أربيل تؤيد الحوار مع بغداد: مخاوف من حرب استنزاف

20 أكتوبر 2017
عناصر من "الحشد الشعبي" في كركوك (إليزابيث فيت/Getty)
+ الخط -

بعد هدوء استمرّ ليوم واحد، عاد التوتر إلى عددٍ من المناطق في شمال العراق، وشهد عدد من مناطق كركوك وخانقين وسهل نينوى أمس الخميس، هجمات مسلحة ضد قوات الجيش والشرطة الاتحادية العراقية وإحراق مقرات للعرب والتركمان من قبل جماعات كردية عنصرية أطلقت على نفسها "صقور كردستان". والتطور الجديد هدد بمنع عودة الاستقرار لتلك المناطق، كما أفسح المجال لمزيد من التوتر القومي، بما شكّل مؤشراً على بروز بوادر أولية لحرب استنزاف في تلك المناطق، وذلك على الرغم من إصدار رئيس الوزراء، حيدر العبادي، جملة من القرارات تتعلق بإدارة ملف الأمن بتلك المدن، من بينها إخراج مليشيات "الحشد الشعبي"، واعتقال متورطين بإحراق علم كردستان وصور رموز كردية مختلفة كانت معلقة في شوارع تلك المدن، فضلاً عن إزالة الرايات والأعلام والشعارات ذات البعد المذهبي، التي رفعتها فصائل مختلفة من "الحشد" عند دخولها كركوك وباقي البلدات، يوم الإثنين الماضي. مع ذلك رحّبت حكومة إقليم كردستان بدعوة العبادي للحوار لحلّ الأزمة "وفق الدستور وبإشراف دولي". وذكرت حكومة الإقليم، في بيان، أن "مجلس وزراء إقليم كردستان عقد اجتماعاً برئاسة رئيس حكومة الإقليم نيجرفان البارزاني"، موضحة أن "الاجتماع ناقش التطورات الأخيرة في كركوك والمناطق المتنازع عليها". وأكدت ترحيبها بـ"مبادرة رئيس الوزراء العراقي لإجراء حوار بين بغداد وأربيل لحلّ المشاكل، وفقاً للدستور وضمن إطار الشراكة والتوافق، مطالبة المجتمع الدولي بتقديم المساعدة للجانبين". وسبق لوزير خارجية إقليم كردستان، فلاح مصطفى بكر، أن كشف لمحطة "سي أن أن" الأميركية، أنه "لم تكن هناك أي نية للدخول في حرب ضد الجيش العراقي"، مؤكداً على "الحاجة للحوار مع بغداد".

وضع الشمال العراقي كان أساسياً في حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي نقلت عنه صحيفة "حرييت" قوله، أمس، إن بلاده "قد تغلق الحدود مع شمال العراق في أي لحظة"، وذلك بعد أن أغلقت مجالها الجوي مع المنطقة. وكرر تهديده الذي وجهه للمرة الأولى بعد استفتاء انفصال كردستان في 25 سبتمبر/أيلول الماضي. وأضافت الصحيفة أن "أردوغان قال للصحافيين على طائرته خلال عودته من زيارة لبولندا: أغلقنا مجالنا الجوي تماماً أمام الحكومة الإقليمية في شمال العراق". وتابع: "ما زالت المحادثات مستمرة بشأن الإجراءات التي ستتخذ في ما يتعلق بالبر، لم نغلق المعابر الحدودية بعد، لكن هذا قد يحدث أيضاً في أي لحظة". وكانت أنقرة أعلنت يوم الإثنين، عن إغلاق مجالها الجوي أمام إقليم كردستان شبه المستقل وقالت إنها "ستعمل على تسليم السيطرة على المعبر الحدودي الرئيسي إلى الإقليم للحكومة المركزية العراقية".



