تنحية مبارك... إنقاذ النظام العسكري باسم تلبية مطالب الثورة

11 فبراير 2017
محاولات لتحسين صورة جمال وعلاء في الإعلام(أحمد الملكي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد مرور 6 سنوات على إعلان تنحّي الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في 11 فبراير/شباط 2011، بعد 18 يوماً من التظاهرات الشعبية المطالبة برحيله عن السلطة، تبدو الدولة المصرية العميقة محافظة على تقاليدها الموروثة، منذ تدشين نظام الحكم العسكري في يوليو/تموز 1952، مع اختلاف موازين القوى داخل الدولة لصالح الجيش ومخابراته وأجهزته المعاونة، على حساب أجهزة أخرى، كانت رائدة في المشهد السياسي الداخلي في عهد مبارك، كالاستخبارات العامة والداخلية.

ويرى مراقبون أن تنحي مبارك، الذي تم بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بقيادة المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان وعدد آخر من القيادات، أبرزهم مدير الاستخبارات الحربية اللواء (آنذاك) عبد الفتاح السيسي، كان عقاباً لمبارك على اختياره مدير الاستخبارات العامة اللواء عمر سليمان، على مدار نحو ربع قرن، نائباً لرئيس الجمهورية، في وقت كان الثوار بدأوا يقتنعون بأنه لا أمل في أي إصلاح باستمرار مبارك، حتى وإن تخلى عن حلم توريث الحكم لنجله جمال، وهو الحلم الذي كان يرفضه المجلس العسكري بشدة.

وينطلق المراقبون، أصحاب هذه الرؤية، من حقيقة الخلاف التاريخي والدائم بين الذراعين الرئيسيين لمبارك في آخر عقدين من حكمه، طنطاوي وسليمان، وتنافسهما على إدارة المشهد، وجني المكاسب السياسية، في ظل تصاعد الخلافات الشخصية بينهما، لدرجة معرفة معظم المسؤولين الأمنيين والتنفيذيين بهذا التنافس. وبدأ التنافس بين طنطاوي وسليمان في الأساس على منصب نائب رئيس الجمهورية، واستطاع مبارك إطالة أمد التنافس بعدم حسم هذا الاختيار لمدة 29 سنة كاملة، إذ كان يرفض دائماً أن يسمي نائباً له، ربما لنقص ثقته في الإثنين، وربما تلبية لمشروع التوريث، ونقل السلطة من الجيش إلى الفريق المدني النيوليبرالي، الذي يقوده نجله جمال، بمساعدة رجل الأعمال، أحمد عز، الذي كان مبارك يرى أنه الأجدر بالإدارة، لكنه فشل في التقريب بينه وبين الجيش.

وبحسب مصادر عسكرية وحكومية نافذة، كانت قريبة من الكواليس في العقد الأخير من حكم مبارك، فقد كان طنطاوي يجاهر، في الاجتماعات الرسمية والجلسات الحكومية، بنقد ممارسات فريق جمال مبارك، ومعارضة توجهاته التي كان سيترتب عليها حصر دور الجيش في الحماية العسكرية للدولة وتوسيع دور رجال الأعمال والمستثمرين الأجانب في النشاط الاقتصادي، بما في ذلك منحهم مساحات شاسعة من الأراضي التي وضع الجيش يده عليها، في فترة ما بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بدعوى أهميتها الاستراتيجية. كما عارض طنطاوي صراحة، خلال جلسات حكومة أحمد نظيف، مشروعات خصخصة التأمين الصحي والمستشفيات الحكومية. وترى المصادر أنه لم يكن في ذهن طنطاوي والمجلس العسكري، آنذاك، أن يتدخل الجيش كما يحدث حالياً في جميع أوجه الاقتصاد، لكنهم كانوا غير مرحبين بتسليم مرافق الدولة لرجال الأعمال، ووضعوا العراقيل أمام حصول المستثمرين المحليين والأوروبيين على أراض لإقامة المنتجعات، أو محطات توليد الكهرباء الخاصة أو الطاقة المتجددة، وهي الأنشطة التي عاد السيسي بعد سنوات وسمح بها، لكن تحت رقابة عسكرية كاملة. وتكشف المصادر أن رفض طنطاوي لهذه التوجهات بلغ حد "سب" رئيس الوزراء وأحمد عز في إحدى الندوات التثقيفية للجيش، في خريف عام 2010، تعليقاً على عملية تزوير آخر انتخابات لمجلس الشعب في عهد مبارك، ووصفهم بأنهم "هيودّوا البلد في داهية"، لكنه استدرك "بس إحنا مش هنسمح بكده (لكننا لن نسمح بذلك) وهنحافظ على الدولة".


