سيناريوهات استغلال الطوارئ: بين التمديد للسيسي لـ2030 وتعديل المحاكمات

13 ابريل 2017
يريد النظام استغلال الإجراءات الاستثنائية بمواجهة أية تظاهرات(محمد الراعي/الأناضول)
+ الخط -
توحي الصورة في مصر بأن النظام يسعى لاستغلال الفرصة التي أتت بها جريمة تفجيرات الكنيستين الأخيرة، ليمرر كافة الملفات الشائكة، التي تواجه رفضاً شعبياً، تحت غطاء محاربة الإرهاب في ظل حالة طوارئ لمدة ثلاثة أشهر، قابلة للتمديد، بعد موافقة مجلسي الوزراء والنواب، وإحالة اتفاقية تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير لصالح السعودية، انتهاءً بتجدد مطالب تعديل الدستور.
وقال مصدر نيابي مصري، يحاول تكتله أن يبدو في صورة المعارض، إن حالة الطوارئ ستُستغل لإسكات الأصوات الرافضة للتنازل عن الجزيرتين، واستغلال الإجراءات الاستثنائية في مواجهة أية تظاهرات شعبية محتملة، على غرار تلك التي انطلقت قبل عام، تزامناً مع توقيع الاتفاقية. وأضاف المصدر لـ"العربي الجديد"، أن عدداً من النواب المنتمين لائتلاف الغالبية (دعم مصر)، جددوا مطالبهم بشأن إدخال تعديلات موسعة على الدستور، تحت غطاء إحالة المتهمين المدنيين في قضايا الإرهاب إلى القضاء العسكري (درجة واحدة للتقاضي)، لسرعة تنفيذ الأحكام بحقهم، إلا أن الهدف غير المعلن من وراء تلك المطالبات يتمثل في تعديل النص الخاص بالفترة الرئاسية. وأكد المصدر أن مطالب التوسع في صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية "مرفوضة، شكلاً ومضموناً"، في ظل التوازن الذي صنعه الدستور بين السلطات الثلاث، مشيراً إلى مواجهة تكتله لمحاولات تعديل فترة الرئاسة من قِبل نواب الغالبية، سواء بمدها إلى 6 سنوات بدلاً من 4 سنوات، على فترتين، أو إلغاء قيد الفترتين، في عودة للعهود السابقة لثورة 25 يناير 2011.

بقاء السيسي إلى 2030

في السياق ذاته، كشف مصدر مطلع في هيئة مكتب البرلمان، أن أحد السيناريوهات المطروحة بقوة في مسألة تمديد الفترة الرئاسية يرتكز على إقرار تعديل الدستور داخل البرلمان، وتمريره في استفتاء شعبي، قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقررة في منتصف العام 2018، لتُمدد الفترة الرئاسية إلى 6 سنوات على مدتين، مع تطبيق النص من تاريخ العمل بالدستور.

وقال المصدر لـ"العربي الجديد"، إن هذا السيناريو تتبنّاه قيادات ائتلاف "دعم مصر"، الذي شُكّل بمعرفة الدائرة الاستخباراتية - الرقابية، لمنح الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، حق الترشح لدورتين جديدتين (12 عاماً)، من تاريخ العمل بالتعديل الدستوري، بخلاف السنوات الأربع التي قضاها في سدة الحكم، ليستمر في منصبه إلى العام 2030.
ووفقاً للمصدر، فإن هذا السيناريو مُعد له سلفاً منذ فترة ليست بوجيزة، إذ بنت حكومة شريف إسماعيل خطة تنميتها الاجتماعية والاقتصادية تحت عنوان "استراتيجية التنمية المستدامة 2030"، التي صاغ وثيقتها عدد من المحسوبين على النظام في التخصصات المختلفة، على مدى أكثر من عامين، لرسم صورة ما يُعرف بـ"مصر المستقبل".

