هل تلغى الاتفاقية البلجيكية-السعودية لإدارة المسجد الكبير في بروكسل؟

22 أكتوبر 2017
السعودية تدير المسجد الكبير ببروكسل منذ 1969(إيمانويل دونان/فرانس برس)
+ الخط -
أصدرت لجنة التحقيق البرلمانية في الاعتداءات الإرهابية التي شهدتها بروكسل العام الماضي، توصيات بإنهاء الاتفاق الرسمي بين بلجيكا والسعودية بشأن تسيير سلطات الأخيرة للمسجد الكبير في بروكسل، وذلك بسبب الأفكار المتطرفة التي ينشرها "المركز الثقافي الإسلامي" الذي يتولى تسيير شؤون المسجد.

توقيت مفاجئ
من المحتمل ألا يكون توقيت الإعلان عن هذه التوصيات بريئاً. فالوفد السعودي المكون من برلمانيين وكبار المسؤولين، برئاسة أمير سعودي، والذي زار بلجيكا قبل أيام، لم يكن يتوقع تصعيداً كهذا، عندما كان يخطط للقيام بالزيارة. وترسل السعودية كل عام إلى بروكسل، في التوقيت نفسه، وفداً لعقد اجتماعات مع عدد من البرلمانيين والمسؤولين البلجيكيين والأوروبيين. ويقول النائب عن الحزب "الديمقراطي الإنساني" والمكلف بتفسير الموقف للوفد السعودي، جورج دالماغن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنهم (الوفد السعودي) قلقون جداً من هذه التوصية التي اقترحتها لجنة التحقيق البرلمانية، "وكانت مجموعة من التغييرات منتظرة منذ فترة طويلة، ولكن تم تأكيد ذلك الآن. وقد أوضحت لهم ما رأيناه وقررنا بشكل شفاف ومسؤول"، وفق تعبيره.

وتعتبر التوصية المركزية للجنة التحقيق البرلمانية تاريخية، عبر المطالبة بوضع حد للاتفاق المبرم بين الدولة البلجيكية والمملكة السعودية في 13 يونيو/حزيران 1969 بشأن إدارة المسجد الكبير في بروكسل.

ويتضمن تقرير اللجنة الذي لا يزال قيد الصياغة، فصلاً عن المسجد الكبير في بروكسل تناقلته مجموعة من وسائل الإعلام. والنتائج التي توصل إليها البرلمانيون واضحة. فإذا لم تسمح التحقيقات "بالتوصل إلى أدلة من خلال التصريحات أو الخطب التي من شأنها أن تحرض مباشرة على العنف"، فإن الإسلام الذي ينشره المسجد يصنف على أنه "سلفي وهابي"، بحسب التقرير. ويضيف أنه بالتالي "يحتوي على مجموعة من الأفكار أو المحفزات التي يمكن أن تؤدي دوراً هاماً جداً في انتشار التطرف والعنف، خاصةً أن هذا النوع من الإسلام يعد وسيلة لتقوقع الجالية المسلمة على نفسها، وبالتالي فإن نشره يتناقض مع القيم والمبادئ التي تتضمنها الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والدستور البلجيكي"، وفق ما ورد في التقرير. وقد حظي الإجراء الذي يتعين اتخاذه بنقاشات وافية بين النواب، وتم تقديم العديد من الاقتراحات. ويهدف الخيار الذي تم التوافق عليه، من قبل جميع أعضاء اللجنة، إلى وضع حد للاتفاقية بين الدولة البلجيكية والسعودية، مع الإصرار على "ما يشكله المسجد الكبير من رمز هام لجزء من الجالية المسلمة في بلجيكا"، والتأكيد على "الاحترام الصارم لحرية العبادة والفكر وتكوين الجمعيات".

وقد اعتمدت اللجنة البرلمانية على الاتفاق الموقع بين بلجيكا والسعودية عام 1969، والذي تنازلت بموجبه بروكسل عن المبنى الذي أقيم فيه المعرض العالمي عام 1880، للرياض لمدة 99 عاماً. ويتضمن الاتفاق نقطة في المادة 14 بشأن احتمال إنهاء أحد الطرفين له. ولأسباب تتعلق بـ"المنفعة العامة"، يجوز للدولة البلجيكية إنهاء الاتفاق.

تنفيذ التوصية
ويسمح القانون البلجيكي للسعودية باللجوء إلى مجلس الدولة، أعلى هيئة قضائية في البلاد، لتقديم شكوى، "لكن المشكلة أن القانون يعطي تفسيرات واسعة إلى حد ما لفكرة المنفعة العامة"، بحسب ما يقول المحامي بيتر ستاز، لـ"العربي الجديد". ويضيف أن "الأمر متروك للسلطة التنفيذية لاتخاذ القرار بشأن التوصية، إذ سيسهر كل من وزير الداخلية المكلف أيضاً بتسيير شؤون المباني الدينية، يان جامبون، ووزير العدل المسؤول عن ملف الديانات، كوين خينز، على الملف في الحكومة البلجيكية". ويشير إلى أن "الدبلوماسية لا تزال عنصراً مهماً في هذا النوع من المفاوضات". لذلك، يبقى السؤال في معرفة ما إذا كانت الدولة البلجيكية ستجرؤ على تحدي السعودية التي تعد حليفاً استراتيجياً لها؟ وفي هذا الصدد، يقول النائب دالماغن "أعرف أن هناك حججاً تتعلق بالقضايا التجارية، ولكن ما هو على المحك الآن هو أمننا الداخلي والخارجي"، بحسب تعبيره.



