مسلسل تهجير المقدسيين: مخطط إسرائيلي لهدم أبراج سكنية

17 نوفمبر 2017
يسعى الاحتلال لدفع المقدسيين لخارج الجدار الفاصل(أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -
تُبدي عشرات العائلات الفلسطينية المقدسية التي كانت قد استقرت خلال السنوات القليلة الماضية في شقق مملوكة لها بصورة قانونية خارج جدار الفصل العنصري في المنطقة المعروفة بحي المطار المتاخم لمطار قلنديا، شمالي القدس المحتلة، قلقاً شديداً على ما ينتظر أفرادها، وغالبيتهم من النساء والأطفال، إذا نفذت قوات الاحتلال ورئيس بلدية الاحتلال في القدس نير بركات، التهديدات بهدم وتفجير ست بنايات تقطنها نحو 140 أسرة مقدسية يربو عدد أفرادها على 300 نسمة. وتعتقد سلطات الاحتلال أن تنفيذ مخططها لتفجير هذا العدد من البنايات في منطقة مزدحمة وتقطنها كثافة سكانية عالية، أمر في غاية السهولة، ويمكن أن يمر مرور الكرام. لكن المواطنين هناك واللجنة المحلية التي شُكّلت للدفاع عن حق هذه العائلات بالسكن، يرون أن العملية ستكون معقدة جداً وربما تفضي إلى ارتقاء أعداد من المواطنين في المنطقة شهداء.

ويعزو رئيس اللجنة المحلية هناك منير الزغير، في حديث لـ"العربي الجديد"، ذلك إلى أن البنايات المستهدفة تلتصق تماماً بعشرات البنايات الأخرى، التي رفضت بلدية الاحتلال فحص أهليتها الإنشائية وما إذا كانت تتحمل ضغط عملية التفجير المقترحة، مؤكداً حق السكان في مقاومة اقتلاعهم من مساكنهم، وهم الذين أنفقوا كل ما لديهم ليستقروا في مساكن تؤويهم وعائلاتهم، واشتروا الشقق بموجب عقود شراء قانونية. ويصف الزغير الحديث عن عملية تفجير البنايات الست، بأنها إجرامية وإرهابية، وسيتحمل نتيجتها نير بركات، الذي لم يعترض في السابق على تشييد تلك البنايات، لكن حين تدخّل جيش الاحتلال بذريعة أن تلك البنايات تشكّل مصدر خطر على أمن جنوده وعلى منطقة مطار قلنديا، تنصل من مسؤولياته، ورفض مع كبار مسؤوليه الإنصات لمطالب اللجنة، ما اضطرها للتوجّه إلى القضاء الإسرائيلي.

بيد أن القضاء الإسرائيلي، من محكمة البداية مروراً بالمركزية وحتى العليا، رفض مطالب مالكي البنايات من المقاولين بعدم تنفيذ عملية الهدم، وأوعز لسلطات الاحتلال القيام بذلك. فيما بدأت اللجنة تحركاً على أكثر من مستوى مع عدد من مؤسسات حقوق الإنسان، لمنع تنفيذ عملية الهدم والتفجير المقترحة من قبل جيش وبلدية الاحتلال، ورفعت دعوى ضد رئيس البلدية الذي يسعى لعملية الهدم لأسباب سياسية، وكذلك ضد المركز الجماهيري التابع لبلدية الاحتلال، والذي قدّم للمحاكم معلومات كاذبة وغير صحيحة باسم العائلات المتضررة واللجنة المحلية المنتخبة من قبل العائلات.

ويأمل الزغير أن تنجح لجنة الدفاع عن العائلات بوقف عملية الهدم والتفجير الوشيكة للبنايات الست مؤقتاً، وأن تستمر العائلات في إقامتها حيث هي، متهماً سلطات الاحتلال ورئيس بلديتها بأن ما تعتزم القيام به من عمليات هدم، يتم لدوافع سياسية وليست أمنية كما يدعون، خصوصاً أن نير بركات يسعى من وراء المخطط للدخول إلى الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) على أنقاض منازل المقدسيين التي تهدمها جرافاته كل يوم، وفق قوله.

وتُشكّل عملية التفجير المقترحة تطوراً جديداً في ما تسميه سلطات الاحتلال بمكافحة البناء الفلسطيني غير المرخص في القدس المحتلة، علماً أن سلطات الاحتلال اعتمدت حتى الآن قيام طواقمها بعمليات الهدم وإلزام الضحايا بدفع رسوم هدم مساكنهم، أو تطلب منهم هدم منازلهم بأيديهم لتجنّب دفع تلك الرسوم والتي تصل في حدها الأدنى إلى 80 ألف شيكل إسرائيلي (حوالى 23 ألف دولار)، وتتجاوز المائة ألف شيكل (حوالى 28 ألف دولار)، كما يقول مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري، لـ"العربي الجديد".
وسبق لمركز القدس ومن خلال طاقم من محاميه، متابعة قضايا هدم انتهت في الغالب إلى تأجيل عمليات الهدم مؤقتاً، لكن لم تسلم من الهدم سواء من قبل بلدية الاحتلال أو أصحاب المنازل أنفسهم، الذين لا تسعفهم أوضاعهم في تحمل دفع رسوم هدم وخراب بيوتهم بأيديهم.


