النظام السوري يسقط اتفاقات أستانة... وعينه على أبو الظهور

31 ديسمبر 2017
قصف النظام على ريفي إدلب وحماة لا يهدأ(معاذ يامن/الأناضول)
+ الخط -


باتت اتفاقات أستانة التي حددت مناطق "خفض التوتر" في سورية ساقطة بحكم التطورات على الأرض، مع خرق النظام خط وقف إطلاق النار المتفق عليه بتقدّم قواته في ريف حماة الشمالي الشرقي، مستهدفة الوصول إلى مطار أبو الظهور العسكري، فيما لم يعد ثمة شك لدى المعارضة السورية بأن النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين يسعون إلى نسف ما اتُفق عليه في العاصمة الكازاخية، وسط تخوّفها من تصعيد إضافي على الأرض.

ولا تزال المعارك محتدمة منذ أيام في ريف حماة الشمالي الشرقي، في ظل تقدّم لقوات النظام على حساب فصائل المعارضة، التي تدافع عن مواقعها، موقعة بصفوف قوات النظام خسائر، ولكنها تتراجع تحت ضغط ناري كثيف. وأكدت مصادر مطلعة على سير المعارك في ريف حماة الشمالي الشرقي لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام تجاوزت أمس السبت بالفعل خط وقف إطلاق النار الذي حددته تفاهمات أستانة وسيطرت على بلدة عطشان، وهي غرب سكة الحجاز من طرف أبو دالي. وكان الثلاثي الضامن لاتفاق التهدئة في سورية، المؤلف من روسيا وتركيا وإيران، قد حدّد سكة القطار التي تربط دمشق بمدينة حلب حداً لمنطقة خفض التوتر في شمال غربي سورية، وبذلك تكون قوات النظام قد ضربت اتفاقات أستانة بعرض الحائط.

وأشارت المصادر إلى أن قوات النظام تتقدم على محورين: محور شمال مطار أبو الظهور من جبل الحص في ريف حلب الجنوبي وحققت فيه الجمعة تقدماً جديداً، ومحور جنوب المطار من منطقة أبو دالي. وأوضحت أن محور جنوب المطار "هو الأخطر"، مضيفة: "قوات النظام تريد التقدّم من أبو دالي باتجاه منطقة سنجار ومنها نحو أبو الظهور، كما تريد التقدّم من أبو دالي باتجاه غرب سكة الحجاز نحو مدينة خان شيخون في ريف إدلب".

وأشار الناشط الإعلامي شحود جدوع الذي يواكب الاشتباكات، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن قوات النظام تعتمد أسلوب التمهيد الناري الكثيف لساعات طويلة على القرى قبل أن تدخلها، موضحاً أن هذه القوات تلتف على التجمّعات السكنية الكبيرة من خلال السيطرة على القرى الصغيرة والتلال. ولفت إلى أن قوات النظام سيطرت على العديد من البلدات والقرى منذ بدء المعارك، أهمها: أبو دالي، عطشان، ام خزيم، الدجاج، البليل، قبيبات ابوالهدى، ام حارتين، الطامة، الشطيب، عرفة، دوما، قصر علي، قصر شاوي، ربدة، مشيراً إلى أن هذه القرى تتبع إدارياً لحماة، وبعضها يتبع لمحافظة إدلب.

وأكد جدوع أن مطار أبو الظهور في ريف إدلب الجنوبي الشرقي هو هدف قوات النظام المرحلي، موضحاً أنها تتحرك من محاور عدة باتجاه هدفها المعلن، وهي محور ريف حلب الجنوبي، ومحور الرهجان، ومحور الحص، إضافة إلى المحور الرئيسي وهو من ريف حماة الشمالي الشرقي، مشيراً إلى أن قوات النظام باتت على مسافة تقدر بنحو 50 كيلومتراً عن المطار. ولفت إلى أن ريف حماة الشمالي الشرقي يشهد منذ أيام حركة نزوح كبيرة باتجاه مدن وبلدات وقرى تقع تحت سيطرة المعارضة في محافظة إدلب.

من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن القصف لم يهدأ على ريفي حماة وإدلب طوال ليل الجمعة-السبت، مشيراً إلى أن عشرات الصواريخ والقذائف المدفعية طاولت مناطق التمانعة وسكيك وعطشان واللطامنة وكفرزيتا والخوين، وسط قصف مكثف من الطائرات المروحية بالبراميل المتفجرة وغارات من الطائرات الحربية. وذكر المرصد أن قوات النظام سيطرت على 57 قرية وبلدة ومنطقة منذ بدء المعارك، مشيراً إلى مقتل العشرات من المدنيين بقصف قوات النظام، لافتاً إلى أن طيران النظام ألقى مئات البراميل على بلدات وقرى ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي، ونفذ مئات الغارات. وكانت المعارضة المسلحة قد سيطرت على مطار أبو الظهور الاستراتيجي في سبتمبر/ أيلول 2015، إبان اندفاعتها الكبرى التي كادت أن تطيح النظام لولا التدخل الروسي المباشر.


