التحكيم الملكي... الباب الأخير لتجاوز الأزمة الحكومية المغربية

13 مارس 2017
تعثر تشكيل الحكومة يفتح باب التحكيم الملكي (جلال مرشدي/الأناضول)
+ الخط -
تتجه مفاوضات تشكيل الحكومة المغربية العتيدة إلى طريق مسدود، مع تمسك الأطراف المعنية بمواقفها وعدم استعدادها للتنازل عنها، بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على بدء مشاورات تشكيل الحكومة، وتعثرها بسبب التناقض بين رئيس الحكومة المكلف، الأمين العام لحزب "العدالة والتنمية"، عبدالإله بنكيران، وزعيم حزب "الأحرار"، عزيز أخنوش، بشأن القوى المطروحة للمشاركة في الائتلاف الحكومي. وفي ظل استمرار التعطيل في عملية تشكيل الحكومة، باتت هناك سيناريوهات عدة لتجاوز الأزمة. ولم يعد مستبعداً سيناريو اللجوء إلى التحكيم الملكي، لحسم الموقف، أو الإقدام على حل البرلمان والدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة.

ويصر بنكيران، المكلف بتشكيل الحكومة منذ العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، على موقفه المتمثل في رفض مشاركة حزب "الاتحاد الاشتراكي"، باعتبار أن ذلك يسيء إلى الإرادة المعبر عنها من طرف الناخبين، بحسب قوله. في المقابل، يصر أخنوش على دخول هذا الحزب لضمان أغلبية حكومية قوية ومريحة. وقد جدد بنكيران موقفه يوم السبت الماضي خلال اجتماع حزبي، بإعلانه أنه "إذا رأيتم الحكومة تشكلت وفيها الاتحاد الاشتراكي فاعلموا أنني لست عبد الإله بنكيران"، ما يعبّر عن رفض قاطع لمشاركة هذا الحزب في الحكومة العتيدة، ويعطي الانطباع بأن احتمال المساومة بات معدوماً. وأدى غياب التوافق إلى دخول المفاوضات في مأزق. وأمام تشبث الطرفين الرئيسيين بمواقفهما، دون أن تلوح بوادر تنازل من هذا الطرف أو ذاك، وفي سياق تصريحات بنكيران بأنه لا يزال ينتظر رد أخنوش بخصوص مشاركته في الحكومة أو عدمها، بدأت فرص تشكيل الحكومة تتضاءل. وهذا يعني أن الخروج من المأزق بات يمر إما باللجوء إلى تحكيم الملك محمد السادس، أو بحل البرلمان.


وفي ما يتعلق بسيناريو التحكيم الملكي، يوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة فاس، الدكتور أحمد مفيد، أن الفصل 42 من الدستور المغربي لعام 2011، ينص على أن الملك هو "رئيس الدولة وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها، يسهر عل احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات". ويضيف مفيد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه "اعتماداً على هذه المقتضيات الدستورية، فالملك له كل الصلاحيات الدستورية للتدخل، بهدف وضع حد لما وصلت إليه المشاورات المتعلقة بتشكيل الحكومة، والتي لم تسفر عن نتائج ملموسة، كما يمكن أن يضع حداً للهدر الكبير للزمن السياسي الذي رافقه تعطيل عمل مؤسستين دستوريتين هامتين، هما الحكومة والبرلمان"، وفق تعبيره.

ويعتبر مفيد أن "التحكيم الملكي مطروح بقوة، لأن الأمر لم يعد يقتصر على صراع وتنافس بين أحزاب سياسية، وإنما نتج عنه تعطيل عمل مؤسسات دستورية في ظل وضعية تتميز بالكثير من الرهانات والتحديات الوطنية والدولية"، على حد قوله. ورأى أن "الملك سيعمل على ممارسة التحكيم في إطار مقتضيات الدستور، إذ بإمكانه أن يطلب من رئيس الحكومة المكلف ورؤساء الأحزاب السياسية المعنية بالمشاورات الحكومية الرجوع للمفاوضات والخروج بصيغة متفق حولها".

ويشير الخبير نفسه إلى أنه بإمكان الملك أيضاً أن يطلب من رئيس الحكومة المكلف في حال فشله، أن يقدم طلب إعفائه، وفي هذه الحالة يحق للملك إعادة تكليف شخصية أخرى من حزب "العدالة والتنمية" بتشكيل الحكومة، أو اتخاذ القرار بإجراء انتخابات تشريعية جديدة. وفي ما يتعلق بإمكانية حل البرلمان، يقول أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، الدكتور عثمان زياني، إنه بعد سلسلة من التصريحات التي صدرت أخيراً، والتي أكد فيها كل طرف على شروطه بخصوص تشكيل الحكومة، سواء من جهة أخنوش الذي أصر على ضرورة إشراك حزب الاتحاد الاشتراكي، أو لجهة تمسك بنكيران باستبعاد هذا الحزب مهما كلفه ذلك، "أصبحت الأمور تزداد سوءاً"، وفق تعبير زياني. ويقول لـ"العربي الجديد" إن المفاوضات تسير نحو نهايتها دون تشكيل الحكومة، وبالتالي باتت الأمور معلقة بانتظار عودة الملك من جولته الأفريقية، لاتخاذ القرار بشأن هذا الإشكال، مما يجعل المغاربة يعيشون حالة من الانتظار سواء بخصوص القرار الذي سيتخذه رئيس الحكومة المكلّف، أو ما سيقوم به الملك لتجاوز حالة الانسداد الحكومي"، على حد قوله.

ويبيّن زياني أنه "بدأت تلوح في الأفق عدة خيارات"، وسط تساؤلات حول "مدى إمكانية لجوء الملك إلى التحكيم". ويعتبر أن "إحداث أي تأويل يتجاوز النص الدستوري، ممثلاً في الفصل 47 (الذي ينص على أن الملك يعيّن رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدّر انتخابات أعضاء مجلس النواب، وعلى أساس نتائجها) من خلال اللجوء إلى الفصل 42، هو مسألة غير ممكنة ويجب استبعادها، طالما أن التحكيم ينطبق فقط على حالات وجود نزاع بين المؤسسات الدستورية وليس الأحزاب"، على حد تعبيره. ويلفت زياني إلى أنه "كانت هناك حالات سابقة لم يلجأ فيها الملك إلى التحكيم، بفعل غياب شروط تطبيقه"، مبرزاً أن السيناريو الممكن هو حل البرلمان والدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، أو العمل على معالجة الخلافات بين مختلف الأحزاب، من أجل الوصول إلى حل وسط يرضي مختلف الأطراف، دون الدخول في سيناريو إجراء الانتخابات المكلفة مالياً وسياسياً، بحسب قوله.