روبرت موغابي... عوالم من الماركسية الممسوخة وأثر كاهن إيرلندي

15 نوفمبر 2017
يمسك موغابي بالسلطة منذ عام 1980 (فيل ماغاكوي/فرانس برس)
+ الخط -
أن تكون رئيساً مثيراً للجدل في دولة أفريقية، مغلقة أمام البحر، ومُحاطة بجيران أقوياء من نوع جنوب أفريقيا، وزامبيا، وبوتسوانا، وموزامبيق، وتتمكن من البقاء في السلطة 37 عاماً، فهذا يعني أن اسمك هو روبرت موغابي، الرجل المستمر على رأس السلطة في بلاده منذ عام 1980، كحاكم واكب كل تحرّكات الجوار والقارة الأفريقية، من دون أن يهتزّ من موقعه. ولم يكن موغابي مجرّد منتفع من عملية انتقال سلطوية في زيمبابوي فحسب، بل شخص تمكن من الهيمنة على كل مقاليد السلطة في زمن الاستعمار البريطاني لزيمبابوي، باسم "روديسيا الجنوبية"، ليُصبح الرجل الأقوى في البلاد، لدرجة أن بعض المحطات الساذجة في مسيرته، لم تسمح حتى بإطاحته، بسبب اعتماده على الجيش للبقاء في هراري.

وُلد روبرت موغابي في 21 فبراير/ شباط 1924، في إرسالية كوتاما، في مقاطعة زفيمبا، أيام "روديسيا الجنوبية". ينتمي موغابي إلى قبيلة زيزورو، أصغر أفرع قبيلة شونا. تشرّب من المدارس اليسوعية في الإرسالية، التي انعكست على نمط حياته لاحقاً. وكان يمضي طفولته بين الكتب عوضاً عن المشاركة في اللعب مع باقي الأولاد. الشخص المفصلي في حياة موغابي كان الكاهن الإيرلندي جيروم أوهي، الذي عامله في كوتاما مثله مثل باقي الأولاد، بمساواة كاملة، بغض النظر عن لون بشرته السوداء، في ظلّ الحكم العنصري البريطاني، الذي كان مشابهاً لنظام "الأبارتهايد" في جنوب أفريقيا المجاورة. أوهي عرّف موغابي على حرب الاستقلال الإيرلندية عن بريطانيا (1919 ـ 1921)، تحديداً لناحية مهاجمة الثوار الإيرلنديين المواقع البريطانية.

بعدها، باشر موغابي مهامه كمعلّم، بموازاة مواصلة الدراسة، إلى أن غادر كوتاما بعمر الـ21، متنقلاً في مختلف مدن ومناطق زيمبابوي، بغرض التعليم. لاحقاً نال منحة دراسية من جامعة فورت هاري في جنوب أفريقيا، حيث انخرط في المجتمع الأفريقي، مقتنعاً بالأفكار الماركسية، قبل أن ينال الدبلوم في التاريخ والأدب الإنكليزي في عام 1952.


وأمضى السنوات التالية في التعليم، وعلى الرغم من قراءاته المتعددة وإيمانه بالماركسية، إلا أن موغابي لم ينخرط في أي حزب، بل اكتفى بالانضمام إلى مجموعات مكافحة للعنصرية العرقية. بعدها غادر إلى "روديسيا الشمالية" (زامبيا حالياً) معلماً في عاصمتها لوساكا، بين عامي 1955 و1958. وبعد مشوار قصير في غانا، عاد موغابي إلى زيمبابوي، حيث شارك في أول تظاهرة مؤيدة لإطلاق سراح ليوبولد تاكاويرا، أحد أبرز قادة "الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي" اليسارية، وخلال التظاهرة برز اسم موغابي، مع مخاطبته الحشود.

بعدها، واصل مسيرته السياسية، مستقيلاً من مهنة التعليم. ورافق صعوده السياسي، ضجيج حزبي داخل صفوف "الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي"، ما أدى إلى استيلاد "حزب شعب زيمبابوي الأفريقي". وبدأت مسيرة مليئة بالاعتقالات والسجن والعنصرية العرقية، التي سمحت لموغابي بتحوله إلى رمزٍ في البلاد، خصوصاً مع مساهمته في حرب العصابات ضد البريطانيين.

ومع نيل البلاد استقلالها في 18 إبريل/ نيسان 1980، تحوّل عمل موغابي إلى الداخل، خصوصاً في عام 1984، إثر اتهامه بـ"إبادة أكثر من 20 ألف إنسان"، وسط صمت كلي من بريطانيا، خشية على الأقلية البيضاء في زيمبابوي، والولايات المتحدة، التي لم تكتفِ بالصمت، بل أن رئيسها في حينه، رونالد ريغان، استقبل موغابي في البيت الأبيض. وبعد سنوات من رئاسته للحكومة، بات موغابي رئيساً لزيمبابوي، في عام 1987، جامعاً كل السلطات الممكنة من رئاسية وعسكرية وبرلمانية تحت سيطرته، حتى أنه قام بتزوير العديد من الانتخابات لضمان بقائه في السلطة، قامعاً كل معارضة في وجهه، ومستنداً إلى الجيش الموالي له.

وإذا كان ضجيج الداخل يسمح بمحاسبة موغابي، في ظلّ انتشار الفقر والبطالة، إلا أنه تبوأ مناصب إقليمية ودولية عدة، آخرها "سفير النوايا الحسنة" في الأمم المتحدة في 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ما أثار غضب مسؤول في منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، الذي اعتبر أن "السجل المروع لموغابي في حقوق الإنسان لا يؤهله لكي يصبح سفيراً للأمم المتحدة". كما وصفت المعارضة في زيمبابوي تعيين موغابي بـ"الأمر المثير للضحك، فموغابي وأفراد عائلته يسافرون إلى سنغافورة من أجل العلاج، بعدما دمروا مستشفيات البلاد". وهو ما أدى إلى تراجع منظمة الصحة العالمية عن تعيينه بعد أيامٍ قليلة. وفي "الإقامة الجبرية" التي فرضها الجيش عليه في الساعات الـ24 الماضية، سقط موغابي، آخر ديكتاتوريي أفريقيا، في فخ ما صنعه.