وفي السياق، أكد الباحث في مركز "جسور" للدراسات، عبد الوهاب عاصي، أن الروس والإيرانيين "تجاوزوا المتفق عليه عموماً في مسار أستانة وهو غرب سكة الحجاز"، متوقعاً في حديث مع "العربي الجديد" انهيار اتفاق أستانة خلال أيام إذا استمرت الأمور على هذا الحال. وأشار عاصي إلى أن "هدف قوات النظام والمليشيات التي تقاتل معها هو السيطرة على شرق سكة الحجاز ومطار أبو الظهور، وهذا مطلب إيراني". كذلك أعرب عن اعتقاده بأن لقوات النظام هدفاً آخر "وهو الوصول إلى مدينة خان شيخون في ريف إدلب لإخفاء معالم جريمة الكيميائي، وهو هدف روسي، لذلك رفضت موسكو تمديد مهمة البعثة الدولية، ورفضت تقريرها الأخير". وكان طيران النظام قد ارتكب في إبريل/ نيسان الماضي جريمة بحق المدنيين في خان شيخون، حيث قتل نحو تسعين مدنياً، وأصيب المئات بغاز السارين المحرم دولياً، وأكدت لجنة التحقيق المشتركة للأمم المتحدة والمنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية أن النظام هو المسؤول عن الجريمة. واستبعد عاصي أن تحاول قوات النظام التقدّم باتجاه مدينة إدلب في الوقت الحالي، مضيفاً: "الأمر ليس بهذه السهولة، سواء سياسياً أو عسكرياً".

وبهذه التطورات، باتت اتفاقات أستانة على محك حقيقي، بعدما أصبح واضحاً أنها لم تكن في الأساس ضمن حسابات النظام، واتخذ منها ذريعة لشراء الوقت والاستعداد للمضي في الخيار العسكري. وفي هذا الصدد، قال رئيس اللجنة العسكرية في وفد قوى الثورة السورية إلى مفاوضات أستانة العقيد فاتح حسون، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "كل ما يقوم به النظام ومعه المليشيات الإيرانية بدعم جوي روسي، هو لنسف كل اتفاقيات أستانة بلا شك"، مضيفاً: "التعامل مع تنظيم داعش وتسهيل دخوله في اشتباكات مع قوى الثوار، بل ومؤازرته جواً والموافقة على تسلله من الطرق المرصودة من قبل النظام والروس، دلالة على مدى الارتباط الوثيق بين هذه الأطراف". وأشار حسون إلى "أن هذا سيؤدي إلى نسف كل الاتفاقيات والتفاهمات" (الخاصة بخفض التصعيد)، معتبراً أن "اتفاقية خفض التصعيد باتت أوهن من بيت العنكبوت".

من جهته، أشار العقيد مصطفى بكور، قائد العمليات في "جيش العزة"، أبرز فصائل المعارضة في شمال حماة، إلى أن اتفاقات أستانة لم يطبق منها شيء في ريف حماة، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "وُلدت ميتة في ريف حماة، حيث لم يتوقف القصف إطلاقاً". وأعرب عن اعتقاده بأن الأمور إلى تصاعد "في ظل تخاذل فصائل أستانة"، مضيفاً: "من المبكر القول إن مدينة إدلب هي هدف قوات النظام".

في موازاة ذلك، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن ست حافلات تنقل مقاتلي المعارضة من منطقة بيت جن في ريف دمشق الجنوبي الغربي وصلت أمس السبت إلى وجهتها في محافظة درعا، وفق اتفاق أبرمته المعارضة و"هيئة تحرير الشام" مع النظام قبل أيام، قضى بخروج مقاتلي المعارضة وعائلاتهم إلى درعا وإدلب. كذلك أكّد ناشطون وصول حافلات أخرى إلى إدلب شمال غربي سورية حملت مقاتلين من "هيئة تحرير الشام" وفصائل تتبع المعارضة السورية مع عائلات اختارت الخروج من منطقة بيت جن ومحيطها خوفاً من عمليات انتقام تقوم بها قوات النظام.

في سياق آخر، عثرت قوات النظام، مساء الجمعة، على مقبرتين جماعيتين تضمان مئات الجثث في ريف محافظة الرقة الجنوبي. وبحسب وسائل إعلام تابعة للنظام، فإن "قوات النظام الموجودة في قرية الواوي الواقعة على بعد 25 كيلومتراً في ريف الرقة الجنوبي، عثرت على مقبرتين جماعيتين تضمان رفاتاً عائدة إلى 200 عنصر من قوات النظام الذين كانوا يقاتلون في الرقة". وذكرت المصادر الإعلامية أنه من المرجّح أن تكون الجثث عائدة لقوات النظام التي كانت تقاتل في مطار الطبقة العسكري، وتمت تصفيتها من قبل تنظيم "داعش" بعد سيطرته على المطار في منتصف عام 2014. وكان تنظيم "داعش" قد سيطر في أواخر شهر أغسطس/ آب من عام 2014 على مطار الطبقة العسكري بعد محاصرة قوات النظام داخله لأشهرٍ طويلة، حيث تمكّن من دخول المطار وتصفية عناصر النظام هناك.

المساهمون