في سياق آخر، أمرت محكمة عراقية باعتقال المسؤول الكردي كوسرت رسول، بسبب تصريحات اعتبر فيها أن القوات الاتحادية في كركوك "قوات محتلة". وفي جديد الصفقة التي برزت، يوم الإثنين، لناحية خروج قوات البشمركة التابعة لحزب الاتحاد الوطني من كركوك، كشف المتحدث باسم الاتحاد الوطني الكردستاني، سعدي بيره، عن دور قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ورئيس جهاز الاستخبارات التركي، هاكان فيدان، في عملية بسط القوات العراقية سيطرتها على محافظة كركوك. وقال بيره إنه "كان هناك اتفاق ثلاثي بين العراق وإيران وتركيا بشأن العملية، وكان ممثل إيران اللواء سليماني وممثل تركيا رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان". وعدّ شرط الحكومة الاتحادية في بغداد بإلغاء نتائج الاستفتاء "تعجيزياً ولا يمكن تنفيذه"، مضيفاً أن "هناك أشخاصاً سياسيين قد أبرموا اتفاقاً لدخول الحشد الشعبي والقوات إلى كركوك لتجنيب الناس القتل والاقتتال".



وفي مسألة التوتر الميداني، عبّر عضو الجبهة العربية في كركوك أحمد الجبوري، عن "وجود مخاوف في الطبقة السياسية والحكومية وحتى الشعبية بالمناطق والمدن المتنازع عليها من أن تتحول مناطقهم إلى ساحة تنافس من نوع آخر". وأوضح أن "الخوف من عودة الاغتيالات والتفجيرات بواسطة العبوات اللاصقة والكواتم (مسدسات كاتمة للصوت) من قبل الأكراد، وكذلك من قبل المليشيات (الحشد الشعبي) ويكون المواطن ضحية بالدرجة الأولى"، مضيفاً أن "الحلّ السياسي كفيل بوقف كابوس اللاأمن في تلك المناطق".

وكانت الهجمات الأخيرة تسببت بمقتل 11 عنصراً من فصائل مليشيا "الحشد الشعبي"، وإصابة 21 آخرين، بينهم أفراد بالأمن والجيش، في مناطق سد الموصل وزمار وربيعة وكركوك وخانقين. ووفقاً لمصادر حكومية عراقية، فقد عززت بغداد قواتها في تلك المناطق بعد سحب فصائل "الحشد الشعبي" من مراكز المدن بقوات من شرطة البصرة المحلية ومن بغداد وديالى، استقدمتها خصيصاً لهذا الغرض.

وقال مسؤول بالأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي لـ"العربي الجديد"، إن "نحو ستة آلاف عنصر تم استقدامهم من مناطق ومحافظات عدة، لإمساك الأمن بالمناطق المتنازع عليها". وأكد أن "الهجمات الأخيرة على أفراد الأمن ومقرات حكومية وأخرى حزبية تابعة للتركمان، فضلاً عن عمليات إحراق العلم العراقي تقف وراءها مليشيا كردية عنصرية، نعتقد بأنها مدعومة من الحزب الديموقراطي تطلق على نفسها اسم (صقور كردستان) ويجري التحقيق في الموضوع على مستوى عالٍ. وفي حال ثبت ذلك بالأدلة فإن رئيس الإقليم، مسعود البارزاني، سيكون أمام القانون".

إلا أن القيادي بالتحالف الكردستاني حمة أمين، نفى ارتباط المهاجمين الأكراد بأي حزب أو بقوات البشمركة، مبيّناً أن "تلك الجماعة ولدت قبل أيام قليلة، كرد فعل على انتزاع مناطقهم من سيطرة أربيل ودخول المليشيات والجيش إليها". وأكد أن "على الحكومة العراقية أن تقبل بشراكة في الملف الأمني بين قواتها وقوات البشمركة، كحل سريع للموضوع ولإيقاف تدهور أمني قد يستمر ويتصاعد في قابل الأيام".



