جنيف السوري.. مماطلة روسيا والنظام بانتظار سوتشي والحسم الميداني

09 ديسمبر 2017
يواصل النظام عملياته العسكرية لتوسيع رقعة سيطرته(عامر الموهباني/فرانس برس)
+ الخط -


حوّل النظام السوري بدعم من روسيا جولات مفاوضات جنيف إلى مضيعة للوقت، مع استمرار تهربه من بحث أي نقاط جدية على طريق الحل السياسي، إضافة إلى حرف الأنظار عن هذا المسار بخلق أحداث قبل كل جولة تفاوضية، في موازاة استمرار مساعيه لتوسيع رقعة سيطرته على المزيد من الأراضي في سورية، وذلك في ظل تراجع دور أطراف دولية كان لها تأثير في تحديد أولويات الحل السياسي في سورية.
وعلى الرغم من إعلان وفد النظام نيّته العودة إلى جنيف يوم غد الأحد للمشاركة في المرحلة الثانية من جولة التفاوض الثامنة التي انتهت مرحلتها الأولى بلا نتائج، إلا أن مصادر في وفد المعارضة الذي لم يغادر معظم أعضائه جنيف حتى الآن، لا تتوقع حدوث أي اختراق خلال هذه الجولة بسبب سياسة التعطيل المتعمّدة التي يتّبعها النظام بالتنسيق مع روسيا.

وقال المتحدث باسم وفد المعارضة المفاوض، يحيى العريضي، إن أي انخراط جدي للنظام في العملية السياسية يعني نهايته، خصوصاً أن هذه العملية تستند إلى قرارات دولية وقّعت عليها روسيا التي لم تنفك تحاول تهميش بيان جنيف الأول باختراع موضوع المنصات من أجل نسف مصداقية المعارضة، وكل ذلك بهدف الهروب من جوهر العملية السياسية. ولفت العريضي في حديث مع "العربي الجديد" إلى أنه مع كل جولة تفاوضية يفبرك النظام حدثاً ما لصرف الانتباه عن الاستحقاقات السياسية، موضحاً أنه في الجولة الحالية "لاحظنا كيف ماطل النظام في الحضور ثم انسحب سريعاً من المفاوضات محاولاً التهرب منها نهائياً، بالتزامن مع تصعيد ميداني خصوصاً في الغوطة الشرقية".
وأعلن أن وفد المعارضة لديه استراتيجية واضحة المعالم "بهدف سحب النظام بكل دقة وصبر إلى العملية التفاوضية"، مشيراً إلى أن النظام "انكشف الآن أمام العالم، وحتى روسيا باتت محرجة من سلوكه ما دفعها لإجباره على العودة إلى المفاوضات".

وأعرب العريضي عن اعتقاده بأن لدى روسيا تفكيراً يتعلق بتهميش مسار جنيف لصالح مسار سوتشي، فمن المتوقع أن يتم تخصيص جولة أستانة المقبلة في 22 من الشهر الحالي للدفع باتجاه سوتشي، على الرغم من أن هذا المسار كان يفترض أن يركز على قضية المعتقلين كما هو متفق عليه مسبقاً مع الأتراك والروس. وأضاف: "يحاولون دفع الأمور باتجاه مسار آخر لا غطاء دولياً له لأنهم لا يريدون الدخول في أي مسار سياسي إلا على طريقتهم بعيداً عن المرجعيات الدولية".

ومع ذلك اعتبر العريضي أن جولة جنيف الحالية حققت إنجازاً هاماً يتمثّل في توحيد رؤية المعارضة إلى حد بعيد بشأن الحل السياسي، مشيراً بشكل خاص إلى أن جلسة يوم الأربعاء مع رمزي رمزي، نائب المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا الذي تغيّب لأسباب خاصة، كانت "غنية جداً وجرى خلالها نقاش معمّق لآليات عملية الانتقال السياسي وعلاقة ذلك مع العناصر الأخرى، خصوصاً الدستور". ولخص ما جرى في الجولة الحالية بأنه يكشف عن مأزق النظام الذي يحاول التهرب من بحث القضايا الأساسية مثلما يكشف عن الأداء العالي لوفد المعارضة في حشر النظام بالزاوية وكشفه أمام العالم.


