فصائل سورية عربية تقود المرحلة النهائية من معركة الرقة

21 مايو 2017
غالبية سكان مدينة الرقة غادروها(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
انتهت الجولة السادسة من مفاوضات جنيف السياسية من دون تحقيق أي اختراق سياسي لتتركز الأنظار مجدداً على التطورات العسكرية، خصوصاً مع بدء العد التنازلي للمعركة المنتظرة لاستعادة السيطرة على مدينة الرقة أبرز معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية. معركة من شأنها أن تضع حداً لستاتيكو فرضه التنظيم منذ عام 2014، وستؤسس لواقع جديد في الشمال السوري.
وفي ظل خلافٍ تركي أميركي بشأن القوة التي ستوكل إليها مهمة تحرير الرقة، يبدو أن وزارة الدفاع الأميركية حسمت أمرها في الاعتماد على فصائل سورية عربية لتبديد المخاوف الإقليمية والمحلية من توغل قوات حماية الشعب الكردية في المدينة ذات الغالبية العربية، في وقت تحاول فيه "قوات سورية الديمقراطية" فرض مجلس محلي مرتبط بها لإدارة المدينة بعد انتزاع السيطرة عليها.

ولا تزال الاشتباكات المتقطعة تدور على تخوم مدينة الرقة الشرقية والشمالية، بين مقاتلي "داعش" المتحصنين في المدينة، وبين عناصر "سورية الديمقراطية" وقوات "النخبة" التي تضم مقاتلين عرباً وتتبع لتيار "الغد السوري" برئاسة أحمد الجربا.

ولم تبدأ بعد عمليات اقتحام المدينة بشكل فعلي، ولكن من الواضح أن القوات المهاجمة تحاول ترسيخ أقدامها في محيط الرقة بانتظار ساعة الصفر المتوقعة خلال أيام من أجل القيام بعملية واسعة النطاق غايتها الانقضاض على المدينة التي تعد حصناً بارزاً من حصون تنظيم "داعش" في سورية.

وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن تنظيم "داعش" يقوم بتسوير المدينة بسياج ألغام تحسباً من عملية اقتحام مفاجئ، مشيرةً إلى أن التنظيم قام بإخلاء حي المشلب شرقي المدينة من ساكنيه، وأنه قام بتفخيخ منازل فيه. وأكدت المصادر أن غالبية سكان مدينة الرقة غادروها إلى القرى القريبة منها، باستثناء الذين لم تمكنهم أوضاعهم الاقتصادية من تحمل تبعات النزوح الكبيرة، فاختاروا انتظار المجهول.

وعلمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة أن قيادة "التحالف الدولي" قررت الاعتماد على الفصائل العربية في عملية اقتحام الرقة وإدارتها بعد انتزاع السيطرة عليها من "داعش"، في تجاوب واضح مع رغبة تركية بعدم تمكين الوحدات الكردية التي تشكّل الثقل الرئيسي في "قوات سورية الديمقراطية"، من أن تكون في واجهة السيطرة على الرقة.


وأكد محمود الهادي، رئيس المكتب السياسي في "جبهة ثوار الرقة" أبرز الفصائل العربية في "سورية الديمقراطية"، لـ"العربي الجديد" أن الجبهة "ستقود المرحلة المقبلة من عملية تحرير الرقة"، رافضاً الخوض في التفاصيل في الوقت الراهن.

ويحظى "لواء ثوار الرقة" برضى شعبي كبير لدى سكان الرقة كونه لا يزال يرفع راية الثورة السورية، ويؤمن بمبادئها، وأغلب مقاتليه من أبناء المحافظة، والمنطقة الشرقية من سورية. ويتمركز مقاتلو "اللواء" في قرية كفيفة بالقرب من بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، ومن المتوقع أن يدخلوا مدينة الرقة من حي الرميلة على تخوم المدينة الشمالية، وفق مصادر مطلعة أشارت إلى أن قوات "النخبة" تستعد لاقتحام الرقة من الجهة الشرقية ضمن خطة عسكرية وضعتها وزارة الدفاع الأميركية.

