يؤكد تخلصه من السلاح الكيميائي فإن شكوكاً فرنسية لا تزال قائمة حول امتلاكه كميات منه. وهو ما يؤكده الباحثون السوريون لموقع "ميديا بارت" من أن النظام السوري لا يزال يتوفر على 35 طناً من هذه الغازات.
ويختم موقع ميديا بارت تحقيقه بهذه الخلاصة: "إن الأسد المصمم أكثر من أي وقت مضى على الدفاع عن سلطته ونظامه، يواصل، بوضوح، نفي كامل المسؤولية في استخدام غاز السارين، كما ينفي أي دور له في القصف المتكرر للمستشفيات. إلا أن سؤالاً يطرح نفسه: هل لا يزال يتوجب التساؤل إذا كان هذا المسؤول الذي لم يتردد في قتل 300 ألف من مواطنيه من أجل إنقاذ نظامه، يمكن أن يكون جزءاً من حل الأزمة؟ أم أن ديكتاتوراً سينيكيّاً ومتوحشاً يتعهد صناعةً سريةً للمجازر ويقوم برش شعبه، له مكانه، في طاولة المفاوضات؟".