المعارضة السورية أمام امتحان التحضير لجنيف

02 فبراير 2017
المفوض الأممي فيليبو غراندي في حلب أمس(جورج أورفليان/فرانس برس)
+ الخط -



انطلقت التحضيرات التمهيدية لمفاوضات جنيف التي تقرر أن تُعقد في 20 فبراير/شباط الحالي، ومعها وجدت المعارضة السورية نفسها أمام محاولة التفاف على دورها كمفاوض رئيسي، عبر تحذيرات وُجهت لها من تشكيل وفود معارضة إلى المفاوضات عبر الأمم المتحدة وغيرها، وهو ما رفضته الهيئة العليا للمفاوضات، التي شددت على دورها كالمفاوض الأساسي عن المعارضة. في غضون ذلك، تواصل موسكو مساعيها لإعادة "الاعتراف" العربي والدولي بالنظام السوري وهو ما طالب به أمس الأربعاء وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بدعوته عضوية سورية في جامعة الدول العربية.
وبعد أن أعلن لافروف يوم الجمعة الماضي خلال لقاء مع عدد من الشخصيات المحسوبة على المعارضة، عن تأجيل مباحثات جنيف إلى أواخر شهر فبراير/شباط الحالي، أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا من مجلس الأمن أمس الأول الثلاثاء، عن تأجيل مباحثات جنيف إلى 20 الحالي، معطياً المعارضة فرصة أخيرة حتى 8 الحالي لتسمية وفد تفاوضي موحد وإلا سيسميه بنفسه. وأعلن دي ميستورا، في مؤتمر صحافي مساء الثلاثاء عقب تقديمه إحاطة لمجلس الأمن بتطورات الوضع السوري، تأجيل مفاوضات جنيف من 8 من فبراير/شباط إلى 20 منه، مبرراً ذلك بالقول "نريد أن نعطي فرصة لكل من الحكومة (النظام)، كي تلتزم جدياً في المحادثات، والمعارضة... من أجل أن تتاح لها الفرصة لتقديم نفسها بموقف موحد"، محذراً أنه "في حال لم تكن المعارضة جاهزة للمشاركة بوفد موحد بحلول الثامن من فبراير، فسأقوم بتحديد الوفد لجعله شاملاً قدر الإمكان".
ولاقت روسيا تصريح دي ميستورا، إذ قال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إنه في حال "عجز" المعارضة عن تشكيل وفد موحد إلى مفاوضات جنيف، قد تقوم الأمم المتحدة ومجموعة دعم سورية بتحديد تشكيلة الوفد. وقال بوغدانوف للصحافيين في أبوظبي، حيث وصل ضمن الوفد الروسي إلى الدورة الرابعة لمنتدى التعاون الروسي العربي: "إذا كان المعارضون عاجزين عن ذلك، فيمكن للأمم المتحدة أن تعمل بدعم من مجموعة دعم سورية، التي تضم العديد من الدول العربية وتركيا وإيران والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، أن تنسق تشكيلة للوفد تروق للجميع، لكي يمثل هذا الوفد القوى المذكورة في القرار رقم 2254 لمجلس الأمن الدولي". وأضاف أن مفاوضات جنيف ستركز على العملية السياسية، إذ سيجري الحديث عن حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، وقضايا اللاجئين، وإعمار الاقتصاد السوري، ومحاربة الإرهاب، والإصلاح الدستوري، والانتخابات المستقبلية.
وأثارت تصريحات دي ميستورا، استياء العديد من أعضاء كل من الائتلاف الوطني السوري والهيئة العليا للمفاوضات. وقال رئيس الهيئة العليا رياض حجاب، على حسابه الرسمي في موقع "تويتر"، إن "تحديد وفد المعارضة السورية ليس من اختصاص دي ميستورا... أهم ما يجب ان ينشغل به الموفد الأممي هو تحديد أجندة للمفاوضات وفق بيان جنيف".
من جهته، اعتبر نائب رئيس "الهيئة العليا" يحيى القضماني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تصريحات المبعوث الأممي "خطيرة جداً"، قائلاً: "أن يعيّن هو أسماء الوفد المفاوض ولديه تفويض من مجلس الأمن بذلك هذا الكلام خطير؛ فالقرار 2254 يفوّضه بالقيام بمشاورات وليس بتشكيل وفد". وأعلن أن "اتصالات مكثفة تتم حالياً داخل الهيئة لتحديد موعد اجتماع في أقرب وقت، لبحث التطورات الأخيرة وتسمية الوفد المفاوض في مباحثات جنيف المقبلة".
وعلّق القضماني على التناغم بين إعلان لافروف تأجيل جنيف ولحاق دي ميستورا به، قائلاً إن "دي ميستورا منذ البداية يميل لطروحات الروس". واعتبر أن "المشكلة في مسألة الوفد الموحد هي الإصرار على وجود شخصيات بعينها ضمن الوفد، وليس ضمان تمثيل منصات أو قوى"، موضحاً أنه "لا ملامح واضحة إلى الآن للوفد التفاوضي الذي سيشارك في مباحثات جنيف المقبلة".


