سد إثيوبي جديد يضر بمصر مائياً وسياسياً

08 أكتوبر 2017
إثيوبيا بنت "النهضة" بمواصفات فنية مغايرة للمتفق عليه (Getty)
+ الخط -

حذّر سياسيون وفنيون مصريون في مجال الري من تدهور سريع في العلاقات الثنائية لمصر مع كل من إثيوبيا والسودان، بسبب شروع الجانب الإثيوبي في بناء سد جديد، بالإضافة إلى سد النهضة الذي اقترب من مرحلة الانتهاء من بنائه.

وفي السياق، ذكر الخبير في القانون الدولي للمياه، مساعد عبد العاطي، أن إثيوبيا انتهكت مبدأ النوايا الحسنة انتهاكاً جسيماً، مشيراً في تصريحات إلى أن ذلك حصل "منذ أن أعلنت إثيوبيا رسمياً في إبريل/ نيسان 2011 عن بنائها سد النهضة بمواصفات فنية، مغايرة تماماً عن تلك التي كانت تتفاوض بشأنها مع مصر والسودان قبل يناير/ كانون الثاني 2011، أهمها أن سعة السد التخزينية هي 14 مليار متر مكعب من المياه، بينما قامت إثيوبيا، وفي تصرّف مفاجئ، برفع تلك السعة إلى 74 مليار متر مكعب، من دون أن تُخطر مصر بحقيقة الدراسات الفنية المتعلقة بالسد، مخالفة بذلك مقتضيات مبدأ الإخطار المسبق عند إقامة المشروعات المائية على الأنهار الدولية".

كذلك اعتبر أن "إثيوبيا استغلت حالة الاضطراب داخل مصر نتيجة لتبعات ثورة 25 يناير، ما يشكّل في حقيقته انتهاكاً جسيماً لمبادئ حسن النية في تنفيذ الالتزامات الدولية، وأيضاً مبدأ عدم الإضرار، فضلاً عن انتهاك إثيوبيا منذ البداية مقتضيات مبدأ الإخطار المسبق".

وأشار عبد العاطي إلى أن مصر تماشت مع الجانب الإثيوبي في ما يعرف بالمفاوضات، وهي في حقيقتها لا ينطبق عليها التوصيف القانوني للمفاوضات الدولية، وفقاً لنص المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، والدليل على ذلك أن القانون الدولي العام أوجب توافر شروط قانونية محددة للاعتداد بالمفاوضات كوسيلة دبلوماسية سياسية مهمة في تسوية وإنهاء المنازعات والخلافات الدولية، أهمها توافر شروط، وهي الجدية، وأن تكون محددة للنقاط محل التفاوض، وناجزة، وأيضاً ضرورة توافر حسن النية، بالإضافة إلى مباشرة الأطراف للتفاوض في ضوء احترامها ثوابت ومبادئ القانون الدولي الحاكمة لموضوع النزاع محل التفاوض. 

وأضاف أنه "بإنزال تلك الشروط على ما يُعرف بالمفاوضات الخاصة بسد النهضة، نجد عدم توافر أو انطباق معظم هذه الشروط المتطلبة قانونيّاً في المفاوضات، والسبب وراء ذلك مكمنه وسببه سوء نية وتعسُّف الدولة الإثيوبية، وعدم مراعاتها وضعية مصر الواقعية والقانونية كدولة المصبّ الوحيدة والأولى بالرعاية القانونية، بموجب قواعد القانون الدولي للأنهار الدولية، كما أن معظم معايير تقاسم المياه المشتركة المعترف بها دوليّاً التي نصّت عليها الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة لقانون الاستخدامات غير الملاحية للأنهار الدولية لعام 1997، تنطبق تماماً على الحالة المصرية".

