وادي بردى يرفض الاستسلام: روسيا تتخلّى عن دور الضامن

09 يناير 2017
سوريون يتظاهرون ضد النظام بالغوطة الشرقية قبل أيام(سامر تاتين/الأناضول)
+ الخط -
رفض أهالي منطقة وادي بردى شمال غربي العاصمة السورية دمشق، عروض "مصالحة" مع النظام السوري، تفضي إلى تهجيرهم من قراهم، وتسلميها حزب الله، ما دفع ضابطاً روسياً يتولى التفاوض معهم بالتهديد بـ"تسوية" قريتين تسيطر عليها المعارضة بـ"الأرض"، وهو الأمر الذي تُرجم على الفور بعودة القصف الجوي والمدفعي من قوات النظام وحزب الله ومليشيات طائفية أخرى. وبذلك، تكون روسيا قد تخلت، علناً، عن دور الضامن الذي يفترض أنها تؤديه لاتفاق أنقرة، مع شريكها التركي، حول وقف إطلاق النار الذي لم تحترمه قوات النظام والمليشيات المحسوبة على إيران.

ولم تمض ساعات على فشل المفاوضات، بين وجهاء قرى وادي بردى الذين يتواصلون مع وفد روسي، حتى عاد طيران النظام ومدفعيته إلى قصف قريتي عين الفيجة وبسّيمة، في محاولة ترهيب جديدة لعشرات آلاف المدنيين، للضغط على المعارضة من أجل الموافقة على سيناريو "مصالحة"، يفضي إلى تسليم السلاح، ومغادرة المنطقة، في حلقة من مسلسل تهجير وتغيير ديموغرافي يتّبعه النظام وحلفاؤه في دمشق وريفها. وقد تركّز القصف على قرية عين الفيجة التي تضم نبع الماء الأشهر في سورية، والذي يعد مصدر المياه الرئيسي لملايين المدنيين في دمشق.

وشن طيران النظام، أمس الأحد، نحو 20 غارة ضد الفيجة، كما سقط فيها، عدة صواريخ من نوع "فيل". وأغار الطيران الحربي على قرية بسّيمة وبلدة دير مقرن القريبة منها، بالتزامن مع قصف مدفعي استهدف منازل مدنيين. وأكد الناشط الإعلامي، يعقوب الشامي، لـ"العربي الجديد"، أن قوات النظام ومليشيات حزب الله تستهدف قرى الوادي بكل أنواع الأسلحة، مشيراً إلى أن هذه القوات استهدفت، ظهر أمس الأحد، قرية بسّيمة بغاز الكلور المحرم دولياً.

ولم يقبل أهالي منطقة وادي بردى بـ"مصالحة" غايتها تهجيرهم من منازلهم، وتسليم المنطقة لقوات النظام وحزب الله، مطالبين بهدنة وفق اتفاق وقف إطلاق النار الموقّع بين المعارضة والجانب الروسي في أنقرة في 29 ديسمبر/كانون الأول الماضي، والمدعوم بقرار صادر من مجلس الأمن الدولي. واعتبر الأهالي أن الموافقة على "المصالحة" هي بمثابة استسلام يفضي إلى تسليم قراهم لمليشيات حزب الله التي تسعى لربط مناطق نفوذها في سورية ولبنان.

وذكر المفوض عن الفعاليات المدنية في وادي بردى بالخارج، المحامي فؤاد أبو حطب، أن الجنرال الروسي المكلف بإيجاد حلول للأوضاع المتأزمة في منطقة وادي بردى، طالب خلال اجتماع مع وفد منطقة الوادي، يوم السبت، برفع علم النظام فوق منشأة نبع عين الفيجة، ودخول ورشات الصيانة لإصلاح ما تخرب، ولعودة ضخ المياه إلى العاصمة، على أن ترافق هذه الورشات كتيبة من الحرس الجمهوري التابع للنظام. وعرض المسؤول الروسي أن يتم بعد ذلك التفاوض على بقية بنود المصالحة، بما فيها عودة أهالي قريتي أفرة وهريرة إلى منازلهم، التي هجرهم منها حزب الله، منذ عدة أشهر، و"تسوية" أوضاع مقاتلي المعارضة الذين يسلّمون أسلحتهم للنظام، وفق تأكيد أبو حطب. وأشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الضابط الروسي "استشاط غضباً" عندما رفض وفد قرى الوادي العرض، وهدد بقيام الطيران الروسي بـ"تسوية" قريتي عين الفيجة وبسّيمة بالأرض تماماً.


كما أكد أبو حطب أن الجنرال الروسي مارس دور الطرف وليس دور الضامن لاتفاق وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أنه "كان يمثّل النظام في المفاوضات لجهة الضغط على الثوار والأهالي". وأضاف أن الموفد الروسي "فاوض على تهجير المدنيين، وإدخال حواجز لقوات النظام وحزب الله إلى داخل قرى الوادي، وهذا أمر مرفوض تماماً من قبل أهالي الوادي"، بحسب تأكيده.

وطالب أبو حطب روسيا بلعب دور الضامن، وتحمل مسؤوليتها تجاه اتفاقية أودعت وثائقها في مجلس الأمن الدولي، مستغرباً تصرف الضابط الروسي، ومشيراً إلى أن المعارضة تتواصل مع موسكو عبر عدة قنوات، وتؤكد الأخيرة، أنها ضامن وليس طرفاً، بخلاف ما يتصرف به الجنرال المعتمد من قبلها للتوصل إلى حل في وادي بردى. وأكد أن المعارضة السورية لا تمانع من دخول ورشات إصلاح إلى نبع الفيجة، بالتزامن مع وقف إطلاق النار، مشدداً على أن لدى المعارضة ما يؤكد بشكل لا يقبل الشك، أن طيران النظام استهدف نبع عين الفيجة ببراميل متفجرة، مطالباً بدخول لجنة متخصصة للتأكد من هذا الأمر، وبعودة الأمور كما كانت عليه قبل الحملة العسكرية منذ نحو أسبوعين.

وتسيطر المعارضة السورية المسلحة منذ عام 2012 على عشر قرى في وادي بردى، هي: بسّيمة، وعين الخضراء، وعين الفيجة، ودير مقرن، وكفير الزيت، ودير قانون، والحسينية، وكفر العواميد، وبرهليا، وسوق وادي بردى. وتتوزع هذه القرى على ضفتي نهر بردى، الذي ينبع من منطقة الزبداني.

في هذا السياق، أوضح الصحافي محمد فارس، وهو من أبناء منطقة وادي بردى، لـ"العربي الجديد"، أن نبع الفيجة يؤمن نحو 70 بالمائة من حاجة سكان دمشق من المياه، فيما يؤمن نبع بردى نحو 15 بالمائة. وأشار إلى أنه لا قيمة فعلية لسيطرة النظام على النبع الأخير، طالما يمر الأنبوب الذي ينقل مياه النهر إلى دمشق عبر منطقة الوادي، وهو ما يشكّل عامل ضغط إضافي من المعارضة المسلحة على النظام.

وأشار فارس إلى عدم وجود إحصائيات يمكن الركون إليها عن عدد المدنيين الموجودين في منطقة وادي بردى، كونها احتضنت آلاف النازحين من مختلف المناطق السورية خلال الست سنوات الماضية، مرجحاً أن يفوق العدد الـ100 ألف مدني، يعيشون في ظروف إنسانية وصفها بـ"المأساوية". وبيّن أن مليشيات حزب الله تسيطر على عدة قرى في الوادي حالياً، منها: جمرايا، وجديدة الوادي، وأشرفية الوادي، وهْرِيْرة، مشيراً إلى أن الحزب اللبناني أفرغ الأخيرة، إضافة إلى قرية إفرة من سكانها، منتصف العام الماضي، لإطباق الحصار على قرى الوادي من جهة الشمال، وعزلها عن منطقة القلمون.

في غضون ذلك، حذرت الفعاليات المحلية في وادي بردى من احتمال وقوع كارثة بشرية بحق ملايين المدنيين فيها وفي العاصمة دمشق، في ظل استمرار حملة القصف العنيفة والهجوم البري على وادي بردى من قبل نظام الأسد ومليشياته.

ووجهت الفعاليات المحلية في بيانها، نداءات إلى المجتمع الدولي، وطالبته "بتحمّل مسؤولياته تجاه ما يحصل في وادي بردى، ومنع الأسد ومليشياته من مواصلة الحملة العسكرية على المنطقة". ودعت إلى "إرسال ورشات إصلاح، وإعادة إعمار نبع الفيجة وشبكات المياه المحلية والمتوجهة إلى دمشق"، وتشكيل لجنة أممية "تتقصى حقيقة من يتحمل مسؤولية تدمير نبع الفيجة، وتشرف على عملية الإصلاح، وتراقب وقف إطلاق النار".

ويضغط نظام الأسد وحلفاؤه، لاستنساخ اتفاقيات سبق وعقدها مع المعارضة في عدة مدن وبلدات في محيط دمشق، أبرزها: داريا، ومعضمية الشام، وقدسيا والهامة، وخان الشيح، أفضت إلى تهجير مقاتلي المعارضة وعائلاتهم، وناشطين في الثورة إلى شمال سورية. والهدف هو "تأمين" العاصمة وتجميع المعارضة في بقعة جغرافية ضيّقة (محافظة إدلب شمال غربي سورية) قبل الانقضاض عليها في مرحلة لاحقة. ويحاول أهالي وادي بردى إفشال هذا المسعى، وعدم "تمرير المشروع الاستعماري الإيراني في بلداتهم"، معولين على قدرتهم في مقاومة قوات النظام والمليشيات الطائفية، معتمدين على ورقة المياه للضغط على النظام، كي يرضخ لمطالبهم بالبقاء في قراهم، وعدم عودته إليها مرة أخرى.
المساهمون