وقال مدير سابق رفيع المستوى في "سعودي أوجيه"، للصحيفة، وفق ما أوردت في تقرير، اليوم السبت، إنّ مسؤولين سعوديين يحقّقون بأموال الشركة.
وأوردت الصحيفة، نقلاً عن موظفين سابقين في شركة "سعودي أوجيه"، أنّ الشركة تعتمد الآن على الحكومة السعودية، الوكيل الرئيسي، لدفع ملايين الدولارات من الأجور المستحقة للعمال السابقين.
و"سعودي أوجيه" هي شركة بناء مقرّها الرياض، مملوكة بالكامل لأسرة الحريري، أغلقت عملياتها في المملكة، هذا الصيف، بعد أن قلّصت العائلة المالكة السعودية الإنفاق على مشاريع البناء الفخمة.
وقالت "وول ستريت جورنال"، إنّ السعودية وراء مشكلتين يواجههما الحريري: مستقبله السياسي الهش، والانهيار الذي يلوح في الأفق لإمبراطوريته في قطاع الإنشاءات، رغم استنادها على مدى عقود إلى دعم العائلة المالكة بالمملكة.
ولم يستجب متحدّث باسم الحريري، أو"سعودي أوجيه"، أو الحكومة السعودية لطلبات الصحيفة، التعليق على تقريرها.
— The Wall Street Journal (@WSJ) November 24, 2017
" style="color:#fff;" class="twitter-post-link" target="_blank">Twitter Post
— The Wall Street Journal (@WSJ) November 24, 2017
|
وتُعتبر أزمة "سعودي أوجيه"، بحسب الصحيفة، "مقياساً لتأثير الرياض على الحريري، ودلالة على علاقته التي يسودها التشاجر مع السعودية، وهو تحوّل له انعكاساته على لبنان أيضاً"، وفق قولها.
وأعلن الحريري، في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، استقالته بشكل مفاجئ، في بيان متلفز تلاه من العاصمة السعودية الرياض، وانتقد خلاله إيران و"حزب الله"، بينما اعتبره الرئيس اللبناني ميشال عون، "رهينة" في السعودية.
وبعد بقائه في الرياض حوالى أسبوعين، سافر الحريري إلى فرنسا ومصر وقبرص، وعاد إلى بيروت، في الذكرى الـ74 لاستقلال لبنان، معلناً من قصر بعبدا الرئاسي، الأربعاء الماضي، تعطيل مفاعيل استقالته، بناء على طلب عون، كما قال.
وأشار محللون، للصحيفة، إلى أنّ عائلة الحريري ساهمت، على مدى عقود، في مساعدة الرياض على التأثير في لبنان، بدءاً من رفيق الحريري، والد سعد، الذي أسس "سعودي أوجيه"، وأصبح فيما بعد رئيساً للوزراء.
وفي هذا الإطار، قال هانز باومان، المتخصص في سياسات الشرق الأوسط بجامعة ليفربول، والذي كتب سيرة رفيق الحريري، للصحيفة، "لقد اكتسب السعوديون تأثيراً ليس على المجتمع السنّي في لبنان فحسب، بل أيضاً على توجهات البلاد".
دور بن سلمان
وكشفت الصحيفة، نقلاً عن مصرفيين تعاملوا مع "سعودي أوجيه"، أنّ الأزمات التي تواجه أعمال الحريري، بدأت منذ حوالى ثلاث سنوات، حين بدأت السعودية مواجهة تأثير انخفاض أسعار النفط، على ماليتها العامة.
ووفق الصحيفة، فقد قاد محمد بن سلمان، الذي كان نائب ولي العهد بالمملكة في ذلك الوقت، وأصبح ولي العهد هذا الصيف، مساعي تقليص الإنفاق على مشاريع البناء التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، والتي تشكّل ركيزة أعمال "سعودي أوجيه" بشكل أساسي.
وبعد نفاد النقد، توقفت الشركة عن دفع رواتب للعمال ابتداء من عام 2015. ومع استمرار تأخر الرواتب، ترك آلاف العمال المهاجرين، ومعظمهم من جنوب آسيا، وظائفهم للعودة إلى ديارهم، وفقاً لما ذكره مصرفيون وموظفون سابقون، للصحيفة.
وتقلّصت القوة العاملة بالشركة، والتي كانت تصل إلى 50 ألف شخص، تقلّصت تقريباً إلى الصفر بنهاية يوليو/تموز الماضي.
شكاوى فرنسية
وذكر مهندسون فرنسيون انتقلوا إلى السعودية، للعمل في مشاريع "سعودي أوجيه"، للصحيفة، أنّهم أمضوا أكثر من عام خلال الفترة 2015-2016 من دون دفع رواتبهم.
وقال فينسينت ليساج أحد الموظفين السابقين، وهو فرنسي عمل لمدة سبع سنوات لحساب "سعودي أوجيه" في الرياض، لـ"وول ستريت جورنال"، "كنا نؤمن بالشركة، لكن جرى اقتلاعنا"، مشيراً إلى أنّه غادر السعودية، بسبب عدم تقاضيه مستحقاته.
