قمة عراقية سعودية برعاية أميركية... وتشكيك في فاعليتها

22 أكتوبر 2017
لا تفاصيل عن لقاء سلمان والعبادي بالرياض (بندر الجالود/الأناضول)
+ الخط -




شهدت العاصمة السعودية الرياض، اليوم الأحد، الاجتماع الأول لمجلس التنسيق العراقي السعودي، بحضور رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وبرعاية أميركية، وشارك في الاجتماع وحفل توقيع تأسيس المجلس وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون.

ووصل تيلرسون، السبت، إلى قاعدة الملك سلمان الجوية في الرياض، ضمن جولة خارجية، لإجراء مباحثات بشأن قضايا عدة، أبرزها الأزمة الخليجية الناتجة عن حصار قطر، فضلاً عن سعيه إلى عقد تحالف بين السعودية والعراق في وجه إيران المجاورة.

وفي وقت لاحق قال مكتب العبادي، في بيان صحافي، إنّ "التوقيع تم اليوم بشكل رسمي على تأسيس المجلس بين البلدين".

وأكد المكتب أنّ "العبادي بحث على هامش التوقيع مع المسؤولين السعوديين، الإسراع بتعزيز التعاون الثنائي بين البلدين، والتأكيد على دعم الرياض لوحدة العراق، ومباركة الانتصارات التي حققها، والتطلع للمزيد من التنسيق المشترك بين البلدين، لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين".

وخلال كلمته على هامش التوقيع، قال العبادي "نعبّر عن ارتياحنا البالغ لتطور العلاقات بين بلدينا الشقيقين الجارين، والمجلس التنسيقي الأول العراقي – السعودي هو ثمرة الجهود والنوايا الطيبة المشتركة، التي تعبّر عن توجهنا وسياساتنا، والتي لمسناها في نفس الوقت من أشقائنا في المملكة، وبالأخص من خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير محمد بن سلمان".

من جهته، أكد الملك السعودي، بمناسبة التوقيع، أن "ما يربط المملكة بالعراق ليس مجرد الجوار والمصالح المشتركة، وإنّما أواصر الأخوة والدم والتاريخ والمصير الواحد"، مضيفًا: "أتطلع إلى أن تسهم اجتماعات المجلس التنسيقي السعودي – العراقي في المضي إلى آفاق أوسع وأرحب".

ورافق العبادي في زيارته إلى الرياض وفد كبير من وزراء ومستشارين ومسؤولين في قطاع الصناعة والزراعة والنفط والغاز، وجهاز المخابرات الوطني وإدارة حرس الحدود العراقية.

وقالت وكالة "واس" السعودية الرسمية، إنّ الملك سلمان أقام مأدبة عشاء، مساء السبت، تكريماً للعبادي في إطار مراسم الاستقبال، الذي جرى في قصر العوجا بالدرعية، من دون ذكر أي تفاصيل عن مضمون اللقاء.

ووفقاً لمصادر حكومية عراقية في بغداد، فإنّ المجلس الدائم الذي تم التوقيع على بنوده رسمياً، اليوم الأحد، يتشكّل من سبعة وزراء و19 بين وكيل وزير ومدير عام ومستشار من كلا البلدين، وله صلاحيات واسعة تهدف إلى تطبيع العلاقة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، فضلاً عن الاستخبارية، بين البلدين.

وقال وزير عراقي بارز لـ"العربي الجديد" إنّ القمة العراقية السعودية، اليوم الأحد، جرت برعاية أميركية.

وأضاف الوزير الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أنّ "واشنطن ضغطت على بغداد من أجل اتخاذ خطوات جديدة حيال تطبيع أكثر للعلاقات بين البلدين، خاصة بعد فتور وتراجع شهدته العلاقة بالأسابيع الماضية".

ووصف الوزير الاجتماع بأنّه "موجّه سياسياً بالدرجة الأولى نحو إيران، ويصبّ في صالح السعوديين والأميركيين بالدرجة الأولى لا في صالح بغداد".

وأوضح الوزير في هذا الإطار أنّ "ولاية العبادي في رئاسة الوزراء تنتهي بعد نحو ستة أشهر من الآن، وهي فترة قصيرة جداً ليفعل شيئاً تجاه الملفات التي تخصص بها هذا المجلس".

ويرأس الجانب السعودي في مجلس التنسيق مع العراق، وزير التجارة ماجد القصبي، ومن الجانب العراقي وزير التخطيط سلمان الجميلي.

ريكس تيلرسون أثناء وصوله إلى قاعدة الملك سلمان الجوية في الرياض (Getty)

من جانبه، قال النائب عن البرلمان العراقي منصور البعيجي لـ"العربي الجديد"، إنّ "أي اتفاق خارجي بين الحكومة ودولة أخرى حسب الدستور، يجب أن يمر بالبرلمان العراقي، لذا فإنّ البرلمان قد لا يمرّر ما يراه من الملفات التي تهدف لسحب العراق إلى محور دون آخر"، وفقاً لقوله.

وفي السياق، قال عضو "التيار المدني" العراقي حسام العيسى، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الدفع الأميركي والإصرار على تطبيع العلاقات العراقية السعودية كبير، ولم نره خلال توتر العلاقة بين بغداد وأنقرة، أو حتى في الأزمة الحالية بين بغداد وأربيل".

