أثار قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة المصري، اليوم السبت، بترشيح المستشار يحيى الدكروري منفرداً لرئاسة المجلس خلال العام القضائي المقبل، جدلاً قانونياً واسعًا، إذ إن تعديلات قانون السلطة القضائية التي أقرها الرئيس عبد الفتاح السيسي، تلزم "عمومية مجلس" الدولة بترشيح ثلاثة من أقدم سبعة نواب لرئيس المجلس، حتى يختار رئيس الجمهورية واحدًا من بينهم، لرئاسة المجلس.
وقررت الجمعية العمومية لمجلس الدولة بالأغلبية، عدم ترشيح ثلاثة أسماء كما هو منصوص عليه في القانون رقم 13 لسنة 2017، المعروف بطريقة اختيار رؤساء الهيئات القضائية، والذي أصدره السيسي بعد إقراره من مجلس النواب. وأعملت مبدأ الأقدمية الذي يعطي الأولوية للمستشار الدكروري خلفاً للمستشار محمد مسعود رئيس مجلس الدولة الحالي، والذي ستنتهي ولايته في 19 يوليو/ تموز المقبل.
"العربي الجديد" استطلع رأي بعض فقهاء القانون حول هذه الإشكالية، فقاموا برسم صورة للسيناريوهات المتوقعة بعد قرار "عمومية مجلس الدولة" اليوم وجاءت كالآتي:
تصديق السيسي على قرار "عمومية مجلس الدولة"
طبقاً لتعديلات القانون رقم 13 لسنة 2017 تنص المادة الرابعة على أنه "يعين رئيس مجلس الدولة بقرار من رئيس الجمهورية من بين ثلاثة من نوابه، ترشحهم الجمعية العمومية الخاصة بمجلس الدولة، والمشكلة من رئيس مجلس الدولة ونوابه ووكلائه والمستشارين الذين شغلوا وظيفة مستشار لمدة سنتين من بين أقدم سبعة من نواب رئيس المجلس، وذلك لمدة أربع سنوات أو المدة الباقية حتى سن التقاعد، أيهما أقرب، ولمرة واحدة طوال مدة عمله. ويجب إبلاغ رئيس الجمهورية بأسماء المرشحين قبل نهاية مدة رئيس المجلس بستين يوماً على الأقل. وفي حالة عدم تسمية المرشحين قبل انتهاء الأجل المذكور في الفقرة السابقة أو ترشيح عدد يقل عن ثلاثة، أو ترشيح من لا تنطبق عليه الضوابط المذكورة في الفقرة الأولى، يعين رئيس الجمهورية رئيس المجلس من بين أقدم سبعة من نواب رئيس المجلس".
ولكن قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة اليوم بترشيح المستشار الدكروري منفردًا تنطبق عليه الفقرة الثالثة لتلك المادة، والتي نصت على أنه "في حالة ترشيح عدد يقل عن ثلاثة، يعين رئيس الجمهورية رئيس المجلس من بين أقدم سبعة من نواب رئيس المجلس". وهنا، بحسب خبراء في القانون، يمكن للسيسي أن يصدق على ترشيح "عمومية مجلس الدولة"، ويصدر قرارًا بتعيين المستشار الدكروري، على اعتبار أنه من ضمن أقدم سبعة نواب لرئيس المجلس، ويتفادى بذلك صدامًا محتملًا مع قضاة مجلس الدولة في حال رفضه تعيين الدكروري.
استبعاد الدكروري والصدام مع السيسي
وهو السيناريو الأقرب إلى الحدوث، إذ ستعتبر رئاسة الجمهورية أن قرار "عمومية مجلس الدولة" بترشيح المستشار الدكروري منفردًا هو مخالفة للقانون الذي ينص على ضرورة ترشيح ثلاثة من بين أقدم سبعة نواب، وبالتالي سيستخدم السيسي ذلك كمبرر لعدم تعيين الدكروري على أساس أن ترشيحه منفرداً هو مخالفة قانونية، ويختار شخصاً آخر، لا سيما أن تعديلات قانون السلطة القضائية تمت بالأساس من أجل استبعاد المستشار الدكروري من رئاسة المجلس عقابًا له على إصداره أول حكم من محكمة القضاء الإداري يقضي ببطلان اتفاقية "تيران وصنافير". ولكن هنا ستقع إشكالية قانونية أخرى بحسب خبراء في القانون، إذ إن قانون مجلس الدولة ينص على ضرورة موافقة الجمعية العمومية للمجلس على ترشيح رئيس المجلس، وهو الشرط الذي لن يتحقق إذا اختار السيسي شخصًا غير الدكروري الذي رشحته "العمومية"، وهو ما يؤدي إلى ظهور التعارض ما بين القانونين (الهيئات القضائية، ومجلس الدولة).
رضوخ مجلس الدولة وانتظار "الدستورية"
أما السيناريو الأخير، فهو أن يتحدّى السيسي قرار الجمعية العمومية لمجلس الدولة ويرفض ترشيح المستشار يحيى الدكروري ويختار واحداً من بين أقدم سبعة نواب لرئيس المجلس، ثم يلتزم المجلس بالقرار ويتوقف عن التصعيد. ويكتفي بستجيل موقف الجمعية العمومية في الإصرار على ترشيح الدكروري، ويتقدّم بدعوى "عدم دستورية" أمام المحكمة الدستورية العليا ضد قانون السيسي وينتهي الأمر عند ذلك.
وكان النصاب القانوني للجمعية العمومية الطارئة بمجلس الدولة، قد اكتمل اليوم، للتصويت على ترشيح 3 من نواب الرئيس، لإرسال أسمائهم لرئاسة الجمهورية لاختيار رئيس مجلس الدولة الجديد.
ووصل عدد المستشارين المشاركين بالجمعية العمومية إلى ما يتجاوز الـ 500 مستشار من مختلف محافظات الجمهورية والذين مر على درجتهم في مجلس الدولة عامان.
ويعتبر قرار الجمعية العمومية، باختيار المستشار يحيى الدكروري رئيساً لمجلس الدولة، تحديًا كبيرًا للسيسي وقانونه الذي أصدره أواخر نيسان/ أبريل الماضي، والذي اعتبره القضاة باطلًا ومخالفًا للدستور، لأنه نقل تعيين رؤساء الهيئات القضائية من الجمعية العمومية لرئيس السلطة التنفيذية.