الكويت: قرار "إعادة الجنسيات" يكسر جمود مجلس الأمة

07 مارس 2017
خيّب المجلس آمال الناخبين الكويتيين (ياسر الزيات/فرانس برس)
+ الخط -
مرّت ثلاثة أشهر على انتخاب مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، الذي شاركت فيه المعارضة بعد سنوات من المقاطعة، وعلى إعلانه وعودا بالإصلاح وإلغاء بعض القوانين التي أقرّها المجلس السابق، وعلى رأس هذه القوانين قانون البصمة الوراثية، وقانون منع المسيء للذات الأميرية من الترشح والانتخاب، والعمل على إقرار قانون يحد من قدرة الحكومة الكويتية على سحب جنسيات المواطنين، بالإضافة إلى الوقوف في وجه الوثيقة الاقتصادية التي تعتزم الحكومة تطبيقها. وبعد ثلاثة أشهر خاب أمل الناخبين الكويتيين بسبب عدم وفاء أعضاء المجلس بأي من وعودهم الانتخابية، وفشل المجلس حتى الآن في إقرار أي قانون طوال الأشهر الماضية، في ظل اختلاف الأولويات بين الأعضاء أنفسهم. غير أن أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، حرّك المياه الراكدة في نشاط مجلس الأمة، عندما أمر يوم الاثنين بإعادة الجنسيات لكويتيين سحبت منهم الجنسية لأسباب مختلفة، جلها سياسي.

وكانت أولى جلسات البرلمان قد عُقدت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، لمناقشة قضية الإيقاف الرياضي، وشهدت الجلسة سجالاً وصراعاً بين أعضاء المجلس أنفسهم، وأعضاء المجلس والحكومة، ولم تصل تلك النقاشات إلى نتيجة فيما يخص مخاطبة المنظمات الرياضية الدولية، وعلى رأسها اتحاد كرة القدم الدولي "الفيفا"، واللجنة الأولمبية الدولية، برفع الإيقاف المفروض على الرياضة الكويتية بسبب تدخل الحكومة في سير أعمال النشاط الرياضي.

كما عقد مجلس الأمة جلسة لتشكيل اللجان البرلمانية، وشهدت الجلسة صراعاً آخر وانقساماً نيابياً حول آلية انتخاب العديد من اللجان، وأبرزها لجنة الظواهر السلبية، التي عارضت الأقلية الليبرالية في البرلمان وضعها بحجة أنها تعد تدخلاً في خصوصيات الأفراد. ثم أعلن مجلس الأمة عن عقد جلسة طارئة وسرية لبحث موضوع الأزمة الإنسانية في حلب، وتصاعد الهجمات الروسية على المدنيين في المدينة المحاصرة، وشهدت الجلسة سجالاً طائفياً بين نواب البرلمان أنفسهم.

بعدها تقدّم ثلاثة نواب هم الحميدي السبيعي وعبد الوهاب البابطين ووليد الطبطبائي، باستجواب لوزير الإعلام، وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود الصباح، بسبب الفشل في حل الأزمة الرياضية ووجود تجاوزات مالية في وزارته. انتهى الاستجواب باستقالة وزير الإعلام بعد أن تيقن من خسارته في التصويت على طرح الثقة.

وعقد المجلس أيضاً جلسة "الإيداعات المليونية"، التي اتهم فيها نواب سابقون بتضخيم الحسابات وغسل الأموال. وشهدت الجلسة أيضاً صراعات وخلافات وصلت لحد تبادل الشتائم والتهديد بالضرب، من دون تقديم نواب البرلمان الذين وعدوا بحل القضايا العالقة الكبرى أي بوادر لحلّها، سوى اقتراح قُدم للجنة الاقتصادية في مجلس الأمة بوقف رفع أسعار الكهرباء والماء وإقرار قانون يقضي بعدم رفع أي سلعة أساسية دون الرجوع لمجلس الأمة. لكن الاقتراح المقدم وضع في الأدراج نتيجة لصراع الأولويات بين النواب بعد قيام النائب الإسلامي المستقل محمد هايف المطيري بتقديم اقتراح، يقضي بتعديل المادة 79 من الدستور الكويتي، واشتراط أن يكون كل قانون يتم تمريره داخل مجلس الأمة قانوناً متوافقاً مع الشريعة الإسلامية. وهو ما يهدد بانقسام كبير بين أعضاء البرلمان بالإضافة إلى تلويح الحكومة بحل المجلس، في حال نجح المؤيدون للاقتراح بجمع أغلبية مؤيدة للتعديل، خصوصاً أن أمير البلاد، الشيخ صباح الأحمد الصباح، عارض مقترحات شبيهة في أوقات سابقة.