ومن الواضح أن "التحالف الدولي" يريد الإسراع بالحسم في الرقة من خلال الزج بفصائل عربية في المدينة لتبديد مخاوف أهل المدينة من توغل مليشيات الوحدات الكردية فيها. ولا تحوي مدينة الرقة وريفها أي وجود سكاني كردي كبير، وفق مصادر محلية مطلعة، باستثناء بعض القرى في منطقة تل أبيض شمال الرقة، مشيرةً إلى أن الغالبية الساحقة من سكان الرقة وريفها ينتمون إلى عشائر عربية معروفة، إضافةً إلى سوريين نزحوا إلى الرقة من محافظات أخرى خلال سنوات الثورة الست. وكانت "قوات سورية الديمقراطية" بدأت عملية أطلقت عليها تسمية "غضب الفرات" في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، غايتها "عزل" الرقة وهو ما تحقق لحد بعيد، إذ باتت المدينة محاصرة من ثلاث جهات، شمالية وشرقية وغربية.

وتعد محافظة الرقة رابع المحافظات السورية الأربع عشرة من حيث المساحة بعد محافظات حمص ودير الزور والحسكة، وتبلغ مساحتها نحو 20 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل أكثر من 10 بالمائة من مساحة سورية. وتمتد محافظة الرقة على مساحة أكثر من 150 كيلومتراً من الغرب للشرق، وعلى مساحة 200 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب. وتصل حدودها إلى قلب بادية الشام، وتضم المحافظة عدة مدن وبلدات كبرى، أبرزها مدينة الرقة مركز المحافظة، ومدينتا الطبقة، وتل أبيض، وباتتا تحت سيطرة "قوات سورية الديمقراطية"، بعد طرد تنظيم "داعش" منهما.

وتحاول "قوات سورية الديمقراطية" فرض مجلس محلي مرتبط بها، ترفضه فعاليات الرقة المدنية، لإدارة المدينة بعد انتزاع السيطرة عليها. وذكرت مصادر إعلامية معارضة أن حزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي سلّم الجانب الأميركي وثيقة تضم أسماء 97 شخصاً لإدارة الرقة بعد انتزاع السيطرة عليها، مشيرةً إلى أن القائمة تضم شخصيات من خارج محافظة الرقة، وبعضها متهم بالارتباط مع النظام السوري. كما تضم القائمة أسماء شخصيات كردية متعددة، وهو ما يخالف الواقع الديمغرافي لمحافظة الرقة.

وقد سعى "الاتحاد الديمقراطي" الذي تعد الوحدات الكردية ذراعه العسكرية لترسيخ فكرة وجود كردي في الرقة. ومن غير الواضح ما إذا كان الجانب الأميركي سيكترث بالقائمة المقدمة من "الاتحاد الديمقراطي"، إذ لم تتبلور بعد معالم رؤية أميركية واضحة حيال إدارة المنطقة الشرقية من سورية في ظل مؤشرات على نية واشنطن البقاء طويلاً في هذه المنطقة الغنية بالثروات. وفي مقابل هذا المجلس هناك مجلس آخر عينت أعضاءه الحكومة السورية المؤقتة، أخيراً، ويضم شخصيات مقيمة في تركيا، لم يجد قبولاً من الفعاليات المدنية في المحافظة كونه "لم يأت بطريقة ديمقراطية"، وفق أحد الناشطين السياسيين في الرقة، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن بعض أعضائه لا يمتلكون أهلية كافية للنهوض بمهام المجلس في مرحلة مقبلة من المتوقع أن تكون مصيرية في حياة محافظة واجهت تقلبات كبرى منذ سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" عليها في مطلع عام 2014 وباتت اليوم محل اهتمام العالم.