غياب تيار الاستقلال والزند ينذر بهزيمة القضاء أمام السيسي

01 ابريل 2017
يعتبر السيسي أن القضاء حاربه (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -
استمرت المواجهة اليومية بين النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي، ممثلاً في السلطتين التنفيذية والتشريعية والدائرة الاستخباراتية - الرقابية، وبين القضاة لاحتوائهم وكسر شوكتهم وتحويلهم من سلطة تتمتع بالحدود الدنيا من الاستقلال إلى إحدى شعب السلطة التنفيذية، عبر إحكام السيطرة عليهم وفرض رقابة رئاسة الجمهورية على اختياراتهم للمناصب العليا للهيئات القضائية، وإلغاء مبدأ الأقدمية المطلقة المطبّق منذ مطلع القرن الماضي.

وبدا مشروع القانون الجديد الذي تقدم به عضو ائتلاف الأكثرية النيابية محمد أبو حامد، كورقة ضغط، لتضمنه خفض سن تقاعد القضاة إلى 65 عاماً مباشرة، ثم إلى 60 عاماً خلال 5 سنوات. كما أن إحالة آخر العناصر البارزة في تيار استقلال القضاء عاصم عبد الجبار وهشام رؤوف إلى مجلس التأديب بتهم غير مسبوقة، بمثابة ضغط جديد على القضاة لمساومتهم وإجبارهم على تمرير مشروع القانون الذي يسمح باختيار السيسي لرؤساء الهيئات القضائية من ناحية، ومن ناحية أخرى تخويف القضاة، خصوصاً الشباب منهم، من اتخاذ أي خطوات تصعيدية على الأرض.

وساد غضب صامت في أوساط شباب القضاة وهيئتي قضايا الدولة والنيابة الإدارية بسبب تراخي نادي القضاة ومجلس القضاء الأعلى في مواجهة هذه الهجمة الرسمية، في ظلّ توجيه رئيس مجلس القضاء الأعلى ومساعد وزير العدل للتفتيش القضائي منشورين للقضاة على مستوى الجمهورية، بضرورة الالتزام بضوابط عدم الظهور الإعلامي وعدم الإدلاء بأي تصريحات أو كتابة أي عبارات تحريضية ضد النظام على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.

من جهته، أفاد مصدر بمحكمة استئناف المنصورة، بأن "أعضاء بمجلس القضاء الأعلى رفضوا مقترحات شفهية بعقد جمعيات عمومية للمحاكم الابتدائية لمعارضة مشروع إهدار الأقدمية، خوفاً من احتساب أعضاء مجلس القضاء الحاليين كمعارضين للنظام"، مشيراً إلى أن "ردّ الفعل الضعيف من السلطة القضائية، عدا مجلس الدولة حتى الآن، سيشجع النظام على مزيد من التغول على استقلال القضاء".

وأضاف أن "غياب كل من رموز تيار الاستقلال سواء بإحالتهم للتقاعد أو إخضاع بعضهم للتحقيق وإجبار آخرين على الإعارة لخارج مصر، وكذلك غياب وزير العدل السابق أحمد الزند عن المشهد، هما عاملان أساسيان أديا إلى ضعف رد فعل نادي القضاة ومجلس القضاء. فالنادي اكتفى بالمطالبة بلقاء السيسي لمناشدته حل الأزمة وهو يعلم أنه في طريقه لزيارة الولايات المتحدة، أما المجلس فاكتفى بإعلان رفضه للمشروع وهو يعلم أن رأيه لا يعدو كونه استشارياً ويجوز للبرلمان عدم الأخذ به".



بدوره، كشف مصدر آخر بمحكمة جنايات الجيزة كان يعمل بديوان وزارة العدل في عهد الزند، أن "الأخير تلقى منذ شهر تقريباً تحذيرات شديدة اللهجة، بعدم الظهور في وسائل الإعلام أو إعلان موقفه من أي خطوات تصعيدية ضد القضاة خلال الفترة المقبلة، وأن الزند أخبر المقربين منه منذ فترة بأن النظام يبيت النية لإحكام السيطرة على القضاء، لكنه لن يبدي أي ردّ فعل معلن، خشية تعرضه لهجوم دائرة السيسي وتفجير بعض قضايا الفساد المحفوظة له".