بدوره، اعتبر عضو الجبهة التركمانية، مجيد غل زاد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "جماعات كردية عنصرية مسؤولة عن هجمات مسلحة، ويجب على القوات العراقية البدء بالتعامل معهم كإرهابيين"، مضيفاً "نعتقد أن لهم صلة بحكومة الإقليم كما نخشى من أن يكون هناك مخطط لتسهيل هجوم كبير لعناصر داعش، على عدد من المناطق المتنازع عليها التي دخلتها قواتنا، بغية توجيه رسالة بأن البشمركة وحدها قادرة على حفظ الأمن، وأنه بسبب انسحابها عاد داعش مرة أخرى".

في هذه الأثناء، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية، سعد الحديثي لـ"العربي الجديد" إن "الحكومة ما زالت ترحّب بالحوار لحل المشاكل والخلافات ضمن الدستور العراقي"، منوّهاً إلى أن "الحكومة تعتبر أن الاستفتاء غير الشرعي الذي تمّ بالإقليم غير موجود وتتحاور ضمن سقف الدستور العراقي لا أكثر من ذلك". جاء ذلك بعد تصريح مماثل للعبادي، قال فيه إن "الاستفتاء بات من الماضي، ولا عودة إليه وأدعو كردستان للحوار، لكن بشرط الاعتراف بسلطة الدستور والدخول بالحوار على هذا الأساس".

وكان قيادي بارز في التحالف الوطني، كشف عما وصفه بـ"الحراك الجديد من أجل فتح باب الحوار مع كردستان بعيداً عن الاستفتاء"، مشيراً إلى أن "الحكومة أبلغت الرئيس فؤاد معصوم، بإمكانية الحوار بعد السيطرة على كركوك وباقي المناطق التنازع عليها، وتكون من خلال وفد يسميه الإقليم مسبقاً لبدء حوارات تمهيدية تكون للاتفاق عما يمكن الحوار عليه".

ولفت إلى أن "هناك مشاكل حقيقية في الإقليم بين السليمانية وأربيل. ولا نعتقد بأن تكون هناك لجنة مشتركة بين الطرفين للقدوم إلى بغداد وبدء الحوار، لذا قد تكون هناك مباحثات ثانوية مع أطراف كردية ليس من بينها حزب مسعود البارزاني". وأشار إلى أنه "في حال بدء الحوار فسيكون موضوع النفط والغاز وحدود الإقليم الرسمية والمادة 140 من الدستور أبرز ما سيتم مناقشته". وشدّد على أن "السليمانية وافقت على بدء الحوار فوراً، لكن أربيل لم يصدر منها أي إشارات حول ذلك، واكتفت قيادات بالحزب الكردستاني بالمطالبة بأن يكون هناك ضامن كالأمم المتحدة في أي حوار".

من جانبها، ذكرت عضو حزب التغيير، النائبة سروى عبد الواحد لـ"العربي الجديد"، بأن "الحكومة إذا طبّقت الدستور فعلاً في الحوار مع كردستان، فسيكون من الصحيح الذهاب للحوار". وأضافت أن "المادة 140 من الدستور قائمة وأي حوار لا يشمل تنفيذ هذه المادة من خلال بدء استفتاء عام لسكان المناطق المتنازع عليها لسؤالهم بين البقاء مع بغداد أو الذهاب تحت إدارة الإقليم، لن يكون مجدياً". أما القيادي بالاتحاد الكردستاني، شوان داوودي، فاعتبر بأنه "يتمنى ألا تنسى بغداد أن هناك مادة تعرف باسم 140 من الدستور، ويجب أن تنفذ ما دام رئيس الوزراء يرفع شعار تطبيق الدستور واحترامه".

من جهته، أوضح منصور البعيجي النائب عن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، لـ"العربي الجديد"، أن "الجهد الحالي للحكومة هو تثبيت استقرار تلك المناطق وإعادة كل شيء إلى وضعه الطبيعي، بما فيهم من وقعوا ضحية عملية التغيير الديموغرافية بالسنوات الماضية". ونوّه إلى أن "الحديث عن المادة 140 من الدستور يمكن أن يكون بعد إزالة كل آثار السنوات الماضية وإعادة السكان الأصليين إلى مناطقهم التي طُردوا منها".