وتلقّى الحريري شكاوى من الحكومة الفرنسية، على خلفية أزمة "سعودي أوجيه"، وذلك وفق ما تكشفه رسائل اطلعت عليها "وول ستريت جورنال".
وكتب السفير الفرنسي لدى السعودية، إلى الحريري، في يونيو/ حزيران 2016، قائلاً إنّ "دفع الرواتب المستحقة سابقاً أصبح ملحاً، وسلطاتنا تشعر بالقلق لأنّ الوعود التي قطعتها لنا منذ بضعة أسابيع لم يتم الوفاء بها".
وقال الحريري مراراً للدبلوماسيين الفرنسيين، إنّ شركته تعمل على دفع الرواتب المتأخرة، وفق ما تكشفه الرسائل، بحسب الصحيفة.
ومن أجل احتواء التداعيات الدبلوماسية عن أزمة "سعودي أوجيه"، تدخلت الحكومة السعودية، في سبتمبر/ أيلول الماضي، ودفعت للموظفين الفرنسيين لدى الشركة ما يعادل تسعة أشهر من الأجور المستحقة، ما كلّف المملكة ملايين اليوروهات، وفق ما قال مسؤولون فرنسيون للصحيفة.
وقالت كارولين واسرمان، المحامية التي تتخذ من باريس مقرّاً لها، ووكيلة حوالى 80 من الموظفين السابقين، إنّ "سعودي أوجيه ما زالت تدين بما يقرب من 20 مليون يورو (23.5 مليون دولار)، هي مستحقات دفع رواتب متأخرة، وضرائب ضمان اجتماعي لعملائها".
وخلال محادثات مع مسؤولين فرنسيين حول هذا الموضوع، قالت السلطات السعودية، إنّ الحكومة مستعدة للدفع للعمال ما تبقى من أجورهم المستحقة، وفقاً لما ذكره مسؤولون فرنسيون، للصحيفة.
وفي الوقت عينه، طالبت وزارة المالية السعودية في عام 2016، برزمة وثائق من شركة "سعودي أوجيه" حول ممارسات إنفاقها، واستأجرت شركة "برايس ووترهاوس كوبرز" للمحاسبة للمساعدة في مراجعة الحسابات، وفقاً لما ذكره هوبير باباي، الذي ترأس قسم مراقبة التكاليف في "سعودي أوجيه" آنذاك.
ولم تلقَ "وول ستريت جورنال" رداً من شركة "برايس ووترهاوس كوبرز"، على طلبها التعليق على التقرير.
محاولات إنقاذ
وقال مصرفيون عملوا مع "سعودي أوجيه"، للصحيفة، إنّهم طرحوا سيناريوهات مختلفة لإنقاذ الشركة، بدءاً من إعادة هيكلة الديون إلى المملكة، مع أخذ حصة أقلية في الشركة أو تأميمها.
وباعت "سعودي أوجيه" حصتها في بنك أردني بحوالي مليار دولار لجمع أموال نقدية، لكن البنوك لا ترى الآن سوى فرصة ضئيلة أمام الشركة، لإعادة إطلاق عملها.
ووضعت المحاكم الفرنسية "أوجيه الدولية"، الشركة التابعة للمجموعة الدولية ومقرّها باريس، تحت الإدارة القضائية في سبتمبر/أيلول 2016.
وتذكر "وول ستريت جورنال"، أنّ "سعودي أوجيه" بدأت مع رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، بعد أن انتقل إلى السعودية من لبنان وهو شاب، لكنّها نمت بسرعة، مستندة إلى عقود بناء تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، قدّمتها الأسرة المالكة السعودية، مما سمح لها أن تصبح عملاق بناء متعدد الجنسيات في الثمانينيات.
وعاد الحريري إلى لبنان، رجلاً غنياً ودخل عالم السياسة، وأصبح رئيساً للوزراء لأول مرة في عام 1992، و"استخدم ثروته لتمويل حملته، في حين ساعد استناده إلى الدعم من العائلة المالكة السعودية، على بناء تأييد بين أوساط الطائفة السنية اللبنانية"، بحسب الصحيفة.
وورث سعد الحريري "سعودي أوجيه"، بعد أن اغتيل والده بسيارة مفخخة في عام 2005. ومع ارتفاع أسعار النفط في ذلك الوقت، شرعت الحكومة السعودية في فورة البناء، وسلّمت الشركة جولة جديدة من العقود القيمة. وتشمل هذه المشاريع، جامعة الأميرة نورة عبد الرحمن للفتيات، والعيادة الطبية الشخصية للملك السعودي، وفندق "ريتز كارلتون" بالرياض، بحسب الصحيفة.
وفندق "ريتز كارلتون" في الرياض، بات أشبه بمعتقل من فئة "خمس نجوم"، يقبع فيه معظم الأمراء والوزراء والأقطاب الأثرياء، ممن أفضت حملة "مكافحة الفساد" التي أطلقها بن سلمان، في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، إلى اعتقالهم في السعودية.