حلّ وسط لتفادي مواجهة النظام و"درع الفرات" في الباب؟

05 فبراير 2017
عنصر من الجيش الحرّ قرب الباب (حسين ناصر/الأناضول)
+ الخط -
يرتفع منسوب الترقب لدى كثيرين من احتمالات اندلاع مواجهة ستكون الأولى، في حال حصلت، بين قوات النظام السوري، ومعه المليشيات الإيرانية أو المدعومة من طهران من جهة، وقوات "درع الفرات" الحليفة لتركيا من جهة ثانية، وذلك مع تقدّم مراحل السباق نحو مدينة الباب، كبرى مدن الريف الشمالي الشرقي لحلب التي لا تزال في قبضة تنظيم "داعش". وبعد أن نجحت قوات "درع الفرات" في إبعاد "قوات سورية الديمقراطية" التي يسيطر عليها الأكراد، جزئياً، عن حلبة المنافسة على المدينة، من خلال سيطرتها على القرى والمناطق الواقعة إلى الشرق منها، يأتي تقدّم قوات النظام والمليشيات التي تقاتل معها من الجهة الجنوبية الغربية، ليضع تلك القوات على بعد كيلومترات قليلة من المدينة التي تطوّقها قوات "درع الفرات" من الشمال والشرق، وتحاول إحكام تطويقها من الغرب أيضا، لقطع الطريق على قوات النظام ومنعها من التقدم إليها. لكن إذا أصرت قوات النظام على التقدم، فسوف يعني هذا حصول تصادم بين الطرفين، سيكون هو الأول من نوعه بين قوات تدعمها تركيا ميدانياً بالمدفعية والدبابات والطائرات والأفراد، وقوات النظام المدعومة من روسيا ومن المليشيات الايرانية. وتمكنت "درع الفرات" من السيطرة على مواقع كان يتحصن فيها التنظيم في الجنوب الغربي لمدينة الباب، وسط قصف مدفعي وجوي تركي، أهمها قرية الشماوية الاستراتيجية لوقوعها على المفرق الواصل بين مدينة الباب وشرقي مدينة حلب، حيث فقد التنظيم بهذا التراجع موقعاً هاماً وخط إمداد الأرتال والمؤازرات العسكرية نحو جبهات مدينة الباب. وبعد الشماوية، سيطرت قوات درع الفرات، أمس السبت، على مناطق جديدة في محيط بلدة بزاعة. يأتي ذلك بعد أن سيطرت قوات "درع الفرات"، يومي الخميس والجمعة الماضيين، على عدة قرى شرق المدينة مثل بلدة بزاعة، الغجران، العواصي، اللواحجة الغوز وأبو الزندين والحساني، ما يضيق الخناق أكثر على عناصر التنظيم.


من جهتها، بدأت قوات النظام السوري بقيادة العقيد سهيل الحسن، الملقب بـ"النمر"، والذي يصوره إعلام النظام كـ"بطل الجبهات الكبرى"، منذ منتصف الشهر الماضي، عملية عسكرية من الريف الجنوبي الغربي لمدينة الباب، تمكنت فيها من السيطرة على أكثر من 15 قرية من يد "تنظيم الدولة"، في سعيها للوصول أيضا إلى مدينة الباب، وتثبيت النظام السوري نفسه كلاعب رئيسي في المعادلات العسكرية والسياسية في شرق البلاد، بعد استعادة قواته السيطرة على الشطر الشرقي من مدينة حلب. وقد وصلت قوات النظام إلى أطراف قرية أبو جبارة، وسيطرت على الطريق الواصل بين القرية وبلدة تادف الملاصقة لمدينة الباب، وهي الجهة الوحيدة التي لا تشتبك فيها فصائل درع الفرات مع التنظيم. وجاءت التطورات في هذا المحور، بعد أسابيع من حملة مشابهة بدأتها قوات النظام من محور غربي الباب، وسيطرت فيها على العديد من القرى والبلدات على محور النيربية. إلا أن تقدم قوات النظام في هذا المحور توقّف بعد أن وصلت إلى مناطق سيطرة قوات "درع الفرات". وفيما يُبدي التنظيم مقاومة عنيدة في وجه قوات درع الفرات، فقد أظهر تراخياً ملحوظاً أمام قوات النظام التي استحوذت، خلال فترة وجيزة، على قرى كثيرة فيما يشبه الاستلام والتسليم، وفق ما يصف معارضون سوريون. وأبرز المناطق التي سيطر عليها النظام والمليشيات الحليفة له، هي: قرى أعبد، برلهين، طومان، الشيخ دن، عفرين، الصفة، مران، شامر، صوران، دير قاق، المشيرفة، خربشة، تل رحال، سليمة، السربس، الحسامية، أم العمد، الدرعية، الدكرلي، خان حفيرة، المديونة، قرية البريج، وكلها في ريف الباب الجنوبي الغربي.
 



