الحملة على قطر... مطلوب موقف أميركي

10 يونيو 2017
تضارب بين كلام ترامب والخارجية والدفاع (مانديل نغان/فرانس برس)
+ الخط -


الموقف الأميركي من الحملة السعودية الإماراتية على قطر، هو الذي يمكن أن يضع الأمور في نصابها ويحدّد مساراتها، فإمّا أن تتم تهدئة تقود إلى تفاهمات برعاية واشنطن، من أجل سحب فتيل التوتر الحالي، أو ترك التداعيات الحالية تتفاعل من دون ضوابط، لتذهب نحو نهايات غير محسوبة، تقود إلى نتائج كارثية على المنطقة، لن تقلّ أثراً عن الذي تركته عملية اجتياح الرئيس العراقي السابق صدام حسين للكويت، في أغسطس/ آب 1990.

الموقف الأميركي مطلوب اليوم بإلحاح، لعدة أسباب: أولها؛ أنّ واشنطن شريك أساسي لأطراف الأزمة، وهي على معرفة دقيقة بالملفات المطروحة والخاصّة بتمويل "الإرهاب" منذ عقود، وبالتالي لا يمكن للمسألة أن تبقى في ميدان التهمة، طالما أنّ هناك أرشيفات وقوانين في الكونغرس مثل "جاستا"، وقرارات صادرة عن الأمم المتحدة يمكن العودة إليها.

ثانياً؛ أنّ الأزمة نشأت بعد نهاية قمّة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، في 21 مايو/ أيار الماضي، وهي نتيجة مباشرة للتحريض الذي تعرّضت له قطر، وقد اعترف الرئيس الأميركي بذلك بكل صراحة، حينما قال "عندما تحدثت مع زعماء السعودية والإمارات أشاروا إلى قطر".

أما السبب الثالث؛ فهو أنّ عدم وجود موقف أميركي صريح، قد يستغلّه بعض الضالعين في افتعال الأزمة، من أجل دفعها نحو حافة التفجير، لا سيما وأنّ هناك من بين هؤلاء من لا يملكون خبرة في التعاطي مع الأزمات، وهم يتصرّفون منذ البداية من دون أي تقدير للعواقب الكارثية التي يمكن أن تترتّب على فلتان الأزمة من بين أيدي الجميع.

لا يستطيع الموقف الأميركي الواضح أن يتأخر أكثر من ذلك، وحتى يصدق الناس أنّ هناك موقفاً أميركياً جدياً، لا بد أن تعلن واشنطن عن تسمية مندوب مكلّف بمتابعة المسألة، وأن ترسله فوراً إلى المنطقة، وأن تكون لديه خارطة طريق من أجل تفكيك الأزمة، تقوم على أساس الوصول إلى حل من دون غالب أو مغلوب.

حين يرى الناس الولايات المتحدة منخرطة على هذا النحو في معالجة الأزمة، سوف يشعرون أنّ الغيمة السوداء التي تحوم فوق المنطقة تبدأ بمغادرة أجواء الخليج، ولن يكون لها مكان هنا.
ورغم أنّ طرفي الأزمة تحرّكا نحو أوروبا والولايات المتحدة، فإنّ موقف الولايات هو الذي يمكن أن يفرمل التدهور، وإلا فإنّ الطرفين سوف يتموضعان على أساس تحالفات كل منهما الإقليمية والدولية، وهذا سيقود حتماً إلى تدويل القضية، من خلال دخول بلدان مؤثّرة مثل تركيا وإيران وألمانيا وفرنسا، وهذه الدول هي أقرب إلى قطر منها إلى السعودية والإمارات، أو في أسوأ الأحوال هي في موقع الوسيط.


كلّما تلكّأت الولايات المتحدة في تحديد موقفها بوضوح، اختلطت الأوراق وكبرت الهواجس، وصار الخوف من احتمالات غير محسوبة، تكون مستندة على قراءات مغلوطة للموقف الأميركي.

إلى حدّ الآن، لم تقل واشنطن ماذا تريد صراحة، ومن هنا يتمّ تفسير التصريحات الأميركية من زاويتين مختلفتين، تبعاً لمنظور كل طرف، ولكن هذا قد يؤدي، وسط حالة الاختلاط، إلى تفسير التصريحات بطريقة مغلوطة، والبناء على ذلك من أجل تغيير المعادلة الموجودة، وهذا سوف يقود إلى تفجير الموقف، الأمر الذي يستدعي من واشنطن، تشكيل آلية لضبط الخلاف بكافة تفاصيله، كي لا تبقى هناك مادة للشطط ولأمزجة مريضة ومنحرفة.

تركت التصريحات الأميركية، أمس الجمعة، الأبواب مفتوحة نحو شتى الاحتمالات، فهناك من رأى فيها مدخلاً إلى تفكيك الأزمة، والبعض الآخر حسبها بوابة نحو التصعيد، وما سمح لهذا الاختلاط هو التضارب بين كلام الرئيس ترامب، وكلام كل من وزارتي الخارجية والدفاع، اللتين يمكن اعتبار موقفهما أكثر صراحة، وقائماً على تقدير موقف، وليس مبنياً على التحريض.

وختاماً، فإنّ الدعوة إلى تحرّك أميركي سريع، لا تلغي ضرورة استمرار وساطة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، رغم أنّه لا يتم التعامل معها على نحو جدّي، من قبل طرف أبوظبي والرياض.