ومع ما يعتقد الأهالي، وكذلك المؤسسات بصعوبة تنفيذ عمليات الهدم، إلا أن حادثة هدم واسعة النطاق نفذتها سلطات الاحتلال في قرية قلنديا البلد في القدس المحتلة المصنفة كمنطقة ضفة غربية قبل عامين تقريباً، وتخللها هدم 12 بناية سكنية، تجعل ذلك أمراً ممكناً، علماً أن سلطات الاحتلال استعانت في تنفيذها بكتيبة من الجنود وقوات خاصة بأعداد كبيرة باغتت الناس في حينه وبادرتهم بإطلاق قنابل الصوت والغاز بكثافة، ولم تسمح لأحد منهم بالاقتراب من محيط المنطقة التي طاولتها عمليات الهدم.
مع ذلك، فإن التداعيات المحتملة لعملية الهدم تبقى في الحسبان لدى سلطات الاحتلال، حيث نُقل عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله إن "عملاً كهذا سيؤدي إلى زعزعة الأوضاع الأمنية".

من جهته، يتوقع القيادي في حركة "فتح"، حاتم عبد القادر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تفضي الخطوة هذه إلى مواجهات واسعة النطاق، وسقوط شهداء، معتبراً أنه ستكون لذلك كلفة سياسية عالية على الاحتلال الذي يضرب استيطانه في كل مكان من الأرض الفلسطينية من شمالها إلى جنوبها، يقابله هدم ومطاردة للفلسطينيين في تلك المناطق وحرمانهم من حقهم في السكن، وهو واحد من أهم الحقوق الأساسية للإنسان.

وما بين ما يقرره الاحتلال ويخطط لتنفيذه، يبدو قلق الضحايا كبيراً على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، إذ إن معظم العائلات التي استقرت في هذه البنايات كانت قد اضطرت للإقامة فيها بعد أن تعذر عليها شراء شقق في القدس ذاتها، أو بناء مساكن فيها، بالنظر إلى أسعار الشقق الخيالية في القدس والتي تصل إلى أكثر من 300 ألف دولار لشقة بمساحة 110 أمتار مربعة. في حين تفرض بلدية الاحتلال قيوداً صارمة جداً على البناء الفلسطيني في القدس، سواء لجهة رسوم الرخصة التي تصل إلى 95 ألف دولار، والمدة الزمنية التي يستغرقها إصدار الرخصة والتي تصل إلى ما بين خمس وعشر سنوات.

وتبدو جلية معاناة أصحاب بعض الشقق من سياسة الاحتلال بحقهم في كل ما يتعلق بإقامتهم في القدس وحقهم بمأوى فيها، ومن ذلك ما يذكره المواطن المقدسي محمود أبو فرحة، وهو صاحب إحدى الشقق في عمارة "أبراج القدس"، حيث اقتحم الاحتلال منزله قبل شهر، وسلمه إخطاراً بالإخلاء تمهيداً لهدم منزله، كما يشير في حديث لـ"العربي الجديد". كان أبو فرحة قد استقر قبل نحو عامين مع عائلته المكوّنة من أربعة أفراد في شقة بإحدى البنايات، بعد أن غادر بيتاً كان يقطنه بالإيجار في حي بيت حنينا، شمال القدس المحتلة، مقابل أجر شهري بقيمة 900 دولار، وهو مبلغ كبير جداً ليس بمقدوره دفعه لمدة طويلة، ولهذا كان الحل بالنسبة إليه هو الإقامة في حي المطار، حيث أسعار الشقق في المتناول. ومع تسلمه الإخطار بالإخلاء، عاد القلق يساوره وأفراد العائلة.

ويتهم المقدسيون سلطات الاحتلال بممارسة ضغوط هائلة عليهم، لإرغامهم على ترك مدينتهم والإقامة خارج الجدار الفاصل، وحين يفعلون ذلك تسقط عنهم حقوق الإقامة وكل ما يترتب عليها من حقوق اجتماعية واقتصادية وصحية، وفقدان جميع أبنائهم مستقبلاً حق الإقامة أيضاً أو التسيب في سجل السكان.

ويقدر المتحدث باسم بلدية كفر عقب، شمال القدس، الناشط المقدسي رائد حمدان، في حديث لـ"العربي الجديد"، عدد المقدسيين الذين اضطروا إلى ترك أماكن إقامتهم في القدس والانتقال للسكن خارج حدودها البلدية المصطنعة في الأبراج السكنية على مداخل مخيم قلنديا وكفر عقب وحي المطار، بأكثر من 90 ألفاً.
في حين تسعى سلطات الاحتلال إلى رفع أعداد هؤلاء ليصل لاحقاً إلى أكثر من 150 ألفاً، والإبقاء فقط على ما نسبته 12 في المائة منهم في القدس. لهذا أعلنت سلطات الاحتلال أخيراً نيتها نقل الصلاحيات على هذه الأحياء إلى لجان محلية، أو إلى صلاحيات السلطة الفلسطينية.
والمتابع للمشهد على مداخل مخيم قلنديا، وحيي المطار وكفر عقب، شمال القدس، وحتى على مداخل مخيم شعفاط، شمال القدس، يرى عشرات وربما المئات من الأبراج السكنية التي غيّرت طبيعة المكان في القدس خارج الجدار، وهو ما كانت دفعت إليه سلطات الاحتلال وشجعته كي تنشئ على تخوم القدس مناطق عشوائية يستقر فيها المقدسيون بعد أن يرغموا على ترك أماكن إقامتهم داخل القدس.