لاءات حفتر تحوّل "الاتفاق" الليبي بالقاهرة لحبر على ورق

16 فبراير 2017
مصر كانت وعدت السراج بتليين موقف حفتر (علي بالكشي/الأناضول)
+ الخط -


على الرغم من الوساطات العربية والدولية لعقد لقاء مشترك بين كل من رئيس حكومة الوفاق الليبية، فائز السراج، من جهة، وقائد القوات التابعة لمجلس النواب في طبرق، اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، من جهة، إلا أن الأخيرين رفضا لقاء السراج علناً، خلال المحاولات التي جرت على مدار يومين في العاصمة المصرية القاهرة وقادها رئيس أركان الجيش المصري، محمود حجازي، المكلف، من رئاسة الجمهورية، الإشراف على الملف الليبي ووزير الخارجية سامح شكري.
وقالت مصادر دبلوماسية مصرية، إن السبب الذي أفشل الجهود المصرية لإجراء اللقاء المشترك، يرجع إلى غضب حفتر من المبادرة التي طرحها السراج، والتي تقضي أن يكون حفتر وزيراً للدفاع ومعه قادة عسكريون ممثلون لكافة المناطق الليبية. وأشارت المصادر إلى أن حفتر رفض الاعتراف بقادة تلك المناطق، مؤكداً أنها مجموعات مسلحة خارجة على الشرعية وعليها تسليم أسلحتها بدلاً من الاعتراف بها وضمها إلى الكيان الرسمي للدولة.
وكشفت مصادر مقربة من المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق لـ"العربي الجديد"، أن السراج غادر القاهرة متوجهاً إلى طرابلس على عجل بعد أن وصله رفض حفتر مقابلته بشكل مباشر. وقال أحد المصادر لـ"العربي الجديد" إن "مرافقين للسراج في الوفد كانوا بدأوا بالوصول إلى مكان اللقاء مع حفتر، ليجري الإعلان بشكل مفاجئ أن حفتر رفض اللقاء، مما دفع السراج للتوجّه إلى المطار فوراً ومغادرة القاهرة، في إشارة لانزعاجه من فشل جهود القاهرة التي كانت وعدته ببذل جهدها لتليين موقف حفتر". لكن صحيفة مقربة من حفتر سربت، أمس الأربعاء، أنباء عن أن حفتر أرسل للسراج رسالة شفهية قال فيها: "سنلتقي في الميدان، والحسم العسكري هو الخيار"، معلناً رفضه المضي في المشاركة في أي تشاور أو تفاهم حول جيشه.
بينما قال عبدالحميد الصافي، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح، إنه حضر إلى القاهرة على رأس وفد برلماني لإجراء محادثات مع المسؤولين في القاهرة لبحث الأزمة الليبية والوصول إلى حل سياسي يسهم في استقرار الوطن. ولفت إلى أن عقيلة صالح أكد تمسكه بالثوابت الأساسية للوصول إلى وفاق سياسي على أن يقوم كل إقليم بترشيح ممثل عنه ولهم الحق في اختيار رئيس حكومة جديد، وألا يقتصر الأمر على تعديل في الحكومة الحالية.
أما عن البيان الختامي الذي خرج في أعقاب اللقاءات المنفردة التي أجرتها اللجنة المصرية لمتابعة الملف الليبي، فقالت مصادر مصرية دبلوماسية إنه "جاء لحفظ ماء وجه الجانب المصري، خصوصاً في ظل انعقاد آمال واسعة على عقد لقاء مشترك بين كافة أطراف الصراع الليبي للتأكيد على الدور المصري في القضية الليبية".


