صحة بوتفليقة... سقوط طموح الولاية الخامسة وتساؤلات مستقبل الحكم

22 فبراير 2017
تساؤلات حول قدرة بوتفليقة على إدارة البلاد (Getty)
+ الخط -



عودٌ على بدء في قصة مرض الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، وهذه المرة أدى إلى إلغاء زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي كانت مقررة أول من أمس الإثنين إلى الجزائر، بسبب إصابة بوتفليقة بوعكة صحية جديدة والتهاب في الشعب الهوائية، حرصت الرئاسة الجزائرية على التقليل من تداعياتها، وأكدت أن الرئيس الجزائري متواجد في البلاد، بما يفيد بأن إصابته لم تستدع نقله إلى الخارج، لمنع أية تأويلات إعلامية قد تصاحب ذلك.
كما أعلنت الحكومة الجزائرية أمس الثلاثاء أن رئيس الوزراء عبد المالك سلال أجرى اتصالاً هاتفياً مع ميركل وذلك بعد يوم واحد من تأجيل زيارتها إلى الجزائر. وأكدت رئاسة الحكومة في بيان، أن "المستشارة الألمانية جددت كامل استعدادها لزيارة الجزائر وذلك في أقرب الآجال". ووفق البيان "أبدت ميركل ارتياحها لتطور العلاقات الثنائية ورغبتها في أن تتعزز هذه العلاقات أكثر فأكثر لا سيما في المجال الاقتصادي". وأفاد بيان بأن المباحثات بين سلال وميركل تطرقت إلى "التعاون في مجال محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وتم الاتفاق في هذا الصدد على تعزيز كافة الإمكانات والقدرات للقضاء على هاتين الظاهرتين في إطار الاتفاقيات التي تربط البلدين".
أما في الداخل الجزائري، فقد قضت الوعكة الصحية الأخيرة التي ألمّت ببوتفليقة، على طموحات جزء من الطيف السياسي والكارتل المالي المحسوب على الرئيس، في التمهيد المبكر والدعاية لتوجه بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة منذ العام 1999، والثانية وفقاً لنصوص الدستور الجديد الصادر في السابع من فبراير/شباط 2016. إذ كان هذا الطيف السياسي قد بدأ في الأشهر الأخيرة في الترويج والدعاية السياسية لولاية خامسة لبوتفليقة في الانتخابات المقررة بداية سنة 2019، تزامناً مع تحسن وضعه الصحي في الفترة الأخيرة، بما سمح له بالقيام للمرة الأولى منذ آخر نزول ميداني له في مدينة تلمسان غربي الجزائر في ديسمبر/كانون الأول 2012، بتفقد ميداني لمنشآت جديدة، بينها أوبرا الجزائر وقصر المؤتمرات والمسجد الأعظم.
واستناداً إلى هذه التطورات، أعلن الأمين العام لحزب "جبهة التحرير الوطني" جمال ولد عباس، قبل أسبوعين أن الحزب سيرشح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة. كما أعلن حزب "التجمّع الجمهوري" الذي يقوده الوزير السابق المكلف بالجالية بلقاسم ساحلي أن حزبه سيدعو بوتفليقة إلى الترشح لولاية رئاسية جديدة في العام 2019. كذلك قال رئيس حزب "تجمّع أمل الجزائر" وزير النقل السابق عمار غول، إن حزبه لن يتخلى عن دعم بوتفليقة في الاستحقاقات السياسية المقبلة، فيما أعرب وزير التجارة السابق والأمين العام لحزب "الحركة الشعبية" عمارة بن يونس عن استعداد الحزب لترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، وهو الموقف نفسه الذي عبّرت عنه عدة تنظيمات مدنية.