وإضافة إلى توجيه الاهتمام إلى مسار سوتشي، يسود اعتقاد بأن هدف مماطلة روسيا ونظام بشار الأسد في جنيف، هو كسب الوقت من أجل استكمال سيطرة الأخير على المزيد من الأراضي في سورية في ظل حديث عن انتهاء "مرحلة داعش" وتركيز النظام على محاولة انتزاع ما هو موجود بيد المعارضة من مناطق سواء في محيط دمشق، أو حماة وإدلب ودرعا.

وفي هذا الشأن، قالت عضو وفد المعارضة بسمة قضماني، إن العملية السياسية في جنيف، تجري بناء على قرارات دولية، وليس وفق التطورات العسكرية على الأرض. وأوضحت قضماني في تصريحات صحافية أنه "إذا كانت العملية السياسية في جنيف تتم وفق موازين قوى، فنحن لسنا بحاجة للأمم المتحدة، ومرجعية دولية"، مشيرة إلى أن هناك قرارات صوّتت عليها دول تدعم النظام بما في ذلك روسيا، مثل بيان جنيف 2012 (الخاص بتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات)، والقرار الأممي 2254 (الصادر في 2015 والقاضي ببدء محادثات السلام في سورية). وأضافت: "لا نستطيع بالتالي أن نقول اليوم إن هذه كلها وثائق ليست صالحة لأن الوضع تغيّر على الأرض، وإذا استخدمنا هذا المنطق، فلا الشعب الفلسطيني له حقوق، ولا الشعب السوري له حقوق".

يأتي ذلك، في وقت أكدت فيه مصادر عدة وجود ضغوط دبلوماسية على وفد المعارضة في جنيف لـ"تجميد" مطلب تنحي بشار الأسد. وكان دي ميستورا حض الخميس الوفدين على "الانخراط بجدية في (نقاش) النقاط الاثنتي عشرة" التي سلّمها لكل منهما، بالإضافة الى مواصلة بحث "العملية الدستورية وإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة". وأعلن أنه في المرحلة المقبلة "سنقيّم سلوك كلا الطرفين، الحكومة والمعارضة في جنيف"، وحذر من أنه في حال تبيّن أن أحد الطرفين "يعمل بحكم الأمر الواقع على تخريب العملية (السياسية) وتقدم (محادثات) جنيف، فسيكون لذلك أثر سيئ جداً على أي محاولة سياسية أخرى في أي مكان آخر لإجراء عمليات" مشابهة لجنيف.

وفي سياق آخر، قالت وزارة الخارجية الروسية إن وزير الخارجية سيرغي لافروف بحث الملف السوري مع نظيره الأميركي، ريكس تيلرسون، على هامش اجتماع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، بالعاصمة النمساوية فيينا. وقال البيان، إن الوزيرين بحثا الخطوات الإضافية التي ينبغي اتخاذها لإنهاء الحرب في سورية، وأشارا إلى "أهمية تأسيس عملية تفاوضية مستدامة تضم كافة القوى السياسية في سورية، بما في ذلك مفاوضات جنيف، ومؤتمر الحوار السوري المزمع عقده في سوتشي الروسية" في فبراير/شباط 2018. من جهته، قال لافروف إنه أطلع نظيره الأميركي على التحضيرات لعقد "مؤتمر الحوار الوطني السوري" في مدينة سوتشي، مضيفاً أنهما ناقشا كيفية التواصل بين العسكريين الروس والأميركيين على الأرض في سورية.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صرح قبل يومين بأنه بعد انتهاء العمليات في سورية بالقضاء على "داعش" من المهم البدء بالعملية السياسية، وركز على ضرورة التحضير وعقد مؤتمر الحوار في سوتشي، ومن ثم إعداد دستور جديد، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بموجبه، ولم يشر أبداً في تصريحاته تلك إلى المفاوضات الحالية حالياً في جنيف ولا إلى العملية السياسية هناك بشكل عام. وفي هذا السياق، نقلت وكالة "إنترفاكس" الروسية عن مصدر مطلع أن الدول الضامنة لاجتماعات أستانة، تركيا وروسيا وإيران، ستناقش في أستانة معايير مؤتمر "الحوار الوطني" السوري في سوتشي، وأشار إلى أن الرؤساء الروسي والتركي والإيراني اتفقوا خلال قمتهم أخيراً في سوتشي على الإشراف المشترك على المؤتمر، ما يعني أن الفكرة لم تعد روسية بل ثلاثية.