حلب: أشلاء وبرك دم وأب ينتظر حفر قبر لابنه

24 سبتمبر 2016
لم يبق سوى ثلاثة أو أربعة مستشفيات (Getty)
+ الخط -

 

مشاهد مروعة تضم بركاً من الدماء وجثثاً مشوهة ومشافي تغص بالجرحى، سادت الأحياء التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، شرق حلب، بعد أن استهدفتها طائرات روسية وأخرى تابعة لـلنظام السوري بوابل من القنابل والصواريخ.

وفي أحد المشافي القليلة المتبقية في الجزء الشرقي من المدينة، حيث الجرحى ممددون على الأرض بسبب النقص في عدد الأسرة، يقول الطبيب أحمد، والذي فضل عدم الكشف عن هويته الحقيقية، واسم المسشفى، خوفاً من استهدافه بالقصف: "الجرحى يموتون أمام أعيننا، فيما نحن عاجزون".

هذا الطبيب، يعمل وسط رجال وأطفال يصرخون من الألم، وقد تمدد معظمهم على الأرض، والتي صبغتها دماء الضحايا باللون الأحمر.

هنا جريحان في الثلاثينات يلفظان أنفاسهما، فيما تجمعت تحت سريريهما بركتان كبيرتان من الدم.

ويضيف الطبيب: "ليس بوسعنا فعل شيء لهم، خاصة للمصابين بالرأس. نحن بأمس الحاجة للدماء والأمصال ونفتقر إلى المتبرعين".

ولم يبق في حلب الشرقية سوى ثلاثة أو أربعة مستشفيات لا تكفي لاستقبال مئات الجرحى، وغالبيتهم بحالة حرجة مع استمرار القصف بوابل من القنابل والصواريخ، خصوصاً بعد إعلان الجيش السوري بدء عملية واسعة الخميس.

ويوضح الطبيب نفسه "لقد استقبلنا 60 جريحاً في ساعات الصباح وحدها"، مضيفاً "لقد اضطررنا إلى القيام بعمليات بتر كثيرة لإبقاء الجرحى على قيد الحياة لأننا عاجزون عن معالجتهم".

وعلى أحد الأسرة، ينظر فتى مصاب بصمت إلى يديه المغبرتين والملوثتين بالدماء، في ما يشبه صورة الطفل عمران المذهول بعد أن أصيب بغارة على حلب، والتي تصدرت أخبار كل وسائل الإعلام العالمية في آب/ أغسطس الماضي.

وبدا الألم على ملامحه عندما قام أحد الممرضين بتنظيف وجهه من آثار الدماء. هذا الطفل فقد شقيقه الأصغر الرضيع في الغارة نفسها، والتي استهدفت حي النيرب.

يصف الأب ما حدث بالقول: "كنا في المنزل عندما سقط صاروخ في شارعنا. لقد انهار نصف البناء وأصيب رضيعنا في راسه وفارق الحياة على الفور".

وضع جثمان الرضيع على الأرض بعد أن لف بغطاء من الصوف، الأب ينتظر أن "يحفر الأقرباء له قبراً"، مشيراً إلى أنه "لم يدع أمه تشاهده بسبب الجرح في رأسه".

والمأساة طاولت أحياء أخرى غير حي باب النيرب. ففي حي بستان القصر، كان نساء ورجال وأطفال يصطفون من أجل شراء اللبن الذي يندر الحصول عليه كباقي الأطعمة في هذه الاحياء المحاصرة منذ شهرين، عندما استهدفتهم غارة أسفرت عن مقتل سبعة أشخاص على الأقل.

برك من الدماء وأجساد من دون أطراف وأشلاء بشرية في المكان الذي كانت تنبعث منه رائحة الدم بقوة. وبعض الجرحى لا يزالون ينتظرون من يضمد جراحهم أو ينقلهم إلى ما تبقى من المشافي.

نال القصف العنيف من بنايات كاملة وسواها بالأرض، ليحولها إلى كتل من الركام، وشوهدت أعمدة كهرباء محطمة على الأرض مع سيارات مدمرة أو محروقة ما يشهد على عنف الغارات.

وقف المارة القلائل ينظرون بذهول إلى الأبنية المدمرة والشرفات المنهارة والنوافذ المحطمة ويحدقون في السماء لرصد أي طائرة قد تنذر باستئناف القصف.

سيدة تمر أمام منزل سوي بالأرض ومعها فتاة كانت تحمل سجادة تكاد تكون أطول منها بعد أن سحبتها من ركام بنايتها.

وفي كل مكان، بدت الشوارع وقد ابتلعتها الأنقاض حتى كادت تختفي.

في حي الكلاسة، يقول محمد وهو يقوم بإزالة الأنقاض بيديه بحثاً عن عمه: "لقد جاء الدفاع المدني لإنقاذه، لكن وقعت ضربة ثانية، وأصيب ستة من المتطوعين. لقد رحلوا جميعاً".

 (فرانس بربس)