 

بدوره، قال الخبير المائي، رئيس قسم الموارد الطبيعية بمعهد البحوث الأفريقية، عباس شراقي، إن "إثيوبيا ستعلن خلال أيام عن إنشاء سد جديد خلاف سد النهضة"، مضيفاً أن "هذا السد سيكون أخطر من سد النهضة نفسه"، وموضحاً أن ذلك السد يأتي ضمن مخطط لإنشاء 30 مشروعاً مائياً على نهر النيل يشمل ثلاثة سدود كبرى لن يقل تأثيرها عن سد النهضة.

وأضاف شراقي أن "نهر النيل سيتحول إلى ساحة للصراع والفوضى، لأن الأمر لن يتعلق فقط بالخسارة المائية والاقتصادية، بل ستكون هناك خسارة سياسية "خطيرة" على مصر، حيث سيشجع النجاح الذي حققته إثيوبيا دولًا أخرى من حوض النيل على فرْض شروطها على مصر، وبناء سدود أخرى دون الرجوع إليها، وهو ما سيحوّل وادي النيل إلى ساحة للصراع والفوضى بين دول الحوض، من دون أي احتكام للقوانين المائية الدولية التي خالفتها إثيوبيا عندما قامت ببناء سد النهضة دون إخطار مصر".

كذلك أشار خبير الموارد المائية إلى أن "القانون الدولي يُلزم الدول المشتركة في نهر واحد بإخطار دول المصب، مثل مصر والسودان، بأية مشروعات تقوم بها دول المنابع، وهو ما لم يحدث في حالة سد النهضة". وأضاف أن "نهر النيل هو نهر دولي، وبالتالي من حق مصر أن تطلع على الدراسات الخاصة بإقامة أي منشأ مائي عليه، وفق ما تنص عليه الاتفاقية العامة للأنهار بالأمم المتحدة، وذلك من أجل معرفة الأضرار التي تتعرض لها دول المصب نتيجة قيام دول المنابع مثل إثيوبيا بإنشاء مشروعات مائية على نهر النيل".

ورأى شراقي أن "تأجيل مصر مناقشة التفاصيل الخاصة بتشغيل سد النهضة مع إثيوبيا، خوفًا من الصدام، لن يستمر طويلًا، فالصدام قادم لا محالة في ظل التعنت الإثيوبي، وعدم احتجاج مصر ضد إثيوبيا أمام المنظمات الدولية، على الرغم من أن هذا الإجراء سيحفظ حقوق الأجيال المقبلة". 

وتأتي هذه التحذيرات بعد يومين من استقبال رئيس وزراء إثيوبيا، هايليماريم ديسالين، بمكتبه في العاصمة أديس أبابا السفير المصري، أبو بكر حفني محمود، إذ أصدرت وزارة الخارجية المصرية المصرية بياناً حول اللقاء، والذي لم يتطرق نهائيًا لموضوع سد النهضة الذي تقوم إثيوبيا بإنشائه، والذي سيتسبب بكوارث بيئية واقتصادية خطيرة لمصر، حسب ما أكد خبراء في الموارد المائية وخبراء في الزراعة.

تناول اللقاء، بحسب الخارجية المصرية، "مُستجدات العلاقات الثنائية، فضلاً عن مناقشة عدد من مُقترحات التعاون المُشترك بين البلدين، حيث أكد السفير المصري خلال اللقاء أهمية استمرار العمل على تعزيز العلاقات بين البلدين، التزاماً بالتوافق الذي عبّر عنه كل من الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء الإثيوبي، خلال لقاءاتهما الأخيرة، بما يدعم روح بناء الثقة والتعاون السائدة بين مصر وإثيوبيا، ويُحقق مصالح الشعبين الشقيقين"، حسب البيان.

وأضافت الخارجية المصرية أن "رئيس الوزراء الإثيوبي حرص على تأكيد موقف بلاده بالتمسك بتعزيز العلاقات الأخوية بين مصر وإثيوبيا، مُشدداً على أهمية الاستمرار في ترجمة الإرادة السياسية والنوايا الحسنة بين البلدين إلى نتائج وثمار ملموسة تلمسها الشعوب، وهو ما سيأتي عبْر استكمال إجراءات بناء الثقة، والتركيز على تنشيط الاستثمار والتجارة، وتعزيز العلاقات الشعبية والتعاون المؤسسي بين البلدين".