وفي المقابل، كان عمر سليمان يبدي مرونة في التعامل مع مشروع التوريث، ربما لشعوره بأنه لن يضر به وبطموحاته. فمن ناحية كان مبارك يعطيه مساحة واسعة للتحرك داخلياً وخارجياً، ومن ناحية أخرى كان سليمان يؤمن بأن النظام لن يتعرض إلى ثورة شعبية أو انقلاب عسكري، وبالتالي فإن أي عملية انتقال سلمي للسلطة ستمثل له فرصة للانقضاض على الحكم، نظراً لما يتمتع به من رصيد شعبي، صنعه الإعلام بخلق هالة من الهيبة والغموض حول شخصه، ولما يحظى به من إدارة كاملة لأجهزة جمع المعلومات.

وتشير الأحداث التي شهدتها أيام ثورة يناير إلى أن سليمان فرض خططه السياسية على مبارك، رغم فشله في التنبؤ مسبقاً بما حدث، فأصبح سليمان المسؤول الأول عن التعامل مع الأزمة، والمفوض باسم مبارك للتفاوض مع السياسيين وقوى الثورة، وصولاً إلى اختياره نائباً للرئيس، وهو ما اعتبره المسؤولون آنذاك نهاية لمشروع التوريث، ونقلاً مبكراً للسلطة إلى عمر سليمان، وهو ما لم يرض عنه طنطاوي وقيادات المجلس العسكري. ويعتبر مراقبون أن تنحية مبارك تحت ستار الاستجابة لمطالب الثوار كانت خطوة ضرورية لاستمرار قيادة الجيش للدولة المصرية، وكانت بداية النهاية لتقليص دوري الاستخبارات والداخلية. وظهر هذا الأمر بوضوح بعد استرداد الجيش الإدارة الكاملة للسلطة التنفيذية، في 3 يوليو/تموز 2013، ثم تولي السيسي رئاسة الجمهورية في 8 يونيو/حزيران 2014، بقيامه بحركة تغييرات واسعة النطاق في الأجهزة الأمنية، وفي القلب منها الاستخبارات العامة وأمن الدولة والرقابة الإدارية، تمثلت في إحالة العشرات من العاملين فيهما إلى التقاعد (خصوصاً من ضباط الشرطة)، وتم الدفع بدلاً منهم بضباط من الجيش، خصوصاً من الاستخبارات الحربية. كما تم الإجهاز نهائياً على ما تبقى من دائرة رئيس الاستخبارات السابق، عمر سليمان، وهي الدائرة التي كانت تتحكم بجهاز الأمن القومي، حتى قيام ثورة يناير.

وتلعب هذه الخلفيات التاريخية دوراً كبيراً في سياسات السيسي الداخلية اليوم، كما تؤدي دوراً في تقارب القيادات المستبعدة وأتباع عمر سليمان في بعض الأجهزة الحساسة مع ما تبقى من المخلصين لنظام مبارك وأسرته. وتشير معلومات متداولة في الأوساط الإعلامية إلى وجود تحالفات سرية بين قيادات مخابراتية سابقة ورجال أعمال كانوا أعضاء في الحزب الوطني المنحل، الحاكم في عهد مبارك، في إطلاق وإدارة بعض المواقع الإلكترونية التي تركز على سلبيات نظام السيسي وتروج لمعارضيه، بالإضافة إلى عقد لقاءات بين قيادات أمنية ومخابراتية سابقة ونجلي مبارك، علاء وجمال، وبعض رجال الأعمال على هامش المناسبات الاجتماعية العامة، كالأفراح ومجالس العزاء، إلى جانب تعمد تحسين صورتهما في الإعلام، وإظهارهما دائماً محاطين بأتباعهما أو المواطنين المحبين لهما. وتتسبب هذه الأمور في قلق السيسي ودائرته المخابراتية-الرقابية، رغم أن القانون يمنع علاء وجمال، وقبلهما والدهما، من ممارسة العمل السياسي لمدة 4 سنوات مقبلة على الأقل، إذ لا يجوز لأي منهم الترشح إلى أي منصب، أو التصويت في الانتخابات، لسابقة صدور حكم قضائي بجناية التربح وإهدار المال العام، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"القصور الرئاسية".