وبينما كان الكويتيون ينتظرون النواب لتقديم تعديلاتهم بقوانين رفع الدعوم وسحب الجنسيات وإلغاء البصمة الوراثية، اشتعل صراع جديد بين نواب البرلمان بعد إعلان النائب يوسف الفضالة تقديمه استجواباً لرئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، إذا لم يقم الأخير بمساعدة وزير الصحة جمال الحربي، على إقالة وكيل الوزارة خالد السهلاوي، الذي يتمتع بدعم نيابي ونفوذ واسع يتجاوز صلاحيات الوزير داخل الوزارة. كما تمّ اتهام السهلاوي بقضايا فساد وتنفيع في قضية "العلاج السياحي"، الذي تقدمه الحكومة للنواب الموالين لها. لكن رئيس الحكومة قرر نزع فتيل الأزمة وإجبار وكيل الوزارة على الاستقالة.

أما في قضية إعادة الجنسيات لكويتيين سُحبت منهم الجنسية، فقد وجّه أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، أمس الاثنين، أمراً بإعادة الجنسيات لهؤلاء ومنهم، النائب السابق عبدالله البرغش، الذي كانت محكمة التمييز قد أيدت سحب الجنسية منه ومن عائلته، في فبراير/شباط الماضي، وأحمد الجبر، ونبيل العوضي. ومن المتوقع شمول توجيهات إعادة الجنسية لعائلات شيعية سحبت منهم الجنسية في ثمانينات القرن الماضي.
وجاء توجيه أمير البلاد، بعد لقاء مع رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، وعدد من نواب المجلس، أبرزهم محمد هايف المطيري، وجمعان الحربش، وعادل الدمخي، ومبارك الحجرف، وآخرين.

مع العلم أن أولى ثمار التعاون بين الحكومة والبرلمان فيما يخص قضية سحب الجنسيات بقرار إعادة الإعلامي الكويتي المبعد عن البلاد سعد العجمي إلى الكويت بعد عامين أمضاهما في السعودية، بسبب سحب جنسيته الكويتية بعد اتهامه بالمساس بأمن الدولة وتعريض مصالح البلاد العليا للخطر.

في سياق متصل، أعلن الناشط السياسي أحمد الميموني، في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن "ترسيخ سياسة الاستجداء وطلب الرحمة، يعني أننا عدنا لما قبل المربع الأول، وأن نواب مجلس الأمة المعارضين الذين ربطوا قرار عودتهم للبرلمان وإنهاء مقاطعة الانتخابات بإقرار قوانين تنظم سحب الجنسية الكويتية وتوقف سريان الوثيقة الاقتصادية التي تهدف إلى وضع الضرائب على المواطنين، قد خانوا العهد الذي وضعوه في الانتخابات، ونادوا به أول أيام مجلس الأمة". ورأى أن "الأقطاب السياسية الكبيرة المتصارعة نجحت في التأثير عليهم، بل وتحريكهم لصالح صراعها السياسي، خصوصاً حول قضايا لا أهمية لها، مثل قضية الإيقاف الرياضي التي يعلم الشعب الكويتي بأكمله أنها مجرد واجهة لصراعات أكبر، لذلك فإن أول جلسة لمجلس الأمة كانت عنها".

وأضاف الميموني أن "دخول النواب في دوامة التسويات، يعني أن مجلس الأمة وسلطته التشريعية، تم إضعاف مخالبها وأن مجلس 2012 الذي كان يصنع القوانين لا يمكن إعادته بأي حال من الأحوال". أما أبرز القضايا الغائبة عن أولويات المجلس الجديد، فهي قضية البدون، مع تزايد مضايقات "الجهاز المركزي لأوضاع المقيمين بصورة غير قانونية" بحقهم. وهو الجهاز الخاص الذي أنشأته الحكومة لإدارة قضية البدون منذ سنوات عدة. وأوقف الجهاز المركزي المئات من البطاقات الأمنية التي تعد بمثابة بطاقة الهوية للبدون بسبب وجود قيود أمنية عليهم ترفض اللجنة الإفصاح عن ماهيتها. وقال أحمد الحجيمي وهو ناشط في قضية البدون من لندن لـ "العربي الجديد"، إن "انشغال النواب والسياسيين حتى من غير النواب في مشاريع سياسية أكبر، أثر بشكل كبير على العمل الحقوقي والإنساني الذي كانوا يقومون به تجاه قضية البدون. أما الذين كانوا يتكسبون على قضيتنا في الانتخابات فإنهم وجدوا مجالاً آخر يتكسبون عليه وهو قضية سحب الجنسيات".