"أفول" نجم زعماء أحزاب مغربية (4/4): إلياس العماري

02 أكتوبر 2017
فشل العماري في محاربة "العدالة والتنمية" (فضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -
بعد صعود نجم زعماء أحزاب سياسية في المغرب خلال السنوات القليلة الأخيرة، تزامناً مع حلول "الربيع العربي"، ونسخته المغربية متمثلة في "حركة 20 فبراير"، بدأ نجم بعضهم في التهاوي والأفول لأسباب عدة.

في هذا السياق، إن إلياس العماري، الأمين العام السابق لحزب "الأصالة والمعاصرة" المعارض، الذي تأسس في أغسطس/آب 2008، إحدى هذه الزعامات الحزبية التي بدأت تبتعد عن الواجهة السياسية. وظهر ذلك أثناء إعلان استقالته بشكل أثار الجدل في أغسطس الماضي، مبرراً بأنه "مسؤول عن مكامن الخلل والقصور في أداء برلمانيين ومنتخبين ينتمون إلى الحزب الذي يقوده".

وكان العماري قد قاد حزب "الأصالة والمعاصرة" الذي يضمّ خليطاً من السياسيين والمعتقلين السابقين ورجال الأعمال، منذ يناير/كانون الثاني 2016 حتى أغسطس من العام الحالي. وتمكن العماري من خلق هالة سياسية كبيرة لنفسه، مع كثير من "الأسرار" والخطوط الحمراء"، مستنداً في ذلك إلى صداقته مع فؤاد علي الهمة، مستشار الملك محمد السادس.

وعند انتخاب العماري زعيماً لحزب "الأصالة والمعاصرة"، أكد أن من أهدافه "قيادة الحزب لصدّ إسلاميي حزب العدالة والتنمية الذي كان حينها يشرف على قيادة الحكومة برئاسة عبد الإله بنكيران". وكانت البلاد على مشارف انتخابات تشريعية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2016.

وبنى العماري ثقله السياسي والحزبي خلال الفترة التي أمضاها على رأس "الأصالة والمعاصرة"، وحتى قبل ذلك باعتبار أنه كان الرجل القوي من خلف الستار في مرحلة قيادة مصطفى الباكوري للحزب، الذي بُني على معاداة حزب "العدالة والتنمية" خصوصاً، وتحديداً حول شخصية عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة حينئذ. ودارت حرب طاحنة بين الرجلين.

وعمل العماري خلال فترة قيادته القصيرة للحزب على نسف أطروحة حزب "العدالة والتنمية"، وإظهاره بمظهر "الحزب الذي يكثر من الوعود والكلام من دون العمل والتطبيق، وإبراز أن شعارات محاربة الفساد التي رفعها إبان الحملة الانتخابية شيء وواقع الممارسة الحكومية شيء آخر تماماً".

الخطة التي اعتمدها العماري حتى في الحملة الانتخابية لحزبه في الاستحقاقات التشريعية الماضية انقلبت ضده، فتحول كل هجوم من العماري على بنكيران خصوصاً، إلى نقاط لصالح هذا الأخير. وهو ما فطن له بنكيران خلال جولاته الانتخابية، فهاجم العماري كثيراً من خلال اتهامه بالتحكم وإفساد الحياة السياسية.



وحشد العماري الآلة الانتخابية لـ"الأصالة والمعاصرة"، تحديداً في القرى والبوادي، مستنداً إلى دعم "الأعيان" والعلاقات القبلية، مروّجاً بأنه "رجل المرحلة ومقرّب من صنّاع القرار". وكان لهذه "البالونات السياسية" أثرها، خصوصاً في القرى التي حصل فيها الحزب على مقاعد كثيرة، فضلاً عن بعض المدن الصغرى، لكنه لم يستطع هزيمة غريمه "العدالة والتنمية" الذي تصدر انتخابات 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2016.

عجز "الأصالة والمعاصرة" عن احتلال المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، وبالتالي لم يستطع رئاسة الحكومة التي كان العماري راغبا بها رغم نفيه لذلك مراراً أمام وسائل الإعلام، وهذا كان بدوره عاملاً مؤثراً زاد في "كسر شوكة" الزعيم الحزبي الذي بدا كمن "انكشفت أوراقه"، ولم يعد لما يروج عنه بشأن نفوذه وقدرته على تسيير الأمور من وراء الستار، أي تأثير أو معنى، بعد أن انهزم أمام "العدالة والتنمية".

وإذا كان العماري قد استطاع كسب العديد من الأصوات الانتخابية خصوصاً في الأرياف، ما مكنه من احتلال المركز الثاني في الانتخابات، غير أنه فشل فشلاً واضحاً في إقامة مشروع سياسي واضح المعالم وقائم بذاته، حتى إن حزبه، رافع شعار الحداثة، سقط في مطب الزعامة المتفردة بالقرار، وهو ما أعابه قياديون داخل الحزب على العماري نفسه.

وجاءت مرحلة مفاوضات تشكيل الحكومة التي لم يؤدِّ فيها العماري أي دور حاسم، مع اختياره منذ البداية صف المعارضة، بينما أنيطت بحزب "الأحرار" مهمة مواجهة رئيس الحكومة السابقة بنكيران في مشاورات تشكيل الحكومة. واستطاع عزيز أخنوش زعيم "الأحرار" فرض حلفائه على بنكيران الذي رفض تلك الشروط، ما أفضى إلى عرقلة تشكيل الحكومة أشهرا عدة ليتدخل الملك ويعفي بنكيران، ويأتي بعده سعد الدين العثماني الذي قبل بشروط "الأحرار".

ورأى مراقبون أن العماري "فشل" في هزيمة "العدالة والتنمية"، سواء في الانتخابات الجماعية الأخيرة أو في الانتخابات التشريعية، وفشل في "الانقلاب" على رئيس الحكومة، بعد ما راج بخصوص جمعه لقيادات الحزب لإعلان رفضهم لبنكيران في اليوم الثاني بعد الانتخابات. وبالتالي فشل في دحر "الإسلاميين"، وهي كلها عوامل أدت إلى "ابتعاد" الدولة عن دعم العماري الذي سرعان ما أعلن استقالته في أغسطس الماضي، بحجة أنه غير راضٍ عن أداء منتخبين وبرلمانيين في حزبه.