وأضاف العيسى أنّ "المجلس المقرّر إعلانه، اليوم الأحد، رسمياً يمكن اعتباره مجلساً سياسياً أكثر من كونه اقتصادياً أو استثمارياً".

ولفت إلى أنّ "البرلمان العراقي قد يطعن بالمجلس أو يطلب عرض تفاصيله على البرلمان، خاصة من الكتل المنضوية ضمن التحالف الوطني الحاكم"، مشيراً إلى أنّ "العبادي قد يجد صعوبة من جانب إيران بعد أشهر، بسبب موقفه الحالي، إذا ما قرّر التنافس للحصول على ولاية ثانية"، وفق قوله.


ويرى مسؤولون أميركيون محوراً جديداً بين الرياض وبغداد، باعتباره عملاً جوهرياً لمواجهة النفوذ المتزايد لإيران من الخليج إلى البحر المتوسط، لا سيما أنّ العراق يحاول إعادة بناء المدن المحررة من تنظيم "داعش" الإرهابي مؤخراً، ويواجه حركة كردية استقلالية تميل إلى تأكيد ذاتها.

جهود فطام العراق عن إيران وربطه بالسعودية ليست جديدة، ولكن المسؤولين الأميركيين يشيرون بتفاؤل إلى موقف أكثر يقيناً يعتقدون أنّهم شهدوه خلال الأشهر الأخيرة، وهم يأملون في دفع العلاقات التي تحسّنت إلى مرحلة أكثر تقدّماً.

وقال مسؤولان أميركيان، لـ"أسوشييتد برس"، إنّ تيلرسون يأمل أن تساهم السعودية، الغنية بالنفط، في مشاريع الإعمار الهائلة المطلوبة لإعادة الحياة إلى المدن العراقية مثل الموصل، إلى ما كانت عليه قبل "داعش"، وتقديم دعمها لحيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي.

وأطلع المسؤولان الصحافيين على هذه المساعي، شريطة عدم الكشف عن هويتهما لأنّه ليس مسموحاً لهما بأن يكشفا عن خطط تيلرسون.

وحاول العراق والسعودية اللذان كانا على خلاف لعقود منذ غزا صدام حسين الكويت في عام 1990، تجاوز الخلافات خلال الأشهر الأخيرة، غير أنّ العلاقة ما زال يشوبها الشك.

وأعادت المملكة العربية السعودية فتح سفارتها في بغداد عام 2015 بعد ربع قرن، وفي وقت سابق من العام الجاري فتحت المعابر الحدودية المغلقة منذ فترة طويلة.

لكن ظهور إيران كلاعب قوي في العراق لا يزال يزعج الرياض وواشنطن.

وأدت تقارير عن تدخل إيران في إقليم كردستان ذاتي الحكم في العراق، في أعقاب التصويت في استفتاء الانفصال الذي جرى في سبتمبر/ أيلول الماضي، إلى تعميق القلق.


ويريد الرئيس الأميركي دونالد ترامب رؤية "عراق مستقر، لكن ليس عراقاً مستقراً مصطفاً إلى جانب إيران"، حسبما قال إتش آر ماكماستر، مستشار ترامب للأمن القومي، الأسبوع الماضي، واعتبر بدوره أنّ السعودية يمكن أن تلعب دوراً محورياً.

وقال ماكماستر، من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنّ "إيران ماهرة جداً في تأليب المجتمعات بعضها ضد بعض".

وأضاف أنّ "هذا شيئا يتشاركونه مع جماعات مثل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة. إنهم يؤلّبون المجتمعات بعضها ضد بعض لأنّهم يستخدمون الصراعات القبلية والعرقية والطائفية للحصول على نفوذ من خلال تصوير أنفسهم راعياً أو حامياً لأحد أطراف الصراع، ومن ثم يستخدمون هذه الادعاءات لتحقيق أهدافهم، وفي حالة إيران أعتقد أنّ القصد هو الهيمنة".

وبعد فترة وجيزة من تولّيه منصبه، حدّد تيلرسون تحسين العلاقات السعودية - العراقية كأولوية في السياسة الأوسع للإدارة الأميركية لمواجهة إيران، ويقول المسؤولون إنّه كرّس نفسه لهذا الجهد.

وفي رحلته الرسمية الثانية إلى الخارج، ألغى تيلرسون، في فبراير/ شباط الماضي، لقاء ترحيب مع الموظفين في السفارة الأميركية في مكسيكو سيتي للتركيز على هذه المسألة، بحسب أحد المسؤولين الذين استعرضوا رحلة تيلرسون الحالية.

وحظي قرار تيلرسون بعدم لقاء الموظفين بانتقاد واسع النطاق، في ذلك الوقت، باعتباره علامة على عدم ارتباطه بموظفيه، لكن المسؤول قال إنّ تيلرسون عدّل خططه للتحدّث هاتفياً إلى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، حول التقارب مع العراق.

وبحسب المسؤول، ناشد تيلرسون الجبير لزيارة بغداد كدليل على حسن نوايا السعودية والتزامها بالجهود الرامية إلى هزيمة "داعش"، والذي كان في ذلك الوقت لا يزال يسيطر على نحو نصف الموصل.

ووافق الجبير، وبعد يومين قام بزيارة مفاجئة للعاصمة العراقية، ليكون أول وزير خارجية سعودي يقوم بذلك خلال 27 عاماً.