والهدف من تنفيذ التوصية هو وضع حد للتمويل الأجنبي. ومن ثم يتعين على الدولة بعد ذلك، صرف الأموال الخاصة بتسيير المبنى التي ستكون كبيرة، بحسب مجموعة من النواب. ويرى دالماغن أن "مساهمات المواطنين مهمة جداً. فوفقاً لأحدث الحسابات التي اطلعت عليها، كانت التبرعات من قبل المواطنين في بلجيكا كافية لتغطية مصاريف تسيير المسجد في الوقت الحاضر".

طرد إمام المسجد
وكان وزير الدولة لشؤون اللجوء والهجرة، تيو فرانكن، قد أعلن أخيراً، أنه "اتخذ قراراً بسحب بطاقة الإقامة من إمام المسجد الكبير في بروكسل"، المدعو عبد الهادي سويف، من أصل مصري. وسبب ذلك يتمثل في أن "لدى (السلطات) إشارات واضحة بأنه رجل سلفي متطرف جداً ومحافظ جداً وخطير على مجتمعنا وأمننا القومي"، بحسب تعبير فرانكن. ولم يتم تجديد تصريح إقامة الإمام، المرتبط بعمله في بلجيكا منذ عام 2004، في مارس/آذار الماضي، ما دفع به إلى تقديم طعن في الأمر في يونيو/حزيران. ويتعين على مجلس إدارة شؤون الأجانب اتخاذ قرار في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الحالي. وفي حال اعتماد موقف الوزير فسيتم طرد الإمام من بلجيكا. وفي تصريح كان قد أدلى به سويف لمجلة "كناك" البلجيكية، قال "ليس لدي أي صلة بالتيار السلفي. بل على العكس، أكافح دائماً ضد الأفكار السلفية أو المتطرفة"، وفق تعبيره. وأضاف "هل مظهري يدل على الانتماء للتيار السلفي؟ هل هناك إمام مرتبط بجامعة الأزهر في القاهرة أصبح سلفياً؟ درست في هذه الجامعة وهي التي أرسلتني إلى بلجيكا. إن العيش معاً والتسامح هما قيم الأزهر. وعندما قدمت إلى مسجد بروكسل قبل 13 عاماً، حملت معي هذه الرسالة. وهذا ما أقوم به منذ ذلك الحين"، وفق قوله.

حياد الدولة البلجيكية
والتساؤل الذي يطرح نفسه يتعلق بمعرفة ما إذا كان الحد من تأثير السعودية في إدارة المسجد الكبير يعني تدخلاً لبلجيكا في إدارة شؤون الدين الإسلامي. وفي هذا الصدد، يقول المحاضر في "الجامعة الكاثوليكية" في لوفان، جان فرانسوا هسون، إن "هذا بالتأكيد أحد الانتقادات التي يعبر عنها بعض المواطنين الذين يترددون إلى المسجد. لكن هذا ليس صحيحاً تماماً. ففي الأصل، عندما وقعت بلجيكا العقد مع المركز الإسلامي لاستئجار المبنى، كان المركز يعتبر هيئة تمثيلية للمسلمين في بلجيكا عن طريق مرسوم ملكي في عام 1978". ويذكّر بأنه عندما تم تأسيس الجهاز التنفيذي لمسلمي بلجيكا في أواخر تسعينيات القرن الماضي، كان البعض يشير إلى إرادة الدولة للتدخل في إدارة المسلمين. ويضيف أنه "تم بالفعل فصل بعض الأشخاص من الجهاز التنفيذي على أساس مشورة مقدمة من أجهزة الاستخبارات. ولكن من ناحية أخرى، في عام 2014، عندما وقع 294 مسجداً على ميثاق إجراء استبدال أعضاء الجهاز، وقدمت قائمة بالأسماء إلى وزارة العدل لم يتم رفض أي منها". ويتابع أن "الشيء نفسه حدث في عام 2016، خلال التغيير الأخير، ومن ثم يمكن القول إنه لا توجد نية للدولة لاختيار ممثلي الدين الإسلامي ولا محتويات الخطب، وذلك على عكس الخطب التي تعطى في المساجد التركية، والتي تديرها وزارة الديانة في تركيا"، وفق قول هسون. ووفقاً للخبير، فإن الرقابة الوحيدة التي تمارسها الدولة هي الرقابة الإدارية، إذ إنها ملزمة، كما هو الأمر بالنسبة للكنائس، بتمويل العجز في ميزانيات المساجد المعترف بها، لذلك فمن المنطقي أن تسعى الدولة إلى الاطلاع على الحسابات، بحسب تأكيده.

وتقول الباحثة في "مرصد الأديان والعلمانية"، كارولين ساجسر، لـ"العربي الجديد"، إنه من المنطقي تماماً، من وجهة نظر رمزية، أن تستعيد بلجيكا السيطرة على هذه المؤسسة. وتشير إلى أنه "من الغريب أن الدولة البلجيكية تعترف بالجهاز التنفيذي لمسلمي بلجيكا كممثل للمسلمين وتمنح المبنى الأكثر تمثيلاً للعبادة، لمنظمة غير معترف بها ولم تسع أبداً إلى أن تكون كذلك. والحالة مثير للحيرة، لكن وضع حد لها يمكن أن يكون معقداً، لا سيما على المستوى الدبلوماسي"، وفق تقديرها. ومن المتوقع أن تبحث الحكومة البلجيكية التوصية البرلمانية في اجتماع مقبل، لاتخاذ قرار بشأنها عندما يكون الوفد السعودي قد غادر بلجيكا.

المساهمون