تونس: تنامي الاحتقان الاجتماعي يهدد بانفجار في وجه الحكومة

14 أكتوبر 2017
أكثر من 8 آلاف تحرك احتجاجي في 2017(ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -
ارتفعت كل المؤشرات التحذيرية في تونس التي تسبق عادة موجة الاحتجاجات الكبيرة، وبدأت جهات عديدة في البلاد تطلق تنبيهات بهذا الخصوص وتحذر من تجاهل هذا الوضع الذي يهدد بالانفجار. وتؤكد آخر استطلاعات الرأي أن نسبة التشاؤم لدى التونسيين ارتفعت في الشهر الأخير إلى ثلاثة أرباع المستجوَبين، وهي أكثر حدة لدى فئة الشباب.

وأفاد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بأن التحركات الاحتجاجية خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2017 تجاوزت 8 آلاف احتجاج، بالإضافة إلى ارتفاع غير مسبوق في موجة الهجرة السرية إلى إيطاليا، ما يعني أن الوضع العام يسير فوق فوهة بركان قابل للانفجار في أي لحظة إذا لم يتم تدارك ذلك سريعاً. وبحسب المؤشرات الحالية، فإن الأيام المقبلة تبدو أصعب، بالنظر إلى مواقف الأحزاب والمنظمات المتفاوضة حول موازنة العام المقبل وما رشح عنها من تسريبات تؤكد أنه سيتم رفع الضرائب والرسوم بما يعقّد أكثر الوضع الاقتصادي الهش بطبيعته.

ورأى رئيس حزب البديل التونسي، رئيس الحكومة الأسبق، المهدي جمعة، أن الوضع الصعب الذي تمر به البلاد يستدعي جرأة من قبل القيادة والنخب السياسية والاقتصادية، مشدداً على إمكانية القيام بالإصلاحات وسط الأزمات الكبرى بعيداً عن التجاذبات السياسية والمحاصصات الحزبية. واعتبر جمعة أن البلاد تحتاج اليوم إلى "صدمة" للقيام بإصلاحات بدلاً من رفع الضرائب، كما هو الشأن في مرحلة ما بعد الاستقلال التي شهدت بناء مؤسسات الدولة والمدارس والمستشفيات على الرغم من شحّ الموارد.

ويبدو حديث جمعة عن الصدمة وتجاوز التجاذبات السياسية غير واقعي، إذ يدرك رئيس الحكومة الأسبق أن الحياة السياسية في تونس تخضع في كل تفاصيلها إلى الحسابات السياسية الضيقة جداً، ولعل الخلافات التي تسربت أخبارها عن المجتمعين بشأن الموازنة تؤكد أن الإجماع الذي يشير إليه في غاية الصعوبة.

وبرز الخلاف قوياً بين منظمتي العمال ورجال الأعمال، وهو ما لم يخفه الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، الذي اعتبر أن مشروع قانون المالية لسنة 2018 موجّه بالأساس إلى الطبقة الضعيفة، وأن المنظمة النقابية ستكون سداً منيعاً للدفاع عن العمال. وحذر الطبوبي، في اجتماع أشرف عليه قبل أيام، من أن مشروع موازنة 2018 سيسير بالبلاد إلى وضع لا تُحمد عقباه، وأن الطبقة العاملة هي أكثر من ضحّى من أجل تونس، والمطلوب اليوم هو تضحية الجميع، كل حسب قدراته وإمكاناته من دون الضغط على فئة معيّنة.

وأبدى رئيس المنظمة النقابية بعض المرونة بتأكيده أن العمال مستعدون للتضحية "شرط أن تكون بقية الأطراف الاجتماعية مستعدة كذلك للتضحية ولتقاسم الأعباء"، في رسالة واضحة إلى منظمة رجال الأعمال التي تعتبر بدورها أن الموازنة الجديدة ستضر بالمؤسسات الاقتصادية، وستفرمل نموها، وبالتالي ستحد من الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة، بل قد تزيد من أزمات بعض المؤسسات التي تشكو أصلاً صعوبات واضحة.


ودعت رئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، وداد بوشماوي، إلى خفض الضرائب وتوسيع قاعدة المساهمين في الجباية والتصدي فعليّاً للتجارة الموازية والتهريب، والبحث عن حلول جديّة لإدماج هذه الأنشطة في المنظومة الجبائية والتخفيض في النفقات العامة. وطالبت في تصريح إذاعي، بالعمل على تشجيع الاستثمار والتصدير، وإعفاء المؤسسات المصدّرة من الضرائب بهدف إصلاح الوضع الاقتصادي.

في المقابل وصفت الجبهة الشعبية اليسارية هذه الموازنة بـ"ميزانية الحرب على الشعب"، وخرجت قياداتها إلى الشارع لتوزع مناشير حول الإجراءات التي ستتضمنها الموازنة، واصفة إياها بالكارثية على التونسيين. كما اعتبر العاملون في السياحة أن الإجراءات التي تستهدف بشكل خصوصي القطاع السياحي، والمضمنة في مشروع قانون المالية لسنة 2018، "ستقضي على القطاع"، الذي يعاني صعوبات منذ 7 سنوات أثرت سلباً عليه.
ويبدو أن المحامين أيضاً سيدخلون في احتجاج متواصل، وقد يتحول إلى اعتصام في القصبة تحت شعار "معركة تقرير المصير ورد الاعتبار" بهدف التصدي للإجراءات المجحفة والمدمرة لقطاع المحاماة، بحسب تعبيرهم.

كل هذا والحكومة تلوذ بالصمت قبل أن تحيل مشروعها إلى مجلس النواب بعد أيام، لتبدأ معركة كبيرة بين حكومة لم يعد بإمكانها إيجاد بدائل غير التنفيذ الحرفي لتعليمات صندوق النقد الدولي ورفع الضرائب، وبين معارضة بدأت تتنبأ مبكراً بسقوط هذه الحكومة.
وخرج رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، محاولاً إطفاء هذه النيران التي اشتعلت من كل حدب وصوب، منتقداً معارضي الموازنة قبل الاطلاع عليها، ونافياً وجود بعض الرسوم على السيارات والسفر، مؤكداً أن الموازنة ستشجع المستثمرين في المناطق الداخلية، وداعياً منتقديه من المعارضة إلى التحلي بالمسؤولية. ونفى الشاهد ما يُروَّج حول اتخاذ حكومته للحلول السهلة ورضوخها لإملاءات صندوق النقد الدولي من دون وضع أي برنامج، موضحاً أنّ الصندوق سمح لتونس بالحصول على قروض بفوائد ضعيفة، أغلبها تم الاتفاق عليها قبل انطلاق مهام حكومة الوحدة الوطنية.

ولكن هل يصمد هذا المشروع أمام كل هذه المعارضات السياسية والمهنية في الوقت نفسه، وماذا يمكن أن يوفره الحزام السياسي، من أحزاب الائتلاف، من دعم لمشروع لا شعبي عشية انتخابات بلدية تفترض استمالة الناس والتقرب منهم وتقديم حلول لمعاناتهم لا إثقالهم بإجراءات جديدة ستعمّق من حياتهم الصعبة؟ وهل يمكن لهذه المعادلة الصعبة أن تتيح ما يدعو إليه مهدي جمعة من تجنّب التجاذبات السياسية والقفز فوق حسابات الربح والخسارة؟