وأوضح المصدر نفسه أن "عدداً من أعضاء مجلس إدارة نادي القضاة وأندية الأقاليم اتصلوا بالزند طالبين النصيحة، فرفض أن يبدي أي رد فعل تجاه ما يحدث، نظراً لأنه كان يتوقع أن ينتفض القضاة ضد قرار عزله من منصبه في مارس/ آذار من العام الماضي، ما أصابه بخيبة أمل في زملائه".

ولفت إلى أن "ضعف رد فعل القضاة واقتصار التحرك على أعضاء مجلس الدولة الذين سيعقدون جمعية عمومية يوم الاثنين المقبل، سيؤدي لتسهيل مهمة النظام في كسر شوكة القضاة، سواء تم تمرير القانون أو تم خفض سن التقاعد أو تدخل السيسي في اللحظات الأخيرة لوقف إصداره، في مقابل تخفيض ميزانيات الهيئات القضائية والضغط على القضاة أدبياً لوقف إصدار الأحكام ضد الحكومة وتشديد عقوبات المتهمين بالإرهاب وتسريع محاكمات معارضي النظام".

كما قال مصدر قضائي آخر في مجلس الدولة، إن "عدداً من شيوخ القضاة في مختلف الهيئات لم يعودوا يعارضون مشروع تعيين السيسي لرؤساء الهيئات، بعدما أدخلت تعديلات تلزم المجالس العليا للهيئات، بترشيح 3 من أقدم 7 قضاة ليختار السيسي منهم واحداً، وذلك لزيادة فرص بعضهم في الفوز برئاسة الهيئات بعدما كانت أقدميتهم لا تسمح لهم بذلك".

وكشف أن "إبراز مشروع خفض سن التقاعد يدفع ذوي النفوس الضعيفة والطموحين للمناصب، إلى الموافقة على المشروع الأول، لأنه أخف الضررين بالنسبة لهم، فتمريره سيسمح لهم بالبقاء والمنافسة على منصب رئيس الهيئة حتى آخر لحظة. أما تمرير مشروع خفض السن فسينهي خدمتهم القضائية فوراً ويعيدهم لمنازلهم، وهو ما لا يتمناه أي قاضٍ تجاوز سن الـ65، نظراً لأن القضاة في هذه السن ينخرطون في عضوية العديد من اللجان والهيئات التي يحصلون منها على مبالغ مالية عالية".

واستطرد قائلاً إن "النظام يراهن على بث الفرقة في أوساط المجالس العليا للهيئات، ويبدو أنه سينجح، خصوصاً أن الشباب غير قادرين على ممارسة الضغط في غياب رموز تيار الاستقلال، رغم أن الخيار الأفضل لهم من المشروعين المطروحين حالياً، هو خفض سن التقاعد إلى 60 عاماً".

ووفقاً لمصادر قضائية وحكومية في وزارة العدل، فإنه "على الرغم من أن للسيسي أقارب عدة في الهيئات القضائية، كشقيقه وأبناء شقيقه وصهر شقيقه وزوجة ابنه، إلّا أنه يرى أن جميع المتاعب التي واجهها نظامه على مدار العامين الأخيرين كان سببها القضاء، تارة بأحكام تحرجه أمام الرأي العام العالمي، وتارة أخرى بأحكام تفقده شعبيته في الداخل كحكم بطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير. وأن السيسي يرى أن سبب صدور هذه الأحكام هو الاستقلال الإداري والمالي للقضاء المكفول في الدستور، فلم يعد هناك بد من أن يحكم السيطرة على الهيئات من خلال تعيين رؤسائها عبر نظام يسمح بتنافسهم وإشعال الصراع بينهم على رضى الأجهزة الأمنية التي ستعدّ التقارير التي ستحدد الرئاسة بناء عليها هوية رؤساء الهيئات القضائية".