ويرى عسكريون أن التقدم السريع للنظام قد يكون سببه الرئيسي ارتياحه، بعد خروج مقاتلي المعارضة من حلب وهدوء جبهات الريف الغربي لحلب نتيجة الخلافات بين الفصائل هناك، فضلاً عن حشد "تنظيم الدولة" قواته ضد "درع الفرات" وعدم التمسك بالمناطق أمام هجمات النظام، بينما يستخدم النظام في تقدمه سياسة الأرض المحروقة، من خلال التغطية الجوية والنارية الكثيفة. هذا التقرب بين قوات النظام وقوات درع الفرات يجعلهما على حافة المواجهة إذا قررت قوات النظام المضي قدماً نحو الباب. وفي هذا الصدد، يقول القيادي في أحد مكونات درع الفرات، "لواء المعتصم"، مصطفى سيجري، إن "قواتنا لا تزال تحاول تطويق المدينة من جميع الجهات"، بغية قطع الطريق على ما يسميه سيجري "المليشيا الإيرانية"، في إشارة إلى قوات النظام وحلفائها. وعن إمكانية التصادم، يجيب سيجري، رداً على سؤال لـ"العربي الجديد"، أنه "لا يوجد ما يمنع من المواجهة في حال حاولت المليشيا الإيرانية السيطرة على مدينة الباب".

من جهته، أعرب المحلل السياسي التركي اوكتاي يلماظ، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن هناك تفاهمات بين تركيا وروسيا بشأن تجنب تصادم قوات الجانبين في هذه المنطقة وغيرها. واعتبر يلماظ أن تحرك قوات النظام باتجاه الباب هو مجرد استفزاز وتهديد لقوات درع الفرات، لكنه استبعد وقوع تصادم بين الطرفين، إذ "لا نية لتركيا لمثل هذا التصادم، وربما لا مصلحة للنظام السوري فيه أيضاً، لأنه لو حصل التصادم، فلن يقتصر على مدينة الباب، بل سوف يمتد إلى المناطق الأخرى، وستكون له عواقب عسكرية وسياسية، ولا يستطيع النظام أن يأخذ هذا الموضوع على عاتقه، ولا بد له من الرجوع إلى روسيا" على حد تعبير المحلل التركي. وبشأن إمكانية التعاون بين تركيا والنظام السوري في السيطرة على مدينة الباب أو إدارتها، لا يستبعد يلماظ "حلولاً وسطى بهذا الشأن، مثل تعيين شخصيات مقربة من النظام في إدارة المدينة" بعد تحريرها من "داعش".
 

ويرى مراقبون أن النظام السوري يدرك أن سيطرته على مدينة الباب تعني فتح قنوات إضافية مع الولايات المتحدة التي تضع نصب عينيها أولوية القضاء على "داعش". لكن الاعتقاد السائد حتى اللحظة أن النظام يهدف من تقدمه نحو مدينة الباب، خلط الأوراق، ولا سيما بعد مشاركة الروس للأتراك بعمليات القصف الجوي في تلك المنطقة، وذلك بهدف التشويش على هذا التعاون، وإعاقة إكمال عملية درع الفرات، فضلاً عن تأمين مواقعه في مطاري كويرس ورسم عبود. وتعتبر الباب كبرى مدن ريف حلب الشمالي الشرقي لجهة عدد السكان، واتساع رقعة ريفها الجغرافية، ويبلغ عدد سكانها نحو 100 ألف نسمة، فضلاً عن حوالي 150 ألف نسمة منتشرين في نحو 150 بلدة وقرية، تتبعها وتقع حولها، وأكبرها مدينة تادف، التي تقع جنوباً على بعد كيلومترات عدة، ويربو عدد سكانها على نحو 30 ألف نسمة.