تعديل المحاكمات العسكرية

إلا أن وكيل اللجنة التشريعية في البرلمان، نبيل الجمل، استبعد السيناريو الأخير، قائلاً إن المرحلة الأولى من تعديل الدستور لن تتطرق لتمديد الفترة الرئاسية، التي حصنتها المادة 226 من الدستور، ونصّت على "عدم جواز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات".
وقال الجمل إن اللجنة ترى اقتصار مقترحات تعديل الدستور على سُبل مواجهة ظاهرة الإرهاب، وإخضاع المتهمين في قضايا الإرهاب للمحاكمات العسكرية "الناجزة"، على حد قوله، كون الجماعات المتطرفة تُمثل الخطر الأول على البلاد في المرحلة الراهنة، مع إمكانية طرح مسألة تعديل الدستور، في ما يخص المدة الرئاسية، في مرحلة لاحقة.
وتراجع عضو ائتلاف "دعم مصر"، إسماعيل نصر الدين، عن تقدّمه بطلب تعديل بعض مواد الدستور، مطلع مارس/ آذار الماضي، المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، لحذف الحظر الخاص بإعادة الانتخاب أكثر من مرة، وزيادة المدة الرئاسية إلى 6 سنوات، بعد شروعه في جمع تواقيع خُمس أعضاء البرلمان على طلبه، وفقاً للدستور، الذي اشترط موافقة ثلثي النواب على التعديلات، وطرحها للاستفتاء الشعبي.
بينما أكدت مصادر مطلعة داخل مجلس النواب المصري، لـ"العربي الجديد"، ودعمتها في ذلك مصادر مقربة من دائرة السيسي، أن مسألة تعديل مواد في الدستور المصري، الذي صدر في عام 2014، ومنها مادة "انتخاب رئيس الجمهورية"، أصبحت مسألة محسومة، ولكن الخلاف الآن حول طريقة وتوقيت إخراج ذلك التعديل إلى النور.


وتنص المادة 140 من الدستور المصري، الذي صدر في يناير/ كانون الثاني 2014، والذي كلما حلّت بمصر كارثة ارتفعت أصوات من هنا ومن هناك تطالب بتعديله لعدم ملاءمته للظروف التي تعيشها البلاد، على التالي: "يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالي لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة... وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يوماً على الأقل، ويجب أن تُعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يوماً على الأقل... ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل منصباً حزبياً طوال مدة الرئاسة".
وكانت آخر تلك المطالبات بعد التفجير الذي وقع في الكنيسة البطرسية في القاهرة، مع إعلان النائب المستقل إسماعيل نصر الدين، عن تقدّمه بطلب إلى رئيس البرلمان، علي عبد العال، بشأن تعديل بعض مواد الدستور المتعلقة بمدة حكم رئيس الجمهورية، لتمتد إلى 6 سنوات على فترتين بإجمالي 12 عاماً، إضافة إلى نصوص تكليفه بتشكيل الحكومة، واختصاصات مجلس الدولة. وقال نصر الدين إن "الدساتير عمل بشري، وليست عملاً إلهامياً معصوماً من الخطأ، أو يتبنّى حلولاً ربانية لمشكلاتنا"، مشيراً إلى أنه "عمل بشري في النهاية، ويحتمل النقد والتعديل، لأنه يتصف بذات الطبيعة الناقصة لواضعيه".

تعديل محسوم

غير أن مصادر مقربة من دائرة السيسي، أكدت لـ"العربي الجديد"، أن التفكير في تعديل الدستور من قِبل الرئيس، لم يتوقف للحظة وأنه آتٍ لا محالة. وهذا الأمر أكدته أيضاً لـ"العربي الجديد"، مصادر نيابية من داخل اللجنة التشريعية في مجلس النواب المصري، وقالت إن هناك بالفعل خطة لإجراء تعديل دستوري يشمل مادة انتخاب الرئيس، بالإضافة إلى بعض المواد الأخرى. ولكن المصادر النيابية استبعدت أن يكون التعديل خاصاً بعدد مرات انتخاب الرئيس، ولكنه من المرجح أن يطاول "مدة الرئاسة" التي حددها الدستور بأربع سنوات، لتكون ست أو ثماني سنوات.