ويرى متابعون أن الروس يسعون إلى تشكيل وفد يتبنى رؤيتهم لحل الأزمة السورية، التي يبدو أنها تقوم على شراكة مع النظام الحالي، يحتفظ الأخير بالحصة الكبرى والصلاحيات الأقوى، والاكتفاء بوضع دستور جديد. واعتبر القيادي في "هيئة التنسيق الوطنية" وأحد ممثليها في الهيئة العليا للمفاوضات، أحمد العسراوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الهيئة العليا تضم شخصيات من مختلف المنصات والقوى، لكن المشكلة في جلب شخصيات محددة"، معرباً عن اعتقاده بأن "تشكيل وفد موحد لن يرى النجاح في ظل وجود مشكلة الشخصنة والمحاصصة، إذ يعتبر البعض ألا نجاح إلا بوجودهم على رأس الطاولة". وحول مؤتمر أستانة وكيف يمكن أن يُستثمر من قبل الدول الراعية له، رأى العسراوي أن "أستانة فشل حتى اليوم بتحقيق هدفه المتمثل بوقف إطلاق النار"، لافتاً إلى أن "الهيئة ترغب بوجود تمثيل للأكراد ضمن الوفد التفاوضي، انطلاقاً من أنهم جزء من المجتمع السوري ولا يجوز استثناؤهم، لكن أيضاً هناك مشكلات عدة في ذلك منها مثلاً شكل تمثيلهم في ظل وجود أكثر من 35 حزباً، إضافة إلى قضايا تسليحهم وأبعاد مشروعهم".
في سياق آخر، دعا لافروف جامعة الدول العربية إلى إنهاء تجميد عضوية سورية فيها، معتبراً أن إبقاء دمشق بنظامها الحالي خارج هذه المنظومة "لا يساعد" جهود إحلال السلام. وكان لافروف يتحدث في أبوظبي في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط الذي رد بأن هذه المسألة "غير مطروحة حالياً".
كذلك اعتبر وزير الخارجية الروسي أن على الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يكون أكثر تحديداً بشأن اقتراحه بإقامة مناطق آمنة في سورية، لافتاً إلى أن محاولات تنفيذ مثل هذه السياسة في ليبيا "كانت مأساوية". وأعلن أنه يأمل أن تبحث روسيا القضية مع وزارة الخارجية الأميركية بمجرد أن تنتهي من وضع خطط أكثر تفصيلاً عن المناطق الآمنة، لافتاً إلى إنه لا يعتقد مما يعرفه حتى الآن أن ترامب يقترح إقامة مناطق آمنة بنفس الطريقة التي نُفذت في ليبيا عام 2011.
وفي وقت لم يتوقف فيه إطلاق النار بشكل فعلي على الأرض السورية، في ظل استمرار القصف والعمليات العسكرية لقوات النظام والمليشيات الموالية له، والتي كان آخرها تهجير أهالي وادي بردى، يصر المبعوث الدولي والروس على التسويق أن وقف إطلاق النار صامد ومستمر لدى المجتمع الدولي. وأعلن لافروف، أمس أنّ الآلية الثلاثية التي أنشأتها روسيا وتركيا وإيران لمراقبة الهدنة في سورية "قد بدأت العمل"، معتبراً أنّ اتفاق وقف إطلاق النار "صامد بشكل عام".

المساهمون