طغى التشاؤم على مجريات اليوم الثالث من مفاوضات جنيف السورية، أمس السبت، بعد بروز تناغم واضح بين المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، ورئيس وفد النظام بشار الجعفري، في توظيف الهجمات في حمص لتبرير الفشل المحتمل للمفاوضات.
"لا أظن بأن شيئا سيتغير هنا، ولا أثق بأن جنيف سينتج عنها شيء. النظام السوري ماض في طريقه وحله العسكري ليس إلا"، هكذا علق الكاتب السوري، عمر كوش، في حديث مع "العربي الجديد".
بدوره اعتبر، عضو وفد الائتلاف المعارض، الأمين العام لمجلس تركمان سورية، زكي مصطفى، أن "لا شيء سيتحرك، طالما أن القوى العظمى لم تتخذ بعد قرارا بأن سورية يجب أن تشهد حلا لمأساتها. لقد حدثت تدخلات دولية عقدت المسألة في سورية. الروس بكل ثقلهم يضغطون على دي ميستورا لتمييع ما يجري هنا".
عدم التفاؤل هو ما ذهب إليه أيضا عضو "منصة القاهرة" وممثل شباب الحراك الثوري، فراس الخالدي، الذي قال لـ"العربي الجديد": "ربما تكون نية دي ميستورا صادقة، لكنه أدخل نفسه في تكتيكات خاطئة بدل انشغاله بقضية الشعب السوري".
وأضاف "وجّه دي ميستورا دعوة لنا، وكان يجب أن تستغل الفرصة لتنفيذ ما دعينا إليه بالدخول مباشرة في عمق قضية الحل السياسي والانتقال نحو نظام سياسي آخر في سورية بطريقة تحفظ سورية مستقبلا من التشرذم وسقوط بيد مليشيات النظام الحالي الآتية عبر الحدود... فنحن نثق بأن السوريين الذين يحملون السلاح، حال الانتقال إلى نظام آخر سينتهي عملهم المسلح ودورنا جميعا كمعارضة".
مأزق حقيقي إذا هو الذي عاشته معظم الوجوه السورية، من كل الاتجاهات، لا سيما وفد النظام، الذي بدا مأزوماً منذ ما قبل الجلسة الافتتاحية، وبعدها حين ألغى مؤتمراً صحافياً في داخل مبنى الأمم المتحدة ، ليكتفي ممثله بشار الجعفري ببضع كلمات عن "الإرهاب وورقة دي ميستورا".
حمل مساء السبت ما حملته ساعات صباحه البارد في جنيف، وتعليق والتقاط كتاب وصحافيين ومراقبين على ما وصفوه بـ"انفراج أسارير النظام السوري على وقع عملية تفجير حمص". الجعفري "خبط خبطته" بحسب تعبير أحد الكتاب السوريين، حين كان يستمع إلى الجعفري عائداً إلى "خطابه المعهود وإطلاق التهم بالإرهاب بالجملة".
بانتظار المؤتمر الصحافي لوفد المعارضة السورية، الذي تأخر عن موعده، كان صحافيون ومراسلون عرب يتهكمون على "خطاب الجعفري"، لا سيما حين بدأ يوزع تهم الإرهاب مرة أخرى على دول شرقا وغربا.
في المقابل، قدم وفد المعارضة خلال مؤتمره الصحافي شرحاً تفصيلياً معززا بالصور من القصف الجوي على مناطق سورية في اليوم ذاته الذي كان فيه الجعفري "غير آبه بمثل هذه العلميات الإرهابية" كما وصفها رئيس وفد المعارضة، نصر الحريري، في تعقيبه على أسئلة الجعفري.
وبدا الحريري حازما في "إدانة كل عمل إرهابي فوق أراضينا وأراضي غيرنا"، في رده على أسئلة الصحافيين. وحين سئل عمن يقصد بالإرهابيين، أوضح "من إرهاب الدولة الذي يمارسه النظام والدول الداعمة له ومليشياتها إلى "داعش" و"القاعدة" و"النصرة"".
وفي الوقت الذي بدا المشهد عودة على بدء، وكأن صفرا كبيرا بصدد التشكل في جنيف، فإن كرة ثلج كبيرة كانت تتشكل منذ قدوم الوفود يوم 22 فبراير/ شباط وتخبط دي ميستورا ومكتبه، حتى في انعدام جداول ومواعيد واضحة.
"التخبط" سيد الموقف، حتى في الكواليس، ثمة قيادات من المفترض أنها ستكون "النواة الصلبة" على طاولة التفاوض تستخدم التعبير لوصف ما يجري... وما جرى خلال الأيام الماضية من عمر "جنيف 4" الذي يبدو أنه لم يبدأ.
"ربما لن يكون هناك نتيجة. أما لماذا حضرنا فلأننا لن نعطي النظام فرصة لننسحب نحن أو نرفض الحضور، لا شيء نخسره إن لم نكسب شيئا، سياسيا على الأقل، لكننا حريصون بنفس الوقت حرصا جديا على أن نرفع العذاب عن شعبنا نوقف آلة الموت في عموم بلدنا"، يقول مفاوض سوري معارض لـ"العربي الجديد".
أما ممثل "منصة القاهرة" للمعارضة السورية، جمال سليمان فقال لـ"العربي الجديد" "نحن بكل وضوح مع كل ما من شأنه أن ينهي مأساة شعبنا، القضية ليست قضية شخص، بل الانتقال من نظام استبدادي إلى نظام ديمقراطي تعددي يحفظ وحدة الأرض والشعب ويعطي الجميع حقوقهم". وأضاف "بالتأكيد لسنا هنا للسياحة. جئنا بالفعل لإيجاد حل ينقل سورية إلى المستقبل وينهي نظام الاستبداد".
وبحسب ما أفاد أحد المصادر "ثمة عقدة في منصة موسكو، وليست في منصة القاهرة... وقال "هؤلاء (موسكو) لا يريدون سماع حتى كلمة ثورة، ولا ندري كيف يمكن أن يعدهم دي ميستورا ممثلين لشعب ثائر على نظام حكم. هم يتحدثون عن أزمة وليس ما يرونه من تهجير نصف الشعب وتدمير مدنه بسبب ثورة شعبية يقمعها نظام ديكتاتوري. أية أزمة هذه التي تجعل شخصا مسؤولا عن سفك دماء ملايين السوريين مقبول أن يبقى رئيسا، ألا يكفيه 17 سنة من الحكم؟".
في المحصلة، يرجّح أحد كبار مسؤولي الإعلام في المعارضة السورية في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "الأمر سيستمر هكذا حتى يوم الجمعة. بطبيعة الحال، دي ميستورا يعرف أنه دعا الوفود حتى السادس من هذا الشهر، بمعنى آخر ستظل حالة التسويف والمماطلة هكذا، وهذا أمر غريب لم يحدث في المؤتمرات السابقة، إلا إذا أتت أوامر بأن يحسم الموقف مع وفد النظام... لأنه من جهتنا لا مشكلة على الإطلاق أن نبدأ منذ الغد الدخول في صلب الموضوع... 2254 وبيان جنيف1".