لكن هذه المواقف السياسية الأخيرة لأحزاب السلطة، وفق متابعين للشأن السياسي في الجزائر، لا تخرج عن تجديد التزام سياسي لهذه الأحزاب مع بوتفليقة، وأن طموحها في ترشيح الرئيس الجزائري لولاية خامسة بشكل مبكر، ومن دون أية اعتبارات لوضعه الصحي ومدى قدرته الفعلية على مواجهة أعباء الحكم في ما بعد 2019، ليست سوى مواقف استباقية تعبّر عن رغبة هذه الأحزاب في الإبقاء على استفادتها من ريع السلطة بأشكال مختلفة. كما تشير هذه المواقف إلى تخوّفها في المقابل من أية تغييرات في هرم السلطة، لا تضمن معها أن تتكيف مع طبيعة هذه التغيرات، وبما قد يكلفها رصيدها ويفرض عليها كلفة سياسية جديدة، خصوصاً أن المتحكم الرئيس في قواعد اللعبة السياسية في الجزائر، جهاز الاستخبارات، لم يعد لاعباً رئيساً وقادراً على ضبط تفاصيل المرحلة السياسية المقبلة. كما أن توسع المعارضة السياسية وصعوبة الوضع الاقتصادي والاجتماعي لا يلعب لصالح أحزاب السلطة.
غير أن الدعوة إلى ترشيح بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، على الرغم من وضعه الصحي الراهن، تتجاوز بكثير الواقع السياسي الداخلي والمتغيرات الإقليمية التي باتت تتطلب حضوراً أكبر لمؤسسة الرئاسة وللرئيس، خصوصاً أن مؤسسات الحكم في دول غربية باتت تُعبّر منذ فترة عن قلقها من غموض مصير رئيس في الجزائر تبحث معه القضايا المركزية ذات المصالح والتقاطعات المشتركة في الجزائر. كما أنها تتزامن مع حملة غربية وسلسلة من التقارير التي تتحدث عن أفق سياسي غير واضح للجزائر، في ظل مرحلة حكم غامضة لا تبرز فيها ملامح المؤسسة الحاكمة بشكل واضح. وفي هذا الوضع، فإن المؤسسة الرسمية في الجزائر التي أبدت قلقها في الفترة الأخيرة من سلسلة التقارير الغربية ومضمونها، لم تعد قادرة في الوقت نفسه على إقناع الرأي العام المحلي في البلاد بإمساك بوتفليقة بمقاليد الحكم. فمنذ إبريل/نيسان 2013 يثير الرأي العام في الجزائر تساؤلات عن الغياب السياسي لبوتفليقة ومدى قدرته على إدارة شؤون البلاد والقيام بصلاحياته الدستورية، وعن الأطراف الفاعلة التي تشترك في إدارة الحكم، خصوصاً أن تضارب المصالح والصراعات التي حدثت في فترة الأخيرة بين وزراء في الحكومة، زادت من شكوك الرأي العام.
وبالتوقيت السياسي، فإن الوعكة الصحية الأخيرة، تتزامن مع استعداد البلاد لانتخابات برلمانية مقبلة مقررة في الرابع من مايو/أيار المقبل، غير أن المعارضة لم تعلق كثيراً على الوعكة الصحية الأخيرة للرئيس، والتي أدت إلى تأجيل زيارة ميركل، مقارنة مع المواقف الحادة التي عبّرت عنها قوى المعارضة عقب الوعكة الصحية التي ألمّت بالرئيس الجزائري في إبريل/نيسان عام 2013، إذ كان يعاني من آثار جلطة دماغية حادة ألمت به واستدعت نقله حينها على وجه السرعة إلى باريس، ومكث بسببها في مستشفى فال دوغراس الباريسي لمدة 81 يوماً. وحينها كانت المعارضة تطالب بتطبيق المواد الدستورية التي تنص على شغور منصب رئيس الجمهورية، بحجة عدم قدرة بوتفليقة على القيام بصلاحياته الدستورية، لكن المعارضة اليوم تبدو منشغلة أكثر بالاستعداد للانتخابات البرلمانية المقبلة.