وأعلنت اللجنة الوطنية المصرية لمتابعة الملف الليبي في بيانها، ليل الثلاثاء عقب انتهاء اللقاءات، الاتفاق حول ما سمته مجموعة من الثوابت والمبادئ، أولها تشكيل لجنة مشتركة مختارة من أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة وبحد أقصى خمسة عشر عضواً عن كل مجلس، للنظر في القضايا التي سبق التوافق على تعديلها في الاتفاق السياسي، والتوصل إلى صيغ توافقية لمعالجتها، ثم رفعها إلى مجلس النواب الليبي لاعتمادها وفقاً لما هو منصوص عليه في الاتفاق السياسي الليبي.
ثاني المبادئ التي تم الاتفاق عليها، هو قيام مجلس النواب بإجراء التعديلات الدستورية اللازمة لتضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري، وذلك في إطار معالجة كافة القضايا العالقة في إطار صيغة توافقية شاملة تصدر عن مجلس النواب بعد الاتفاق عليها في إطار اللجنة المشكلة من المجلسين.
وثالث تلك الثوابت، العمل على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في موعد أقصاه فبراير/شباط 2018، اتساقاً مع ما نص عليه الاتفاق السياسي الليبي. ورابعها استمرار جميع شاغلي المناصب الرئيسية في ليبيا، والتي سيتم الاتفاق عليها وفقاً للإجراءات المشار إليها أعلاه، ولحين انتهاء الفترة الانتقالية وتولي الرئيس والبرلمان الجديدين مهام عملهما في 2018.
تجدر الإشارة إلى أن السراج كان قد أكد نهاية يناير/كانون الثاني الماضي أن لقاءً قريباً سيجمعه مع حفتر في القاهرة، من دون تحديد تاريخ. وكان رئيس حكومة الوفاق التقى حفتر في مقر قيادته في مدينة المرج بالشرق الليبي في يناير/كانون الثاني 2016 بعد أيام قليلة من تعيينه رئيساً للحكومة.
ويرى مراقبون للوضع الليبي في قراءتهم لبيان الخارجية المصرية، أن مصر سعت لـ"تجميد المشهد الليبي لصالح حفتر" عندما دعت في إحدى فقرات بيانها إلى استمرار شاغلي المناصب السيادية في ليبيا في أعمالهم إلى حين الوصول إلى انتخابات برلمانية في فبراير/شباط من العام المقبل. ويشير هؤلاء إلى أن القاهرة التي استحوذت على قيادة المبادرة الثلاثية لدول الجوار الليبي، لم تَحِد عن مسارها المؤيد لحراك حفتر العسكري، فهي تعلم جيداً أن السراج يترأس مجلساً يتألف من أعضاء يمثلون كافة التوجهات الليبية غير المتوافقة، كما أنه لا يسيطر على أكثر من قاعدة بوستة مقر حكمه في طرابلس، وبالتالي فأي نتائج يفرزها اللقاء مع حفتر لن تكون ملزمة للأطراف المعارضة له وعلى رأسها مصراتة ذات الوزن العسكري والسياسي الأكبر والمؤثر في غرب البلاد.
ولم تقم القاهرة بإرسال دعوة لأطراف في طرابلس ومصراته إلا في وقت متأخر وبعد مضي 24 ساعة على وجود السراج وحفتر في القاهرة، ليأتي الرد من ثلاث شخصيات تمثّل المجلس الأعلى للدولة ومصراته برفض وجود حفتر لوحده متحكماً في منصب القائد العام للجيش، وبالتالي لتظهر الأطراف المعارضة لحفتر وكأنها المعرقلة لجهود القاهرة.
كذلك فإن القاهرة تعلم أن تشكيل لجنة مؤلفة من ثلاثين عضواً، نصفهم يمثل البرلمان والآخرون يمثلون المجلس الأعلى للدولة، لتحديد المناصب السيادية، هو مقترح لن يكون قابلاً للتنفيذ، لا سيما أن البرلمان لم يستطع، منذ أكثر من عام، عقد جلسة بنصاب قانوني، بالإضافة لفشله في الاجتماع، منذ شهر، لاختيار لجنته الجديدة الممثلة له في جلسات الحوار السياسي. كما أن البرلمان لا يعترف بالمجلس الأعلى للدولة ويعتبر أن قرار تشكيله غير قانوني وأن من يشغله الآن القافزون على السلطة من أنصار التيار الإسلامي المعارض لمؤسسة الجيش التابعة له في طبرق.