 

وأتى لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي بالسفير المصري بعد يومين من حوار أجراه وزير الخارجية المصري، سامح شكري، مع جريدة "الأهرام"، أكد خلاله أن "العلاقة مع إثيوبيا يشوبها لعقود طويلة قدر من عدم الثقة المتبادلة". وقال شكري "إننا نراقب الأمر ونبني الثقة، ونتعامل على أساس التعاون والمصالح المشتركة، وأن نتجاوز ونتفهّم أن رصيد عدم الثقة الضخم في السابق لن يُزال في عام أو عامين، وإنما يحتاج إلى عمل متواصل وبنّاء يقودنا إلى درجات أكبر من الثقة المتبادلة والتعامل على أساس المكاشفة والمصارحة، وليس على أساس الريبة أو التوهُّم من أي من الدولتين بوجود مخاطر". 

وأضاف "أستطيع أن أقول إن الأمر لا يزال في مساره الذى رُسم له منذ سنتين أو أكثر، والاتفاق الثلاثي والمفاوضات التي سبقته، وإن مراحل الإنجاز في تحقيق هذا المسار ليست بالوتيرة التي نأملها، ونحثّ شركاءنا في إثيوبيا والسودان على التفاعل بشكل يوجِد الثقة ويعزز من الاتفاق، ونتجنّب أي فكرة للصدام، وفي الوقت نفسه نعلم جيدًا ما هي مصلحتنا والمخاطر التي ربما نتعرض لها، ونتصرف في كل مرحلة بما يتناسب مع هذه التطورات، ولا نستبق الأحداث ولا نفترض أموراً من الناحية النظرية، لكن ذلك لا يمنع أننا نتحسّب لأي توجّه أو اختلاف أو أي منهج، ولكل افتراض رد فعل مماثل".

وتابع شكري "نطالب إثيوبيا بتوفير مزيد من المعلومات في إطار الشفافية والقواعد الدولية المتعارف عليها في التصميمات الخاصة بالسد، لأننا حتى الآن لمّا نوافَ بهذه التصميمات، ونأمل أن توافينا بها إثيوبيا في أقرب وأسرع وقت، ليكون لدى مصر والسودان مزيد من الثقة حول سلامة السد والاعتبارات الفنية المرتبطة بذلك، وكلما تعاملت الدول الثلاث بشفافية ومكاشفة بهذا الأمر تراجعت الشكوك".

وأوضح شكري "كان قد تم موافاتنا بالتصميمات الأوّليّة، لكن حدثت تعديلات عليها في الفترة الأخيرة، وهذا شيء طبيعي في أي منشأة بهذا الحجم، حيث تتم مراجعة بعض الأمور وفقا لمراحل الإنشاء والظروف الإنشائية، وهناك مجموعة من التصميمات المحدثة التي نسعى للحصول عليها، وأتصور أنه في اللقاءات المقبلة بين وزيرى الري سيكون ذلك مثاراً، مع موضوع زيارة الموقع".

كذلك أبدى تصوره بأن "هناك شكوكاً لدى الشعب الإثيوبي وليدة سنوات طويلة من عدم الثقة وشائعات تُطلق داخل إثيوبيا بقصد أو غير قصد لتعزز هذه الفجوة في الثقة حول أهداف مصر ونيتها، فالأمر يحتاج إلى كثير من الشفافية في التعامل، وهذا ما ندعو إليه، وتعزيز الثقة والبعد عن فكرة قدرة أي من الأطراف على الهيمنة على الطرف الآخر، أو دفعه لانتهاج أسلوب معين. فنحن دول لها سيادة، ومصر لا تتآمر كما يؤكد الرئيس، ولا تعمل لزعزعة أوضاع داخلية لأي من الدول الشقيقة، وهذه مبادئ راسخة لديها، ويجب أن يثق شركاؤنا أن هذا هو المنهج الذي تتبعه مصر". 





دلالات
المساهمون