العام الروسي سورياً: انتصار عسكري وخسارة أخلاقية

01 يناير 2018
بوتين "محتفلاً" مع وزير دفاعه (كيريل كودريافتسيف/فرانس برس)
+ الخط -
على امتداد عام 2017، تراوحت تحركات روسيا في سورية بين تعزيز الجهود الدبلوماسية للانقضاض على مسار جنيف وخلق مسارات بديلة عنه، بدءاً من تكريس محادثات أستانة ومن ثم التمهيد لمؤتمر سوتشي، وبين الآمال في التعاون مع إدارة الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، قبل تلاشيها. ويضاف إلى ذلك، التسابق على السيطرة على آخر معاقل تنظيم "داعش" الإرهابي في الرقة ودير الزور. وانتهي العام بزيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى قاعدة حميميم في سورية، في 11 ديسمبر/كانون الأول الماضي، ليأمر منها بسحب الجزء الأكبر من القوات الروسية، قبل أن يعلَن عن استكمال المرحلة الرئيسية للتدخل العسكري في سورية، مع تثبيت الوجود الدائم بقاعدتي حميميم وطرطوس لـ49 عاماً قابلة للتمديد، والدعوة إلى عقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في منتجع سوتشي، جنوب روسيا، في نهاية يناير/كانون الثاني الحالي، وسط مقاطعة المعارضة.
كما لم يغفل بوتين، في برقية تهنئة وجّهها لرئيس النظام السوري بشار الأسد بمناسبة عيد رأس السنة الميلادية، أول من أمس السبت، التأكيد أن "روسيا ستواصل التعاون وتقديم كل ما من شأنه أن يحافظ على سيادة سورية ووحدة أراضيها، وستعمل على تعزيز المسار السياسي لحل الأزمة، وكذلك ستبذل جهودها لإعادة بناء الاقتصاد السوري". وبحسب بيان للكرملين الروسي، أمس السبت، أعرب بوتين عن أمله أيضاً "في أن تستمر التغيرات الجذرية في سورية للأحسن"، مشيراً إلى أن "الانتصار على الإرهابيين وعودة الحياة الطبيعية إلى سورية، في أسرع وقت ممكن، يخدم أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها".

في هذا الإطار، رأى الإعلامي السوري المعارض المقيم في موسكو، نصر اليوسف، أن "هناك علاقة مباشرة بين قرار سحب القوات الروسية من سورية واقتراب موعد الانتخابات الروسية، في ظل سعي الكرملين إلى الإعلان عن النصر في سورية قبل الاستحقاق الرئاسي". وأضاف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الكرملين يسعى إلى الإعلان عن النصر وإعادة الجنود الذين كانوا يقاتلون على المشارف البعيدة قبل الانتخابات. فعملياً، استكملت روسيا مهمتها الرئيسية بالخطوط العريضة، ووصلت إلى مياه دافئة، وبات لها قاعدتان دائمتان في حميميم وطرطوس، تحميان مصالحها في المتوسط، وتم التصديق عليهما نهائياً، فقررت سحب الفائض من قواتها".

وحول الثمن الذي دفعته روسيا لتحقيق النصر العسكري، لفت إلى أنه "تمكنت روسيا من إعادة تنصيب الأسد، وحققت نصراً مادياً فقط، لا معنوياً أو أخلاقياً، في ظل تورطها في قتل آلاف المدنيين السوريين. فقد مرّ نحو 48 ألف عسكري روسي في سورية، وتدربوا على القتال على اللحم الحي. وحتى الآن، لا يزال القتال في مناطق خفض التصعيد مستمراً، والقصف بالبراميل المتفجرة مستمراً في إدلب. وحتى إذا لم تكن روسيا هي من نفّذ هذه العملية، فإنها لا تُعفى من المسؤولية، لكونها المتحكم الفعلي على الأرض".

واعتبر الإعلامي المعارض أن "شروط بقاء القاعدتين الروسيتين مهينة لسورية"، شارحاً أن "روسيا تستأجر القاعدتين من دون مقابل مادي ولا جمارك، ولا يخضع أفرادهما للقانون السوري. إلا أن الأسد الذي استقوى بروسيا، يوقّع على كل شيء يقترحه بوتين. تتعامل موسكو مع سورية وكأنها محافظة روسية، والمستشارون العسكريون الروس موجودون بكل التشكيلات السورية".

وعن آفاق الحل السياسي وسعي موسكو إلى عقد مؤتمر سوتشي، قال اليوسف إن "روسيا حاولت خلق مسار بديل لجنيف للالتفاف على القرارات الأممية، ولكن المعارضة لم ترضخ، بل حتى ترامب لم يعقد لقاء مع بوتين على هامش قمة (أبيك) في فيتنام. أما سوتشي، فأقصى ما تأمل فيه روسيا، هو تشكيل لجنة مشتركة لإعداد الدستور".



بدوره، ذكّر الخبير في العلاقات الدولية، فلاديمير فرولوف، بأن "روسيا في عام 2017 ركزت جهودها على التوصل إلى تسوية سياسية"، معيداً ذلك إلى "احتياجها إليها لإضفاء شرعية دولية على تدخّلها العسكري المباشر الذي بدأ في 30 سبتمبر/أيلول 2015".

وأضاف فرولوف، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "بدأ تشكيل إطار أستانة بمشاركة تركيا وإيران، بصفتهما اللاعبين الرئيسيين على الأرض، مع تهميش دور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج، وكأنه نجاح دبلوماسي كبير لموسكو. لكن بحلول نهاية العام، تجلى أن إطار أستانة لا يعمل إلا على شاشة التلفزيون الروسي، إذ نسفت دمشق وحلفاؤها الإيرانيون كافة قراراته تقريباً".

وتابع قائلاً إنه "مع تعزيز مواقف الرئيس السوري، بشار الأسد، نتيجة للعملية العسكرية الروسية الناجحة، كان تأثير موسكو على النظام في الانخفاض مقابل زيادة نفوذ إيران التي باتت أكبر المستفيدين من انتصار السلاح الروسي". وحول دوافع موسكو للإصرار على الحل السياسي، قال "تدرك موسكو أنه لا آفاق للحرب حتى النصر، فتسعى إلى تسوية حقيقية لإضفاء شرعية دولية على تدخّلها في النزاع السوري، والحصول على دعم المانحين الدوليين لإعادة إعمار سورية ما بعد الحرب، وإلا ستتحول المناورة السورية إلى عبء من الالتزامات لا تستطيع موسكو تحمّله".

وحذّر فرولوف من أن "الأسد لم تعد لديه أي دوافع للاتفاق على انتقال السلطة، في ظل الدعم الكامل من إيران"، معتبراً أن "التحدي الأكبر أمام موسكو في عام 2018 هو خطر انهيار التسوية السياسية الذي سيقلل من قيمة النصر العسكري".

كما قام بوتين بزيارة مفاجئة إلى قاعدة حميميم، آمراً منها بسحب الجزء الأكبر من القوات الروسية من سورية، في خطوة رآها محللون سياسيون نقطة انطلاق لحملة الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 مارس/آذار المقبل. كما أعلن مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سورية، ألكسندر لافرينتييف، أن "مؤتمر سوتشي يهدف إلى وضع قاعدة للعمل على إعداد الدستور الجديد، وتشكيل جهة معينة ستستعين بالخبراء من مختلف مجموعات المعارضة والحكومة المركزية".