بغداد تستعد لإطلاق آخر معاركها مع داعش خلال أيام

13 أكتوبر 2017
لمسات أخيرة للقوات العراقية قبل المعركة (معاذ الدليمي/فرانس برس)
+ الخط -

تسارع حراك أرتال الجيش العراقي من وسط العراق وشماله إلى محافظة الأنبار عبر الطريق الدولي السريع، صوب مدن أعالي الفرات، معقل "داعش" الأخير في العراق، حيث بلدتي راوة والقائم، غرب الأنبار، القريبة من الحدود مع سورية، وذلك في وقت كثفت فيه مقاتلات التحالف الدولي طلعاتها الجوية في صحراء المحافظة، لرصد تحركات التنظيم ومعسكراته، التي أنشأها حديثاً بعد اندحاره من المدن الشمالية والغربية.

ووفقاً لقيادات عسكرية عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن "من المقرر خلال أيام قليلة الإعلان رسمياً عن بدء معركة راوة والقائم لطرد داعش منها، والتي ستكون بطبيعة الحال آخر معارك العراقيين المباشرة ضد التنظيم، ومعها تنتهي سيطرته على المدن العراقية بشكل كامل، لتبدأ معها مرحلة جديدة لا تقل خطورة عن المرحلة الحالية وهي خلايا التنظيم وجيوبه المبعثرة بين المدن المحررة وبغداد، التي صعّدت من هجماتها الإرهابية أخيراً، وطاولت في الغالب تجمعات المدنيين في عمليات تأخذ طابعاً انتقامياً من السكان العزّل.

وقال مسؤول عسكري عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد"، إنه "نقل ما لا يقلّ عن 20 ألف جندي في الأيام الأخيرة من وسط العراق وشماله وتحشيدها على حدود مدينتي القائم وراوة". ووفقاً للمسؤول ذاته، فإن "وحدات مدرعة وكتائب صواريخ ومدفعية، انتقلت أيضاً استعداداً للهجوم الذي من المقرر أن يتم خلال أيام قليلة".

ولفت إلى أن "القوات الأميركية ساعدت بإعداد خطة الهجوم النهائية، وهناك طلبات من نظام بشار الأسد بتأجيل الهجوم العراقي، لحين تمكن قوات النظام من السيطرة على دير الزور والبو كمال، تخوّفاً من انسحاب مقاتلي التنظيم إلى تلك المناطق بعد تقدم القوات العراقية، إلا أن الحكومة رفضت ذلك واعتمدت خطة واسعة للسيطرة على الحدود مع سورية بعد انتهاء معركتي القائم وراوة باتت تعرف باسم معركة إغلاق الحدود".
وأكد مسؤولون محليون في محافظة الأنبار "تواجد ما بين 60 إلى 80 ألف مدني في المدينتين الأخيرتين للتنظيم (القائم وراوة)، ويفرض عليهم جميعهم إقامة جبرية، ويُمنعون من المغادرة، فيما تقدّر أعداد مسلحي التنظيم ما بين 3 و4 آلاف مقاتل، معظمهم عراقيون وسوريون. وهناك مقاتلون من جنسيات آسيوية وأوروبية، انتقلوا بعد تحرير الموصل وانكسار التنظيم هناك إلى تلك المناطق".

وذكر رئيس لجنة الأمن والدفاع العراقية حاكم الزاملي، لـ"العربي الجديد"، أن "القوات العراقية تحركت نحو القائم وراوة، وقريباً جداً تبدأ المعركة وبعدها تبدأ عملية الإمساك بالحدود، لنعلن العراق محرراً بشكل كامل". وأضاف أن "هذا الجهد يحتاج إلى شيء بعده كي لا يعود داعش أو نسخ أخرى منه مشابهة له، نحتاج لعلاج الأخطاء السابقة ونحتاج لمصالحة وطنية حقيقية على كل المستويات حتى لا تتكرر المأساة". وختم "المعركة قريبة جداً ولا نريد منحهم وقتاً أكثر لالتقاط أنفاسهم مرة أخرى، ولهذا ستتم مباغتتهم".



من جهته، طالب النائب عن محافظة الأنبار فارس الفارس، القوات العراقية والحكومة باتخاذ "الاستعدادات الإنسانية أيضاً لهذه المعركة"، مبيّناً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "هناك عشرات الآلاف من السكان سينزحون مع بدء المعركة، ولذلك يجب الاستعداد لاستقبالهم قبل بدء المعركة".

من جانبه، أفاد قائد عمليات الجزيرة والبادية بالجيش العراقي، المسؤولة عن الهجوم على القائم وراوة، اللواء الركن قاسم المحمدي، لـ"العربي الجديد"، بأن "الاستعدادات في مراحلها النهائية". وأوضح أن "قطعات الجيش تنهي عملية التحشيد النهائي وبانتظار ساعة الصفر من قبل القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي". وكشف أن "خطوط الهجوم للقضاء على التنظيم باتت مهيأة والجيش والقوات الأخرى المساندة له مستعدة للمعركة الأخيرة مع الإرهابيين".

والقائم آخر مدن محافظة الأنبار، غرب العراق، وعلى بعد 420 كيلومتراً غربي بغداد، وهي مدخل نهر الفرات المقبل من الأراضي السورية للعراق، وتحتوي على أكبر مناجم للفوسفات في المنطقة، فضلاً عن حقل غاز غير مستثمر. وسُمّيت المدينة بـ"القائم"، نسبة إلى دير مسيحي موغل في القدم يدعى "دير القائم". ويؤكد المؤرخون أن من كان فيه من رهبان وقساوسة ساعدوا الجيوش العربية الإسلامية الآتية من شبه الجزيرة العربية في عام 633، خلال حملات فتح العراق.

وكانت المدينة مركزاً تجارياً وحضارياً واسعاً يشمل مناطق البو كمال وحتى حوض الفرات، إلا أن تقسيم الدول العربية في ما بعد اقتطع البو كمال ضمن الدولة السورية الحديثة. كما أن الخليفة هارون الرشيد سجن يحيى البركمي وولديه عام 157 هجرية في هذه المدينة.

أما مدينة راوة فتقع على ضفة النهر اليسرى على بعد 320 كيلومتراً غربي بغداد، وضمن محافظة الأنبار أيضاً تفصل بينها وبين القائم صحراء واسعة تسيطر على جزء كبير منها القوات العراقية. والمدينة عبارة عن شبه جزيرة، إذ يحدّها الفرات من ثلاثة جوانب وتبعد عن الحدود السورية بنحو 100 كيلومتر وتعرف تاريخياً باسم الرحبة. وهي مكان استقرار وراحة القوافل التجارية قديما المتنقلة بين العراق والشام وشبه الجزيرة العربية.

وسيطر "داعش" على البلدتين منتصف عام 2014 بعد سقوط الموصل بأيام عدة، وارتكب التنظيم فيها أبشع مجازره، حيث أقدم على إعدام عدد كبير من أبناء العشائر العربية، الذين رفضوا مبايعة زعيم التنظيم إبراهيم عواد البدري، المعروف باسم أبو بكر البغدادي، خليفة. كما شهدت أيضاً عمليات قصف للطيران العراقي والتحالف الدولي تسببت بمقتل المئات من السكان، من أشهرها مجزرة سوق السمك في القائم ومجزرة شارع الكورنيش في راوة خلال السنوات الماضية.



المساهمون