وقالت المصادر إن ما يؤشر بقوة إلى وجود هذا الاتجاه داخل المجلس، هو عدم صدور قانون "الهيئة الوطنية للانتخابات" حتى الآن والتي هي، بحسب المادة 208 من الدستور، "هيئة مستقلة، تختص دون غيرها بإدارة الاستفتاءات، والانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية (....)". والتي هي بحسب الدستور أيضاً، يجب أن تبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يوماً على الأقل، أي أنها تبدأ في يناير/ كانون الثاني من عام 2018، نظراً لأن السيسي أقسم اليمين الدستورية كرئيس للبلاد في 8 يونيو/ حزيران من عام 2014.
مقابل ذلك، أشارت مصادر قانونية ودستورية إلى أنه حتى لو تم تعديل مادة انتخاب رئيس الجمهورية في الدستور، وإطالتها حتى تصبح ست أو ثماني سنوات، فيجب ألا تنطبق على رئيس الجمهورية الحالي، ذلك أنه تم انتخابه على أساس دستور 2014، والذي ينص على أنها أربع سنوات فقط، وهذا هو المتعارف عليه في كل المبادئ القانونية والدستورية الراسخة. إلا أن المصادر نفسها لم تستبعد أن ينص التعديل المحتمل على أنه ينطبق على الرئيس الحالي، وقالت إن الأجواء السياسية التي تعيشها مصر ستسمح للراغبين في تعديل الدستور بـ"شرعنة" و"دسترة" أي شيء يرغبون في تمريره حتى لو كان مخالفاً لكل المبادئ القانونية والدستورية.
من جهته، قال أحد القيادات الحزبية، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن الحديث المتواصل عن "تعديل الدستور" يؤكد أن السيسي والدوائر الأمنية التابعة له يريدون بقوة استمرار بقاء الرئيس في منصبه لأطول فترة ممكنة، ذلك لأن تداول السلطة ليس في صالحهم، إذ إن مجرد التفكير في "من سيخلف الرئيس" سيؤدي إلى صراعات بين دوائر النفوذ داخل الجيش أو الشرطة أو الاستخبارات، ويعيد شبح ما حدث في كواليس السلطة خلال أيام الثورة التي أطاحت بحسني مبارك، وهو الأمر الذي يخشاه السيسي ورجاله بشدة. كما أنه يثير الخوف من احتمال المحاسبة للسيسي ورجاله على فاتورة الدماء التي أسالوها في فض تجمّعات المعارضين في ميداني رابعة العدوية والنهضة وغيرهما.
وأضاف أن السيسي في سبيل ذلك ليس أمامه سوى أن يتحجج بشعار "الحرب على الإرهاب"، وأنه في معركة لم تنتهِ بعد، ولا يجوز أن يكملها أحد غيره، وأنه يرغب أيضاً في استكمال "مشروعاته". وقال إنه "على الرغم من أن الدستور يتيح لرئيس الجمهورية التقدّم بطلب لتعديل الدستور هو أو خُمس أعضاء البرلمان، إلا أنه لن يبادر هو بهذا الطلب، وسيتركه لرجاله في مجلس النواب".
وتنص المادة 226 من الدستور المصري على أن "لرئيس الجمهورية، أو لخُمس أعضاء مجلس النواب، طلب تعديل مادة، أو أكثر من مواد الدستور، ويجب أن يُذكر في الطلب المواد المطلوب تعديلها، وأسباب التعديل. ويُناقش المجلس طلب التعديل خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسلمه، ويُصدر قراره بقبول طلب التعديل كلياً، أو جزئياً بأغلبية أعضائه". كما اشترطت المادة الدستورية "مناقشة نصوص المواد المطلوب تعديلها بعد ستين يوماً من تاريخ الموافقة، موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس على التعديل، وعرضه على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور الموافقة. وفي جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، أو بمبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات".