سورية المفيدة للنظام السوري وروسيا... ريف اللاذقية نموذجاً

28 سبتمبر 2016
يُعتبر ريف اللاذقية الشمالي "منطقة نفوذ روسية" (بهاء الحلبي/الأناضول)
+ الخط -

يتبدّل الواقع الميداني في سورية، متأثراً بالعديد من العوامل، التي قد يكون أهمها الدعم المقدم للنظام السوري الذي لا يُقارَن البتة بما يقدّم للمعارضة، ممن يقولون إنهم أصدقاء الشعب السوري. وقد ساهم غياب الدعم في خسارة المعارضة مناطق كانت تحت سيطرتها أو انحسارها، كما حدث في  منطقة ريف اللاذقية الشمالي، التي توصف بأنها جزء مما يُسمّى "سورية المفيدة"، والتي تُعتبر منطقة نفوذ للروس، وذلك اعتماداً على تفاهمات إقليمية ودولية حول تقاسم مناطق النفوذ بشكل غير علني.

في هذا السياق، رأى الناشط الإعلامي في ريف اللاذقية أحمد الكابتن، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "منذ انخراط روسيا بالحرب إلى جانب النظام في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، واستخدامه سياسة الأرض المحروقة، عبر الأسلحة الروسية الأكثر تطوراً، تمكن النظام من استعادة العديد من المناطق والقرى بريف اللاذقية الشمالي، في جبلي التركمان والأكراد. وبعد سيطرته على دورين بجبل الأكراد وقرية غمام ومرصد برج القصب بجبل التركمان الاستراتيجي، تمكن من السيطرة على جبل النوبة ومصيف سلمى، التي تُعدّ رمز الثورة بالساحل. وقد أدى هذا إلى نزوح المدنيين من المناطق، التي تطل على المراصد، من شدة القصف والاشتباكات بين قوات النظام والفصائل المعارضة".

وتابع الكابتن "ومنه تقدم النظام ليسيطر على قرى جبل الأكراد، حتى وصل إلى ناحية كنسبا، ثاني أهم قرية بعد سلمى، وهي ناحية كبيرة تضم قرى عدة، واجه أهلها تدهور حياتهم المعيشية في ظلّ شدة القصف بمختلف الأسلحة وعلى رأسها البراميل المتفجرة، التي كانت تدمر بلداتهم بشكل ممنهج". وأضاف أنه "بالنسبة لجبل التركمان، فقد سيطر النظام على كافة قرى الجبل تقريباً، وأهم نقاطه هي ناحية ربيعة بالنسبة لباير بوجاق وبرج الحياة وعطيرة وبرج زاهية. وقد شهدت المنطقة موجة نزوح غير مسبوقة، جراء شدة القصف الذي استهدف إلى جانب المناطق السكنية، كافة المستشفيات التي كانت تخدم المدنيين والمنظمات الإنسانية والمستوصفات والمدارس وحتى مخيمات النزوح قرب الشريط الحدودي، وانحصر وجود الفصائل المحاصرة في المناطق الحدودية".

هذا الواقع، أفرز نحو 40 ألف نازح، من جبل الأكراد وجبل التركمان وريف جسر الشغور وريف إدلب، موزعين على مخيمات عدة على الشريط الحدودي التركي السوري، وتصلهم المساعدات الطبية والإغاثية عن طريق منظمات إنسانية والهلال الأحمر التركي عبر المعابر الحدودية التركية. كما نزح جزء من المدنيين إلى ريف إدلب الغربي بعين البيضا وخربة الجوز والحمبوشية، التي لم تستثنَ من القصف على الرغم من محاذاتها للشريط الحدودي". غير أن الطريق مفتوحة من ريف اللاذقية إلى ريف جسر الشغور ثم ريف إدلب، على طول الحدود التركية، وتتمركز فيها فصائل حركة أحرار الشام، وأنصار الشام، والحزب الإسلامي التركستاني، والجبهة الشامية، وعدد من الفصائل المنضوية تحت لواء جيش الفتح، ومنها "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقاً).



ويبدو أن التعاطي الإقليمي قد تغير فيما يخصّ ريف اللاذقية الشمالي، فبعد أن تلقت الفصائل المعارضة دعماً جيداً للدخول إلى ريف اللاذقية، منذ عام 2012، وبات لها فيما بعد منفذ بحري يصل إدلب بالبحر، عادت الأمور لتتبدل مع التدخل الروسي، وتحول الاهتمام التركي إلى ريف حلب، سواء المناطق التي يسيطر عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أو "قوات سورية الديمقراطية"، عبر تفاهمات تركية روسية. أما اليوم فيتم الحديث عن التوجه إلى الرقة كذلك، ما تسبب بتراجع الدعم للفصائل المعارضة، إلى حدّ يسمح لها بالحفاظ على شريط حدودي، يضمن بقاء النازحين في الأراضي السورية".

في هذا الإطار، ذكرت مصادر في المعارضة لـ "العربي الجديد"، أن "هناك خطوطاً حمراً توضع للفصائل المسلحة المعارضة، من قبل القوى الإقليمية والدولية، عبر غرف التنسيق والدعم الموجودة في الأردن وتركيا، ويشارك بها العديد من ممثلي الدول الداعمة للفصائل السورية. وتدير تلك الغرف المعارك في الداخل السوري، ومع تغير قائمة الأولويات من قتال النظام إلى قتال داعش وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً) وإن كانت في مستوى أقل، بات الدعم فقط لقتالهما، وأصبح التوسع مرتبطا بقضم مناطقهما. وعليه فإن المعارك جُمّدت في درعا والقنيطرة ضد النظام، وتحوّلت إلى معارك ضد فصائل مبايعة لداعش، وكذلك الأمر لباقي المناطق".

وأعربت المصادر عن اعتقادها بوجود "تفاهم دولي على تقاسم مناطق النفوذ على الأرض، بين روسيا في مناطق النظام وأميركا في مناطق المعارضة، على أن يتم تجميد هذه الجبهات بما لا يسمح بحصول تغيير كبير في موازين السيطرة على الأرض، في حين يعمل كل طرف للسيطرة على مناطق نفوذه ضمن المساحة التي يسيطر عليها داعش. وسبق أن عبّر الروس عن ذلك عندما سيطروا على تدمر، مبينين أن السيطرة على الرقة ملزمة للأميركيين، وأنهم يعتزمون التوجه إلى دير الزور". وأضافت أن "ملفات التهجير الجارية في دمشق وريفها وحمص، والتي تتم برعاية أممية ورضى دولي تندرج ضمن سياسة فرز مناطق النفوذ، الأمر الذي قد يشير إلى طول مأساة السوريين، في ظل غياب حل سياسي للملف السوري في المدى المنظور، وصراع طويل مع الإرهاب بحسب التصنيف الدولي".

ويعتبر ريف اللاذقية الشمالي، بحسب تقارير صحفية، بوابة الدخول إلى إدلب المعقل الأكبر لفصائل المعارضة، والتي تطل عليها بسبب موقعها الجغرافي المرتفع. ويعتبر أيضاً جبل الأكراد، من النقاط المهمة في ريف اللاذقية، لوقوعه في عمق ريف المنطقة الشمالي، وعلى مقربة من ريف إدلب الجنوبي الغربي".

ويتكوّن جبل الأكراد من جزئين، الأول ناحية سلمى، وتضم مدينة سلمى ودورين وترتياح ومرج خوخة وكفردلبة والكوم والمارونيات والمريج وساقية الكرت وبسوفا، والجزء الثاني ناحية كنسبا، وتضم بلدة كنسبا وشلف وعين القنطرة ووادي باصور والعيدو وشلف وبللة ومجدل كيخيا وعرافيت وأبو ريشة ومزين وكفرتة ووادي الشيخان والحمرات وعين الحور والمشرفة والقساطل، وغيرها.

ويطل هذا الجبل على الطريق الدولي بين حلب واللاذقية، وتقع إحدى قممه عند مدخل قرية عكو المطلة على سهل الغاب الذي يصل ريف حماة وحمص بالمنطقة الشمالية من ريف جسر الشغور وحتى مدينة إدلب، إضافة إلى قربه من الحدود التركية.

كما يوجد جبل التركمان وهو الأكثر حساسية بسبب ملاصقته الحدود التركية، ووجود قومية تركية، وبدأ التركيز عليه بشكل كبير بُعيد إسقاط تركيا المقاتلة الروسية في 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتشهد المنطقة من ذلك الحين قصفاً جوياً عنيفاً من قبل الطيران الروسي، وسيطرت قوات النظام عبر تأمين طريق اللاذقية ــ كسب، ما سمح بتطويق الساحل من الناحيتين الشرقية والشمالية، وبالتالي إخراجه من ساحة الصراع.